|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
نهاد ابو غوش
2023 / 7 / 23
نهاد أبو غوش
تبدو آمالنا المعلقة على اجتماع الأمناء العامين المقرر في القاهرة نهاية الشهر الجاري، أكبر بكثير من الفرص الواقعية التي يتيحها الاجتماع، وهذا ليس من باب التشاؤم والتطيُّر، بل من باب الحسابات المنطقية. والمؤمن لا يُلدغ من جحر واحد مرتين، أما شعبنا المغلوب على أمره، وهو مؤمن من دون شك بعقائده وبحقوقه السياسية والإنسانية، فقد لُدغ من باب الإفراط في التفاؤل واالثقة في من يديرون شؤونه عشرات المرات. ولذلك من المؤكد أن أي فشل قادم لن يقتصر أثره على التسبب بخيبة أمل جديدة للشعب والناس، بل سيعني فقدان الثقة في كل الطبقة السياسية ومكوناتها والقضاء على ما تبقى لها من شعبية وشرعية.
كل ما يحيط بنا من ظروف لا يشجعنا على التفاؤل، وتجاربنا الممتدة على نحو عشرين عاما من اللقاءات وجلسات الحوار الوطني في عديد العواصم والمدن العربية والأجنبية تؤكد أن صور الابتسامات والمصافحات والعناق بين الفرقاء لا تنسجم بتاتا مع الوقائع التي تشق طريقها على الأرض وتمضي في طريق تكريس الانقسام، وتنافر الخيارات السياسية لأطراف الحوار. وما نتابعه يوميا من بيانات واتهامات، ووقائع صحيحة وأخرى مبالغ بها ومفتعلة، يوحي بأن ثمة مراكز قوى وأطرافا تجد مصالحها الفئوية والشخصية في إطالة أمد الانقسام. وفوق ذلك لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن اجتماعا واحدا مهما جرى التحضير له جيدا يمكن أن يعالج ملفات وإشكاليات تراكمت على مدى سنوات.
يأتي اللقاء استجابة لدعوة الرئيس أبو مازن والتي التقطتها مصر حرصا على مواصلة دورها تجاه ملفات المصالحة الفلسطينية، ومع أن ردود الفعل المباشرة من بعض الفصائل لم تكن مشجعة، كما أن حملات التعبئة والتحريض المتبادلة التي انخرطت فيها دونما داع فصائل وشخصيات ونقابات واتحادات شعبية، لكن الأبرز أن هذه الدعوات تزامنت مع مبادرات برنامجية جريئة لسبل المواجهة المطلوبة صدرت عن أقطاب مهمة في منظمة التحرير والسلطة، كما تأتي الدعوة في ضوء ما ثبت من سهولة طي صفحات التوتير وافتعال المشاكل كما دل على ذلك ما جرى في مخيم جنين، فإذا خلُصت النيات وثبت العزم والقرار لن يقف أي حائل أمام قدرة الفلسطينيين ومؤسساتهم وهيئاتهم ا على ترتيب أوضاعهم بملء إرادتهم وبمعزل عن اي ضغوط وعمليات ابتزاز إسرائيلية وأميركية.
علينا إذن أن نخفض سقف توقعاتنا من اللقاء، من دون أن نصغر أكتافنا أو أن نتخلى عن طموحاتنا المشروعة والملحة في ضرورة إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني واعتماد برنامج وطني موحد للكفاح الوطني، على قاعدة القواسم المشتركة وما أكثرها. وإذا كانت القوى والفصائل الفلسطينية عاجزة عن التوصل إلى اتفاقات ملموسة ومحددة وقابلة للتطبيق، من وحي تجاربها وخبراتها السابقة في الحوار وبعض مجالات العمل المشترك في الماضي، أو من اهتدائها بالمصالح العليا للشعب، فعليها أن تقوم بذلك، أي بالاتفاق على الحد الأدنى المطلوب، انطلاقا من تشخيصها للمخاطر الداهمة التي لا يختلف عليها أحد وفي مقدمتها إصرار حكومة التطرف الفاشي الإسرائيلية على برنامج الحسم العسكري، والذي تعبر عنه الاعتداءات والاجتياحات اليومية، وما أقر به نتنياهو من تصميم حكومته على قتل طموحات الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
من المهم إذن عزل جميع الآراء التوتيرية ونبذها، وتركيز الجهود على الوصول إلى خارطة طريق تمكّن من اشتقاق تفاهمات وبرامج عمل واقعية تفرض نفسها على المجتمعين في ضوء التحديات القائمة، وإذا دققنا في أجندات الحوار والقضايا التي شغلت المتحاورين خلال جلسات الحوار السابقة، يمكن لنا أن نقسم هذه الأجندات إلى ثلاث فئات مع ما بينها من تداخل:
الفئة الأولى هي القضايا التي يمكن الاتفاق عليها بشكل فوري، ولا تحتاج إلا لاتخاذ القرار مثل وقف التحريض والاتهامات بالتخوين والتكفير، والإفراج عن جمع المعتقلين السياسيين، وحتى في حال الاختلالف على خلفيات الاعتقال وأسبابه يمكن الاحتكام إلى لجنة الحريات التي تقرر تشكيلها في اجتماعات القاهرة السابقة، وكذلك تفعيل عمل لجان التنسيق الفصائلي وما تقرر سابقا لتشكيل قيادات موحدة للمقاومة الشعبية.
الفئة الثانية هي القضايا التي يحتاج التوصل فيها إلى حلول عملية لبعض الوقت والتنازلات المتبادلة، وربما إلى بعض لجان الاختصاص وجلسات الحوار التكميلية، لكن طبيعة هذه القضايا لا تنطوي على خلافات جوهرية ومبدئية، بل هي بحاجة إلى طول نفس وتسويات وحلول عملية.
الفئة الثالثة هي القضايا المعقدة والشائكة التي لا يمكن حلها في المدى المنظور، ولكن لا ينبغي السماح للخلاف بشأنها أن يكون عائقا أمام التوصل لاتفاقات وتفاهمات في القضايا السهلة الأخرى، إذن يمكن تأجيل هذه القضايا، أو الاحتكام للشعب وصندوق الاقتراع بشأنها، أو حسمها عبر آليات يتفق عليها.
المهم في اجتماع القاهرة أن يجري تثبيت حقيقة بسيطة وبالغة الأهمية وهي قدرة الفلسطينيين ومؤسساتهم على حل مشكلاتهم بالحوار، ولتعزيز ذلك يمكن أن يتفق على تثبيت صيغة هيئة الأمناء العامين، واختيار لجنة أو فريق عمل لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات، ومن المهم جدا إشراك مزيد من الأطر والهيئات وممثلي الحراكات والاتحادات والنقابات والمستقلين، بهدف توفير أدوات رقابة شعبية على الحوار ومخرجاته، ومع فائق الاحترام للقوى والفصائل ودورها التاريخي ينبغي النظر بعين مسؤولة إلى ما يفرزه الواقع كل يوم من حراكات وتشكيلات جديدة لم تعد تجد في الأطر النضالية التاريخية ما يعبر عنها وعن طاقاتها، والدليل الأكيد على ذلك هي القوائم والتشكيلات التي ظهرت أثناء التحضيرات للانتخابات التي كانت مقررة في العام 2021.
من حق الشعب أن يأمل بنتائج تستجيب لتطلعاته، ومن واجب القيادة العمل على الوفاء بمسؤولياتها، ولا أحد أن ينكر أن الفجوة اتسعت كثيرا بين الشعب والقيادة، والخوف يتمثل في أن اي فشل إضافي سوف يزيد هذه الفجوة إلى درجة لا يمكن إصلاحها بعد ذلك، وبالتالي يمكن أن يكون اجتماع القاهرة المقبل هو فعلا اجتماع الفرصة الأخيرة.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |