|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2023 / 7 / 17
سبق وان كتبت حول فقر إنتاجية العامل في العالم العربي , وخاصة في العراق وهو ينهض عن كبوته بعد ان اجتياح داعش ثلث أراضيه . لقد اقترحت على الحكومة العراقية بدعم برامج تدريب الطبقة العاملة من خلال دعم الشركات التي تقوم بتدريب عمالها او من خلال الإعانات المالية للمؤسسات العلمية بفتح برامج ودورات وحلقات لتدريب الكادر الوظيفي والعمالي . لقد لاحظت من خلال زيارتي الأخيرة للعراق ان عمال البناء مازالوا يفتقرون الى المؤهلات التي تجعلهم قادرين على منافسة حتى العامل العربي . وهذا ينسحب على بقية الخدمات مثل الخدمات في المستشفيات الحكومية والأهلية , تعامل موظفي الدولة مع المراجعين , نوعية خدمات وصيانة السيارات , خدمات وصيانة الأجهزة الكهربائية , المطاعم و الفنادق , وقطاعات اقتصادية وحكومية أخرى .
ما اهمية التدريب المهني للاقتصاد الوطني ؟ الجواب واضح وهو دعم الاقتصاد الوطني ومؤشر على تقدم البلاد الثقافي . انشاء بناية وفق المعيار العالمي يعني راحة لمالكها وامان للمجتمع , وصيانة الأجهزة الكهربائية وادامتها باقتدار يعني نفي الحاجة الى التخلص منها قبل انتهاء عمرها , وتعامل الموظف الحكومي بحرفية وحضارية لمراجعيه يشد المواطن لاحترام حكومته ونظامه السياسي. تعلم العامل على أداء واجبه بكفاءة تذهب الى خارج حدود بلاده , عندما يتعامل مع زوار البلد . النظرة الأولى للزائر الأجنبي لبلد اجنبي هي كيفية تعامل موظفي المطارات او الموانئ مع الزائرين . ان كانت غير مهنية فان هذا الزائر يرجع الى بلده وهو غاضبا ولا يشجع الاخرين لزيارته وان كانت الخدمات مهنية وحضارية فالعكس هو الصحيح حيث يصبح هذا الزائر بوق دعائية للبلد وبالمجان .
طبعا , مهمها بلغ الانسان من كمال , فانه بحاجة الى تعلم أشياء قد تكون غائبة عنه , وهذا هو دور المعاهد التدريبية , تقديم الاحدث الى المشاركين , ومن اجل تقديم الاحدث للعمال من معلومات وطرق وتعامل مع الاخرين تقوم الدول المتقدمة بتقديم المنح السخية للمتعلمين والمعاهد التعليمية , مثل منح إعفاءات ضريبية لعوائل الشباب الملتحقين الى الجامعات والمعاهد , تقديم الدعم المالي السخي للمعاهد التعليمية من اجل تقديم احسن الخدمات , ومنح إعفاءات ضريبية كبيرة لشركات التي توفر الدورات التدريبية لعمالها .
في زيارتي الأخيرة للعراق سألت بعض معارفي عن سبب عدم انجاز اعمال البناء وفق المعايير العالمية , فكان جواب المعارف ان عامل البناء يورث مهنته من ابيه او احد افراد عائلته وبذلك لا يعرف كثيرا عن طرق البناء الحديثة . وطبعا هذا يحدث في جميع القطاعات الاهلية والحكومية . فاذا كان عامل البناء يتعلم مهنته من العائلة , فان الموظف الحكومي الجديد يتعلم كيفية التعامل مع مراجعيه من الموظفين السابقين . ولهذا السبب بقيت إنتاجية كلا القطاعين , الأهلي والحكومي منخفضتان جدا حتى قياسا مع إنتاجية العامل العربي , وهذا يمثل عبا اقتصاديا ثقيلا على الحاضر والمستقبل .
ومن اجل معرفة أهمية تدريب الثروة البشرية تصور ان شركة اعمال قد صرفت على دورة تدريبية كلفتها 100 دولار , وان إنتاجية العمال المشاركين في هذه الدورة قد ارتفعت بمقدار 10 دولارات سنويا , وعليه فان نسبة العوائد من ال 100 دولار هي 10% , واذا كان كلفة الاقتراض اقل من 10% فعلى الشركات الاقتصادية الاقتراض من اجل تحسين أداء عمالها .
طبعا ليس سهلا قياس منافع التدريب المالية , وانما يتم تخمينها من قبل الاقتصاديين . على سبيل المثال لقد قدرت المصاريف على البرامج التدريبية في الولايات المتحدة الامريكية عام 1989 بمبلغ بين 30 و 55 مليار دولار , فيما قدرت المنافع المكتسبة من هذه المصاريف عن طريق رفع الكفاءة العمالية بين 16 و 36% في العام الواحد . كما يلاحظ القارئ ان كلا الرقمين يزيد من كلفة الاقتراض , و يقترح ان من مصلحة الشركات او الحكومات بالصرف على الدورات والبرامج التدريبية .
بعض الشركات قد تعاني من انتقال العمال المتدربين الى شركات أخرى بعد التدريب وبذلك تخسر مصاريف التدريب على هؤلاء العمال . طبعا , في حالة قيام الدولة بتحمل مصاريف التدريب , فان انتقال عامل من شركة الى أخرى او من دائرة حكومية الى أخرى سوف لن يضرها , لان الانتقال وقع ضمن حدود البلد ,والعامل او الموظف الذي ينتقل من الغرب الى شرق البلاد لا يشكل ضررا للحكومة ولا للاقتصاد الوطني .
اما اذا تحملت الشركة كلفة التدريبات وأصبحت تعاني من تكرار انتقال عمالها الى شركات أخرى , فان حكومات الدول الصناعية تدعم هذه الشركات ماليا عن خسارتها . على سبيل المثال, تقوم الحكومة اليابانية بتحمل نصف كلفة تعيين العمال الجدد وتغطي كلفة تجهيزات الدورة التدريبية . بعض الشركات تضيف كلفة التدريب الى كلفة الإنتاج وبذلك يتحملها المستهلك .
باعتقادي , ان شركات القطاع الخاص في الوطن العربي ليس لها القدرة على دفع مصاريف اضافيه على كلفة الإنتاج من اجل تدريب عمالهم , في الوقت الذي تعاني منافسة قاتلة من المنتوجات الأجنبية خاصة تلك الدول ذات الكثافة البشرية مثل الصين , الهند , وإندونيسيا , ولهذا السبب يجب على الحكومات الاستثمار في المعاهد والجامعات التي تقدم التدريب والخبرات الى الشباب . ان الاستثمار الحكومي في هذا المجال سوف يقلل رغبة الشباب بالتعيين الحكومي وبنفس الوقت توفر الحكومة ما تحتاجه التنمية الاقتصادية من خبرات مثل عمال صيانة الطاقة الكهربائية , توصيل الكهرباء الى الدور السكنية , تصليح الأجهزة الكهربائية , تصلح الأجهزة الطبية عالية الثمن , توفير عمال مدربين بإصلاح عطب السيارات ,وفوق ذلك فان اجر أداء هذه الخدمات الشهرية تفوق الاجر الشهري لكثير من الموظفين الحكوميين سواء كان هذا المقدم للخدمات كان في مصر العربية او في العراق او لبنان او المغرب العربي .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |