|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عباس علي العلي
2023 / 7 / 14
حينما قدم التلمود والتوراة الله كشكل وماهية بصورة كاهن يهودي متعصب لقومه ويفكر كما يفكر البرجوازي الطفيلي الذي يعيش على فن الخداع وأستغلال الأخر لتحقيق مصلحة شعب عامة وقوة قيادة هذا الشعب خاصة، لم يكن ذلك قصورا في فهم الكتابين لله ولشكله وماهيته الوجودية، فقط لأن من كتب التوراة والتلمود بالرغم من أنه أي الكاتب إنسان طبيعي يعرف بالفطرة والتكوين أن هناك ربا للكون والوجود، وهذا الرب واحد كبير وعظيم وقادر وبلا حدود ولا شكل ولا ماهية معروفه، لذا عندما كتب عن هذا الواحد الكبير وضع شيئا من أمنياته الخاصة ورؤيته الفردية على هيكل الصورة وقدمها للناس، على أن الله هو هذا الحبر الأعظم للوجود الذي لا يقبل بأقل مما يؤمن به هو ويريده هو ولا بتنافس على أمره غير هو... هذا هو واقع الصورة الدينية التي ساقها أول دين مكتوب ويزعم انه أول رسالة مدونة من الله للناس بعد إبراهيم وعصره.
ففي نصوص التوراة حكايات وقصص عن الله الذي يقود شعبه ويضللهم بالغمام ويوجهم بعمل كذا وترك كذا ويطعمهم ويسقيهم دون الخلق كله، فالله التوراتي منشغل ببني إسرائيل وحدهم ويعمل ليل نهار في خدمتهم حتى يعودوا الى الأرض الموعودة، فهو لا يستطيع مثلا أن يعمل أي حل لهم سوى أن يرسل لهم أنبياء ورسل ليحققوا نبوءته، لأنه هو عاجز عن فعل ذلك، هذا مما يجعل الشعب اليهودي مضطرا في كل مرة بمخالفته لأن تعب وأرهقته أوامره ويبحث عن السلام والأمان والعمل ولا يريد الحروب، وإذا كان الله قادرا فعليه أن ينتقم من أعداء الشعب اليهودي وبنفيهم من الأرض بدل كل هذا العذاب والصراع، هذه الصورة التي تعامل بها التوراة والتلمود عن الله، لذا لا غرابة أن نجد التهكم والأستهزاء بهذه الصورة المجزأة والوضيعة عن الله ، يقول ويتساءل ليوتاكسل بتهكم: “إن الله صنع الإنسان على صورته ومثاله”. إذاً ما الذي يميز التصوُّر اليهودي والمسيحي لله عن تصوُّر الديانات الأخرى له، الديانات التي “وصمتها” المسيحيًّة بالوثنية؟ فالرومان الذين أخذوا معتقداتهم من الإغريق، لم يتصوَّروا الآلهة إلَّا في صورة بشرية، الأمر الذي يرغمنا على القول: ليس الله هو الذي صنع الإنسان على صورته ومثاله، بل الإنسان هو الذي تخيل الآلهة على صورته ومثاله”.
نعم أن الإنسان هو من صنع الله على صورته وعلى حدوده ومقاساته تماما كما تخيلت الشعوب القديمة الله كمجموعة من الشخصيات المتصارعة المتنافرة التي لا تختلف كثيرا عن حكامها وملوكها وقادتها، فهي تتصارع على النساء وعلى السلطة وعلى كل النوازع البشرية، هذا هو ما يتطابق مع تصور العراقيون القدماء والمصريون والفرس والرومان وغيرهم من الأقوام التي عبدت صور مختلفة عن الله سمتها ألهة وأرباب، ولم يتغير الحال حتى مع ما يعرف بنزول الرسالات والكتب، فالله المسيحي نسخه اخرى من الله اليهودي، والله الذي رسمه القرآن على نفس المنوال رجل بدوي محروم من ملذات الدنيا لأنه لم يعرفها ولم يتذوقها، لم يعرف الخمر انهار ولا العسل ولا الفواكه ولا الحسان الفاتنات التي وعد بها المؤمنون، هذا الله المتخيل أيضا يتابع أمر المسلمين والمؤمنين وحدهم ويدير شؤونهم ويسهر على الأستماع لمناجاتهم ودعائهم، ويعمل وكل شيء بيده لينصرهم على عدوهم، هذا الله الخادم الذي ترك الوجود كله وعين من نفسه شرطي ومعلم وطبيب وقائد للجيش وووو، هو عين ذات الرب اليهودي مع تبدل الشعب الذي ينتمي له.
هنا علينا أن نفرق بين الله الذي حتى الكتب الدينية الذي وسمته ووصفته وأعطته صور وماهية ما، فإنها تقر وتعترف بصريح القول أن الله ليس كمثله شي، هذا الإقرار والنفي والتشبيه والتجسيم في آن واحد يثير حفيظة السؤال، ويطلب جوابا محددا لا يستند على مبررات التأويل والتفسير الأعتباطي، فأما أن يكون الله كما يزعم مثلا أن الله مجرد روح بلا مظهر ولا شكل، فهو ماهية محددة بجزء من منظومة الإنسان مثلا عندما يقولون أن “اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا” (يو4: 24)، أو يعطونه وجود معظم وجود مادي مجسم كما يقول استفانوس “كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ” (أع7: 48-49)، هنا وفي نفس البيئة الفكرية المعرفية نلاحظ أن الله مجموعة من الأفكار المتناقضة في كل شيء يخصها، حتى أن بعض المتخصصين العميقين في الديانات يقولون أن صورة الله هي جزء منا، وبالتالي جزء مكون فينا وهنا تتحد صورة الله مع بعض الذات البشرية لتكون شيء مركب يجمع خالق ومخلوق في تركيبة غير منطقية ولا عقلانية ، لذلك يقول القديس توما الأكويني عن صورة الله في الإنسان إنها القدرات الروحية في الإنسان، ومنها القدرة على التفكير، ويراها أوريجانوس النفس البشرية الخالدة، وهناك من يرى أنها القدرة على إقامة علاقات مع الله ومع الناس ومع الكائنات البشرية كلها. فالإنسان هو الكائن الوحيد من كل مخلوقات الله الذي له القدرة على إقامة العلاقات.
هذا بالضبط منهج الديانا في تعريف الله أنه منح الإنسان لوحده سلطة المعرفة، سلطة فريدة ليكون علاقة مع الله دون أن يلتفت لبقية الوجود (الإنسان هو الكائن الوحيد من كل مخلوقات الله الذي له القدرة على إقامة العلاقات)، فلا غرابة أن التوراة تجعل من الله خادما لبني إسرائيل وقائدهم وأبوهم لأن تعريف الإنسان لديهم هو الإسرائيلي فقط أما بقية البشر فليسوا ممن يدخل في التعريف، هذا أيضا ينطبق على الإسلام عندما جعل الله مهتما بالمؤمنين وحدهم وأنه يكره ما عداهم ولا يحبهم لذا أصر الإسلام على دخول الجميع في الإيمان الإسلامي حتى ينالوا بركة المحبة ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا))، وحتى في داخل الدين الواحد لا نرى القاعدة تطبق على الجميع، فمثلا المذهب الشيعي بقدم أل البيت والمؤمنون بهم على أنهم شعبه وأنهم أصحاب الفوز وأنهم الغالبون، أما أصحاب المذهب الأخر فيرون العكس في موضوع الفرقة الناجية التي ستفوز برضا الله ومحبته من كان على دين الخلفاء والصحابة وزوجات الرسول، الخلاصة أن الأديان كلها تريد منا أن ندخل في عنوان شعب الله المختار الذي يحدده كاتب الكتاب دون بقية الموجودات الكونية التي ما خلقها الله إلا لتكون بخدمة هذا الشعب المختار.
لقد أهانت الأديان كلها والمذاهب والأفكار والرؤى التشكيلية لله من خلال رسم صورة قزمية لله، صورة بشرية كاملة بأمتياز وكأنه واحدا ممن كان يعيش في عصرها بزمنيته وملامحه وأشتراطاته، لتجرده من المطلقية التامة الكاملة وتعري من وحدويته الكبرى وعلويته التمامية، حتى تستطيع أن تقنع العقل الإنساني بالأنتماء لها بأعتبارها جزء من شخصية الله أو أن الله جزء من شخصيتها، لذا فكل صراعات الإنسان الوجودية فيما يتعلق بالجانب الديني يعود السبب فيها إلى قضية الأنتماء للصورة وحكم الأنتماء وواجب الأنتماء، ونسي الإنسان أهم قضية لا بد أن يدركها ويفهمها أن الله رب الوجود وهو العادل والذي لديه كل المبررات المنطقية والعقلية التي جعلته يخلق هذا التنوع الكوني الوجودي الرهيب، في منظومة كبرى بلا حدود ليجعلها تعمل على أساس قوانين ومعادلات منتهية التكوين وفي منتهى الكمال، وترك الوجود يحرك ذاته بذاته بعد ذلك، فهولا ينتمي لشعب ولا دين ولا كائن محدد، ولا يمكنه أن ينشغل بجزء محدد وصغير حد التلاشي ويسهر ليسمع دعاءه ومناجاته وطلباته وأمنياته ويترك هذا الوجود لأن فلان قال أن الله قال ....
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |