ديمقراطية تعبانه خيرا من ديكتاتورية عادلة

محمد رضا عباس
2023 / 7 / 22

لا يمكن لقائد ان يكون ديكتاتوريا و عادلا بنفس الوقت , لان من شروط الديكتاتورية هي الاستفراد بالقرارات و الغاء الجانب الاخر , خاصة عندما يكون البلد كبيرا و متنوعا وتطلعاته مختلفة . وجود حاكم ديكتاتوري في مثل هذه البلدان , ومهما كان عادلا , لا يستطع تلبية جميع طموحات مكونات شعبه . وما تظاهرات الربيع العربي الذي شملت تونس واليمن و مصر و لبيا الا نموذجا حيا على فشل النظم الديكتاتورية في إدارة البلاد . قادة هذه البلدان استمروا بالحكم عقود من الزمن , ولكن عدم قدرتهم على الاستجابة لتطلعات شعوبهم كان هو السبب لخروج مئات الالاف من مواطنيهم الى شوارع المدن مطالبين بأسقاطهم . وفعلا , سقطوا , ولكن خلفوا بعدهم الفقر ,حروب اهلية , اضطرابات سياسية , غياب فرص عمل , و انقسام مجتمعي.
الديكتاتورية حكمت العراق لمدة 35 سنة , ولكن لم يجني العراق من هذا النظام الا الفقر , الحروب , قتل المعارضين , التهجير , وانهيار اقتصادي كامل . لقد سقط نظام حزب البعث والمواطن العراقي كان الافقر في العالم , افقر حتى من فلاح هندي يعيش في احدى قراها , تراكم ديون خارجية بلغت 120 مليار دولار بعد ان كانت الخزينة العراقية عامرة بمبلغ 65 مليار دولار قبل دخول صدام حسين الحرب مع ايران , تضخم مالي لم تشهده منطقة الشرق الأوسط , ومقابر جماعية بلغت اكثر من 300 مقبرة جماعية , عدا من قتل من الشيعة والسنة والاكراد وهم بمئات الالاف . وبالمناسبة , كان النظام يدعي بانه نظام عادل ويعامل جميع أبناء الشعب العراقي بالتساوي ووفق قواعد العدلة . بل ما زال بعض العراقيون والعرب ينظرون الى نظام صدام حسين من انه ارقى النظم العربية واعدلها وان اسقاط هذا النظام جاء برغبة أمريكية - إسرائيلية !
من الممكن تطبيق نظام ديكتاتوري عادل , وان كان من المستحيل خلط الاثنين , على بلدان صغيرة المساحة و قليلة النفوس و متجانسة دينيا و اقتصاديا ومجتمعيا , خاصة عندما تكون فيها نسبة العمالة الأجنبية تفوق نسبة السكان الأصليين . في مثل هذه الحالة لا يوجد مكون يعاني من الإهمال و غمط الحقوق , الكل سواسية , يضاف الى ذلك عدم قدرة العمالة الأجنبية بالمطالبة بالحقوق مهما وصلت بهم الظروف من ظلم وعبودية . ولكن حتى في هذه الدول فان السلم الأهلي سوف لن يستمر طويلا , ما لم يتبنى الدكتاتور العادل مفاهيم عصرية جديدة لإدارة الحكم . التكنلوجيا الحديثة جعلت من الاحداث البعيدة , قريبة جدا , وما يجري من تطور علمي واقتصادي في دولة معينة ينقل من على التلفون الشخصي أولا بأول , وان تخلف الديكتاتور العادل من تحقيق رغبات مواطنيه الجديدة سيعرضه اول مرة الى انتقادات يتبعها احتجاجات شعبية قد تؤدي الى اسقاطه , خاصة اذا نضبت أموال خزينته . وهذا ما نلاحظه في سلطنة بروناي , وهي دولة صغيرة , حوالي ست كيلو مترات مربع , عدد سكانها لا يتجاوز النصف مليون نسمة , وتقع في جنوب شرق اسيا . المجتمع في هذه الدولة اغلبه من المسلمين , حوالي الثلثين , وعلى الرغم من انه يعتبر من اغنى دول العالم , الا ان النظام " العادل " انتقد بسبب فرضه الشريعة الإسلامية على شعبه .
اذن , الديكتاتورية أصبحت مثلا للحكم لا يليق بأفكار القرن الواحد والعشرين , لأنها لا تستطع الاستجابة الى تطلعات الشعوب . على العكس من ذلك , لقد اثبتت النظم الديمقراطية , وان كانت ليست الأمثل , هي احسن الخيارات للحكم , خاصة اذا صاحب هذا النظام مخالب واسنان قوية مع نظام قضائي عادل .
العراق , تبنى النظام الديمقراطي ولكن في الحال انفجرت كل أنواع المشاكل في وجهه , حتى اصبح بعض المراقبون يقولون ان العراق لا يحتاج ديمقراطية وانما يحتاج الى ديكتاتور عادل . والحقيقة ان كل ما وقع فيه من اضطرابات سياسية وامنية واجتماعية واقتصادية ما هي الا نتيجة لما كان يجري في عهد نظام " الديكتاتور العادل". ديكتاتورية حزب البعث قتلت النسيج العراقي ودمرته واصبح المواطنون يخافون الواحد الاخر , وبطبع عندما يسقط مثل هذا النظام , الكل يريد الحقوق ويريد التعويض لبناء مستقبله .
ان من يصرح بان العراق يحتاج الى نظام ديكتاتوري عادل , انما يهين الشعب العراقي ولا يحترم ارادته . الشعب العراقي صفق للديمقراطية وأعطى اعداد هائلة من الشهداء من اجل هذا النظام , ذلك النظام الذي يؤمن الحقوق لجميع مكوناته الكبيرة والصغيرة , وان من يقول ان العراقيون ليس لهم الخبرة بتطبيق النظام الديمقراطي , فان شعوب كثيرة عانت من تطبيق الديمقراطية في اول الامر وارتكبت أخطاء جسيمة , ولكن الخطأ والصح قوى عودها وأصبحت كما نراها الان , ديمقراطيات عريقة تجذب الناظرين لها . وان من الخطأ تصور ان الديمقراطية الحديثة في بريطانيا او فرنسا او الولايات المتحدة مرت بدون مشاكل . انهم ما زالوا يعانون من تطبيق النظام حتى كتابة هذه السطور .
ما نغص تطبيق الديمقراطية في العراق كما بينه الكاتب علي المؤمن هي مجموعة من العوامل وهي أسباب بنوية : التركيبة الجغرافية ( ارث المشروع البريطاني , والايدولوجية الطائفية العنصرية ) و موروث حزب البعث ( من نشر الخوف والرعب في ربوع العراق وتبنيه نظام قائم على العشيرة والعائلة ) , افرازات النظام الجديد ( تفاعل الازمات الموروثة , مشروع الاحتلال الأمريكي, التدخل السافر للدول الأخرى في الشأن العراقي, النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي المنفلت , كثرة الأحزاب الشيعية المتساوية في القوة والشعبية , السلوك السياسي لأحزاب المكونين السني والكردي, ظواهر الفساد الإداري والمالي والفشل التنموي , والضرب المستدام للاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي ).
ربما لا يتفق القارئ مع بعض النقاط التي طرحها الأستاذ المؤمن , ولكن الحقيقة الساطعة هو ان الشعب العراقي رفض الديكتاتورية , سوف لن يتخلى عن النظام الجديد نظرا لمنافعه , حتى وان كانت المسيرة الديمقراطية فيه غير مفروشة بقداح البرتقال والنارنج و ستبقى المطبات ما دام هناك من البشر من يحمل الحساسية منها , وبشر اخر يريد الاستفادة منها على حساب القانون, واخرين يجهل مغزاها .

حوار مع الكاتب الفلسطيني نهاد ابو غوش حول تداعايات العمليات العسكرية الاسرائيلية في غزة وموقف اليسار، اجر
حوار مع الكاتب الفلسطيني ناجح شاهين حول ارهاب الدولة الاسرائيلية والاوضاع في غزة قبل وبعد 7 اكتوبر، اجرت