الدين بين القيم الوجودية وزعم روح المثالية

عباس علي العلي
2023 / 7 / 10

الله الذي قال مرارا وتكرارا وعلى لسان انبياءه ورسله كما نعتقد ويعتقد معنا المؤمنون، أن لا ندعوا ولا تدعوا مع الله احدا، كما نهانا أن نعبد من دونه أربابا على أنهم يقربوننا زلفى من الله، ولكن قال اشكروا لي ولهم واحمدوا لي وعليهم والله يحب الشاكرين ويحب الحامدين، هذا التفريق بين الشكر والحمد للمخلوق منفردا أو مع الله وبين الدعوة لهم وباسمهم وما ينطبق عليهم من معنى عبادة الارباب، أرادها الله بهذا المعيار تفريقا لصدق الايمان وصحته عند الناس، فلا عبادة لأحد دون الله تحت أي مسمى أو عنوان أو تبرير، ولا دعوة لنبي أو رسول أو صالح أو صديق مع دعوة الله حتى لو كانت كما يزعمون جوهرها عبادة الله الواحد الأحد، بل نؤمن ونتعامل معهم على أنهم عبادا مكرمين نحمد لهم ونشكر ما أدوا وما حملوا من بيان وخير وإصلاح للناس والوجود، وأن الله هو وحده المعبود والمقدس والمعظم.
إذا المركزية في الدين عند الله هي القضية الموضوعية التي بدونها لا قيمو لأي إيمان ولا دليل على أي أعتقاد، وهي قضية الإيمان التوحيدي الحقيقي الخالي من أي صورة ملاصقة أو منافسة أو موازية لا بركنيها الأصل والمحور وهو وجود الله ذي القدرة اللا محدودة على تنظيم وادامة هذا النظام الكوني والحفاظ على قوانينه، والمسألة الثانية هي وظيفة الإنسان الطبيعية في هذا الوجود ودوره الإصلاحي من خلال الخضوع الطوعي والاختياري للقوانين والمعادلات الوجودية، التي تحقق له الخير والمصلحة من جهة وحماية واستقرار الحركة الوجودية ومنع إفسادها أو انتهاك حدودها العامة، وكل ما عدا ذلك من رمزيات وشخصيات واعتقادات وطقوسيات إذا لم تخرج عن هذا الفهم والدور المطلوب منها فهي منه، أما إذا تحولت أو تكونت أو مورست خارج هذا الإطار والفهم، أو لمحاولة جعلها في مرتبة أعلى من واقعها كما رتبه الله، فهو خروج عن الإيمان والنظام الكوني وتجاوز على مركزية الله.
ومن هذا المنطلق يجب أن نفهم أن الدين لا يمنعك أن تفرح مثلا أو تحزن أو تمارس حياتك بحرية وفق ما يتوافق مع قواعد وجودك الذاتي وظروفك الموضوعية، لكن وبشرط أن لا تمس مصلحتك بالخير والأحسنية أو مصلحة الأخر المحترمة أيضا بنفس التقدير والأسس، أو ومحاولة انتهاك قوانين ومعادلات الوجود حتى لو كان عقلك أو واقعك عادة لا ينفذ للمسائل البعيدة والدقيقة، فهي ليست ممنوعة أو لأنها حرام بذاتها، فهي اولا تسبب الضرر أو تؤسس له من جهة، والخسارة الواقعة أو المحتملة أو المتوقعة لاحقا لك، وثانيا والأهم من ذلك أنها اصلا لا تتلائم مع قوانين الوجود الصارمة، فالمنع هنا يأت من أجل أن لا تدفع ثمن شيء لا ينفعك وليس فيه خير دائم أو إصلاحي أو وقائي من الفساد، وبالنتيجة مع كل الخيارات فهو وهم وظن لا يتحقق، وللتأكد من هذه الحقيقة راجع كل محرمات الدين بدأ من الشرك بالله والقتل والسرقة والربا وووو كلها تخلو من عنصر الخير والأحسنية وأنها تمس قواعد وقوانين ومعادلات الوجود الكونية ولا تحقق أي نتيجة بالنهاية.
من هذا التقديم أرى ومن تدقيق الوقائع وعرض الموضوع على تصنيفات المعرفة العامة حسي طبيعتها بين النسبي والمطلق، أجد أن الدين ليس كما يظنه الجميع أنه مجموعة من العلاقات والقيم المثالية والروحية، وأن طبيعة هذه القيم والمثليات قد لا تتوافق كليا أو جزئيا مع العلم والقوانين الموضوعية الثابتة، والحقيقة هذا التصور الغير دقيق ليس ناتجا عن طبيعة الدين الوجودية المادية التي تتميز بقيم ثابتة وعامة ومجردة، بل أن الإنسان المتدين ومن خلال تدخله الأعتباطي في قضايا الدين وقراءاته الخاصة أعطى لنفسه صورة مغايرة للحقيقية، أولا لأنه لم يقرأ الدين من الوجه الأبعد الذي أساسه كما قلنا حفظ قوانين الوجود المادية وعدم أنتهاكها أو إفسادها، وثانيا ظنه أن الدين مجرد علاقة إرشادية ومجموعة نصائح وفروض لتحسين النتائج للفرد في عالم أخر قد يكون أو لا يكون.
المعرفة التي تتقيد بالقيم الوجودية وتحاول بكل قوة مراعاتها مع محاولة تقديم هذا الأهتمام والتركيز بقوالب منطقية في جزء منها يستخدم الحث الروحي والمثالي، لا يعني أبدا أنها قيم مثالية، فالأهم في بناء القيم الهدف الغائي والنهائي منها، حتى في العلم إذا لم تكن قواعده تذهب بنا إلى فهم وتدبير النظرية الوجودية الشمولية ومحاولة فهم حركتها الخارجية والجوهرية، فهذا ليس بعلم حقيقي كما هي الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات، فالدين من خلال البحث عن أسسه العميقة وأهدافه البعيدة يشترك مع كل العلوم في مسارتها المطلوبة منا، أن نفهم الأسئلة الأولى "لماذا" و "كيف" و "متى" و "أين"، هذه الأسئلة هي التي قادت الإنسان الحقيقي الوجودي المتماهي مع دوره الوظيفي الذي جاء أيضا في الدين "لتعارفوا"، أي لتعرفوا كل شيء وليس التعارف بمعناه الخاص أن أقيم علاقة معرفية بيني وبينك، لتعارفوا هذا المصطلح المطلق الممتد على كل أنواع المعرفة، هو أساس الدين وغايته الكبرى كما هو غاية وأساس العلم المادي والمجرد.
قد لا يقبل الكثيرون ممن يرون في الدين عنصره الروحي والمثالي فقط، ويرددون المقولة الببغائية أن الدين والعلم في تناقض تام ولا يمكن أن يكونا في نفس المسار، العلة التي يسوقنها أن الدين معرفة مثالية أحتمالية أما العلم فهو معرفة منطقية مجردة الغالب عليها التجريب وأحيانا الثبات النسبي، لو كان الدين لا يتحدث ولا يهدف إلى حفظ قوانين الوجود وعدم الإفساد وأن كل أطروحاته ظنية ونسبية بسيطة، لكان من الحق أن نؤيد هذا الكلام، ولكن عندما يشدد الدين على أهمية حفظ الوجود وأحترام قوانين الله الأولى والتركيز على أهمية المعرفة والعلم كضمان لفهم الوجود، فبصبح هذا القول مجرد زعم للا دليل وأستنتاج يلر موفق وقاصر في فهم الدين ومساراته الأصلية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي