|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
آدم الحسن
2023 / 7 / 18
قبل ايام ظهر الرئيس التركي اوردوغان على وسائل الأعلام و هو يستقبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي بحفاوة و ترحيب فوق العادة و وصفه بالصديق و صرح أن اوكرانيا تستحق أن تكون عضو في حلف الناتو لكن لم يعلن عن الوقت المناسب لانضمام اوكرانيا لهذا الحلف تصريح عمليا لا قيمة له , و سلمه خمسة من الأسرى الأوكرانيين و هم من قادة كتبة اوزوف الأوكرانية المتهمة بكونها العمود الفقري للنازية الجديدة في اوكرانيا , هؤلاء الاسرى الخمسة هم بقايا مجموعة اسرى أعادتهم روسيا الى اوكرانيا ضمن صفقة تبادل اسرى عبر تركيا و قد كان الاتفاق ينص على قيام تركيا بتسليم هؤلاء الاسرى الخمسة بعد انتهاء الحرب لكن اوردوغان لم يلتزم بتعهده و سلمهم لأوكرانيا و الحرب لم تنتهي بعد , روسيا لم تخسر شيء من تسليم هؤلاء الخمسة اسرى مَنْ خسر هو مصداقية أوردوغان .
بالنسبة للكثير من المتابعين للشأن التركي وجدوا في تصريحات الرئيس التركي و موقفه الجديد تغيير جذري في سياسته تجاه روسيا حتى راح البعض يصف الأمر بالخيانة لروسيا و للرئيس الروسي بوتين تحديدا , فهل حقا حصل انقلاب في موقف الرئيس اوردوغان ...؟
لا شك أن هذا الموقف الجديد الذي اعلنه الرئيس اوردوغان يحمل رسالة جديدة فيها شيء من التهديد للقيادة الروسية هو انه مستعد للانتقال الى الضفة الغربية من الصراع الدائر بين روسيا و الناتو على الأرض الأوكرانية و التخلي عن موقف الحياد الذي سلكه منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية إن لم يحصل على شيء ما دون أن يعلن ما هو هذا الشيء , لكن من المؤكد أن الرئيس بوتين قد فهم الرسالة .
تضمن الموقف التركي الجديد رسالة للغرب ايضا لكنها كانت واضحة مفادها خدماتي لكم جاهزة و طريق انضمام السويد لحلف الناتو سيكون سالك مقابل ثمن هو : تمرير صفقة طائرات F16 الأمريكية بقيمة حوالي العشرين مليار دولار , إعادة تركيا لبرنامج تصنيع F35 , دعم مالي لتركيا من خلال صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بالإضافة الى اهم جزء من هذا الثمن و هو فتح باب الاتحاد الأوربي امام تركيا ليتم قبولها عضوا فيه .
من اجل توضيح الموقف التركي و تعقيداته لابد من الإشارة الى الأمور التالية :
اولا : نصف قرن مضى و تركيا تنتظر عند بوابة الكتلة الاقتصادية الأوربية دون أن يُسمَحْ لها بالدخول كعضو في هذه الكتلة التي تبلور شكلها و صار اتحاد اوربي و في المستقبل قد يتحول هذا الاتحاد الى دولة كونفدرالية ثم الى دولة فدرالية عندها قد يصبح اسمها " الولايات المتحدة الأوربية " .
ثانيا : بسبب حالة اليأس و عدم حصول تركيا على عضوية الاتحاد الأوربي اتجهت تركيا الاوردوغانية نحو الشرق باتجاه الصين و هذا كان اول سبب في تقوية علاقة تركيا بالصين و روسيا باعتبارهما دولتين مؤسستين لمنظمة شنغهاي للتعاون .
ثالثا : حصلت تركيا في سنة 2012 على صفة شريك في الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون لكن منذ ذلك التاريخ توقف مستوى علاقة تركيا بهذه المنظمة عند هذا الحد و لم يكن لها امل في التدرج في العلاقة مع هذه المنظمة لحين حصولها على العضوية الكاملة فيها رغم أن الرئيس اوردوغان قد اعلم قادة هذه المنظمة بشكل رسمي استعداد تركيا لسحب طلبها بالانضمام للاتحاد الأوربي اذا تم قبولها و منحها العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي , لم ينفع هذا التعهد التركي لأنه غير كافي حيث كان المطلوب منها الخروج من حلف شمال الأطلسي " الناتو " ايضا , لقد كان هذا الشرط بالنسبة الى تركيا قاسيا , فتركيا ترى أن لها مصلحة كبيرة في بقائها في الناتو .
لذا فموقف اوردوغان الجديد ليس بخيانة للرئيس بوتين أو لروسيا و انما هو نتيجة اصطدام مصلحة تركيا في بقائها في الناتو بمصلحة تركيا في الانضمام لمنظمة شنغهاي مما دفعه للتوجه مرة اخرى صوب الغرب عسى أن يفتح الغرب لتركيا باب الدخول الى الاتحاد الأوربي .
لقد وجد أوردوغان قضية انضمام السويد لحلف الناتو ورقة يمكن استخدامها للضغط على الدول الغربية لتسهيل انضمام تركيا للاتحاد الأوربي فقرر أن يلعب بها , رغم علمه بأن هذه الورقة ليست كافية لإزالة العوائق امام انضمام تركيا للاتحاد الأوربي , فبكل وضوح و صراحة قال :
انضمام السويد للناتو مقابل انضمام تركيا لأوربا .
بعض دول الاتحاد الأوربي اعتبرت ربط هذين الموضعين امر غير مقبول , و قد صرح المستشار الألماني شولتس " أنه لا توجد علاقة بي انضمام تركيا للاتحاد الأوربي و انضمام السويد لحلف الناتو فلهاذين الموضوعين اسباب و معايير مختلفة .
لقد اعطى الرئيس التركي موافقته على انضمام السويد لحلف الناتو , لكن موافقة تركيا النهائية لهذا الانضمام تتطلب تصديق البرلمان التركي عليها .
قد ينظر البرلمان التركي في قضية انضمام السويد للناتو بعد انتهاء عطلته الفصلية في بداية شهر ايلول القادم , أي هنالك مهلة بحدود الشهرين للاتحاد الأوربي لغرض تغيير موقفه من قضية انضمام تركيا له و بدء مباحثات جدية لاتخاذ خطوات سريعة تسهل هذا الانضمام و هذه الخطوات تشمل تعديل الإجراءات الجمركية للتجارة البينية بين دول الاتحاد و تركيا و كذلك الغاء التأشيرة لدخول المواطنين الأتراك الى دول الاتحاد الأوربي , و إن لم يتخذ الاتحاد إجراءات مقنعة للرئيس اوردوغان و لأن الكتلة النيابية التي ينتمي اليها الرئيس اوردوغان تمتلك اغلبية الأصوات في البرلمان التركي فلا شك أن البرلمان التركي سيرفص المصادقة على انضمام السويد للناتو أو تأجيل هذه المصادقة لفترة زمنية مفتوحة .
(( يتبع ))
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |