تخطيب الجنس و تبعيته التاريخية للجنسانية

إلياس شتواني
2023 / 7 / 5

القرن السابع عشر، بداية القمع في المجتمعات التي ندعوها برجوازية.
ان هذا المشروع "لتخطيب الجنس" تشكل أولاً في تقليد رهباني وكنسي محدد، إلا أن القرن السابع عشر جعله قاعدة عامة يجب على جميع الناس الالتزام بها. إنها محاولة لجعل الرغبة، كل الرغبة، خطابا. كل هذا لجعل الجنس مقبولا أخلاقيا و نافعا تقنيا. يتتبع ميشال فوكو في كتابه "تاريخ الجنسانية" تخطيب الجنس من منظور تاريخي-دلالي كشئ تمت ادارته و ادراجه في أنظمة للمتعة و تشغيله من أجل مصلحة الجميع. يتعلق الجنس بالقوة العامة، ويتطلب إجراءات إدارية، ويجب التعامل معه عن طريق خطابات تحليلية. لقد أصبح الجنس في القرن الثامن عشر قضية "شرطة". كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي أصبح فيها المجتمع مهتمًا بالطريقة التي يستخدم بها الأفراد جنسهم. وهكذا، أصبح الجنس، بين الدولة والفرد، رهانًا، رهانًا عامًا، يتم التحكم فيه بواسطة سلسلة كاملة من الخطابات ونظريات المعرفة والأوامر.
هذه الرقابة الاجتماعية نشطت في الطب أولا بواسطة أمراض الأعصاب ، و الطب العقلي بعد ذلك عندما استولى على مجموع الشذوذات الجنسية جاعلا منها ميدانه الخاص. ما يميز المجتمعات الحديثة هو أنها أوقفت نفسها على الحديث عن الجنس، جاعلين منه "سراً". حتى نهاية القرن الثامن عشر ، كان هناك ثلاثة مدونات رئيسية تحكم الممارسات الجنسية: القانون الشرعي الكنسي، الرعائية المسيحية، و القانون المدني. التحريمات المتعلقة بالجنس كانت ذات طبيعة قانونية محضة. لكن، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اصبحت هذه التحريمات تكتسي طابع "ضد-الطبيعة" و المرض و الجنون و الشذوذ. لقد تنازل القضاء عن مهامه لصالح الطب. ولكن الطب قد تدخل بقوة في متع الفرد و اخترع مرضية كاملة، عضوية، وظيفية أو عقلية، قد تنتج عن ممارسات غير كاملة.
غدا الفرد يعيش في ثنائية المتعة و السلطة. متعة ممارسة سلطة تراقب و تترصد. متعة تشتغل لكونها تفلت من هذه السلطة، تهرب منها أو تقنعها. ان المجتمع البرجوازية للقرن التاسع عشر هو مجتمع الشذوذ المنقطع النظير. لقد أنتج هذا المجتمع برعمة مرضية طويلة للغريزة الجنسية. ان هذه السلطة التي أخضعت الجسد و الجنس، عملت على تكثير الجنسانيات الفريدة. فهي لا ترسم حدودا للجنسانية، بل تمدد أشكالها المتنوعة. لقد تحول الجنس من فن ايروسي Ars Erotica حيث ينظر للجنس كمتعة في حد ذاته، الى علم جنسي Scientia Sexualis حيث يتعلق الأمر بالاعتراف، حيث غدا الانسان حيوانا معترفا بامتياز.
إن المجتمع الذي نشأ في القرن الثامن عشر، والذي يمكن أن نصنفه كبورجوازي، رأسمالي، أو صناعي، لم يقابل الجنس بالرفض. على العكس من ذلك، فقد قابل هذا المجتمع الجنس بجهاز كامل أنتج خطابات حقيقة حوله. هذه السلطة، كممارسة، كانت دائما ما تصاغ في صورة الحق. هذه السلطة الجديدة تعمل من خلال المراقبة والرقابة وما شابه ذلك من طرق تتجاوز الدولة وأجهزتها. هذه السلطة هي الاسم الذي نمنحه لوضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين. هذه السلطة لا تنبع من مكان معين، ولا يتحكم فيها شخص معين. إنها تعمل من خلال الثنائيات و المركبات التي ترتد بين الأشخاص الذين هم في السلطة والمسيطر عليهم. إنها صامتة تتغلغل بعمق في الجسد الاجتماعي. هذا الخطاب حول الجنسانية عبارة عن مركبات من المعرفة و السلطة.
يمكننا قبول أن العلاقات الجنسية، في جميع المجتمعات، قد نشأت من "مركب للتزاوج"، حيث الهدف الرئيسي هو تثبيت نظام التزاوج، تطوير القرابات، و انتقال الأسماء و القرابات. تحول هذا المركب من اشكالية للعلاقة الى اشكالية للشهوة، أي الجسد و اللذات و الاندفاعات الأكثر سرية للشهوة. وهكذا، انبثقت الجنسانية من تقنية للسلطة كانت أساسًا قائمًة على التزواج. ان هذا الاعتراف للجنسانية خارج السيادة الأسرية هو ما أعطى سلطة للتحليل النفسي كخطاب طبي يأرخ للشذوذات و يدعو لتنظيم الاضطراب و اعادة النظام للمجتمع.
لقد كان دم البورجوازية هو جنسها. هذا القمع الذي مارسته البرجوازية على الجنس لم يكن نتيجة لدوافع اقتصادية أو أيديولوجية، بل كان مسألة "جسدية" مادية. يمكن الاستنتاج أن هناك جنسانية بورجوازية و جنسانيات طبقية. أي أن الجنسانية هي أصليا بورجوازية، و أنها تنتج في تحولاتها اثارا طبقية واضحة. هذا التحول البيو-سلطوي كان لابدا منه لتطور الرأسمالية، وللمرة الأولى انعكس البيولوجي في السياسي.
على هذا العمق يمكن فهم الأهمية السياسية للجنس. فهو يتعلق، من جهة، باليات انضباط الجسد و اقتصاد الطاقات. و من جهة أخرى، انتظام السكان بكل ترتباته الشاملة. لقد انتقل المجتمع الحديث من مجتمع "دم" كعنصر هام للسلطة، الى مجتمع جنسانية من "رمزية للدم" الى "تحليلية للجنسانية".
الجنس هو تحت التبعية التاريخية للجنسانية، و ليس العكس. ينبغي ألا نعتقد أننا حينما نقول نعم للجنس فاننا نقول لا للسلطة بل اننا نقبل ببساطة المركب العام و التاريخي للجنسانية. في نظر فوكو، يبقى التحرر كفيلا بقلب هذا المركب و التركيز أكثر لا على الجنس، بل على الأجساد و المتع.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي