![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
إلياس شتواني
2023 / 7 / 3
كان يومًا صيفيًا حارًا. في حوالي الساعة العاشرة صباحًا، تجمع عدد كبير من الناس على الساحل المجاور لمنزلي. كنت أشرب قهوتي الصباحية كالمعتاد عندما سمعت ضجة عالية خارج نافذتي. كان عليّ أن أنظر عبر النافذة، ليس لأنها كانت مفتوحة بالفعل بسبب الحرارة الشديدة، ولكن بسبب الهتافات المدوية المنبعثة من ذلك الحشد. كان المشهد مهيبًا. كان هناك الآلاف، إن لم يكن مئات الآلاف من الأشخاص يقفون دفعة واحدة على الشاطئ. كانوا يحملون لافتات كبيرة، ويصرخون بأعلى حناجرهم بإجماع "دعونا نذهب".
في البداية، لم أكن أعرف بالضبط ما الذي كان يحدث. العديد من الأسئلة والأفكار أثيرت في ذهني. كان الساحل عبارة عن ثكنات عسكرية مهجورة، والتي على الرغم من سنوات من الإهمال، لا زالت قائمة. المنطقة المحيطة بأكملها غير مصرح بها للمدنيين. تفيد الشائعات المتداولة أن المكان كان يستخدم كمستودع لتجار الأسلحة المحليين، الأمر الذي خلق هالة من الخوف والقلق في قلوب السكان المحليين. إنهم يعرفون ما يجري، ومن يدير الأمور في المدينة حقًا، بل في البلد بأكمله. عينت السلطات المحلية ضابطي شرطة مدججين بالسلاح عند كل طرف من أطراف الساحل البالغ طوله ثلاثة أميال، وأربعة آخرين في كل من البوابات الأربع الرئيسية. وباستثناء التصاريح المرخصة، فمن المستحيل دخول أي منطقة، حيث كانت محاطة بأسلاك شائكة شديدة الطول و الانحدار.
كان المكان سرًا، لا يعرفه إلا السكان المحليون. ولكن ما لم يكن سراً هو كيف عانى هؤلاء الفقراء وعاشوا حياة بائسة حقًا. كانوا يعيشون في حالة من اليأس، بل ويجيدون كيفية تبريره. لكن ليس بعد الآن. جاء سكان البلدة، في أعداد كبيرة، لعبور الخط المحظور.
نزلت الدرج وشققت طريقي بسرعة نحو الفناء الخلفي. أخذتُ سلمًا على عجل، عدّلتُه تجاه الحائط، وصعدت بخطى سريعة و حذرة. كان المشهد واقعيا. لم أكن أهذي ولا أتخيل. كان حشدا ضخما يقف على الشاطئ، يصرخ الآن بكلمات غير مفهومة وبنبرة غير منتظمة. كان الرجال والنساء من مختلف الأعمار، مع الأطفال الصغار، يحملون حقائبا ويلوحون بعصي وهراوات. كان هؤلاء البؤساء يحاولون حقا اقتحام أحد أقرب مراكز الشرطة.
رجل اقترب من العتبة، أصيب على الفور برصاص ما بدا وكأنه قناص مختبئ بداخل المركز. كان لصوت الرصاصة تأثير عميق على الحشد، حيث ارتد في تردد مضطرد.
لم يستغرق الأمر سوى دقائق قبل وصول المدفعية الثقيلة والمروحيات.
كان مشهدا مروعا.
الحشد الذي كان يتحرك أصبح الآن عبارة عن جثث هامدة ملقاة على الأرض.
القليل فقط تمكن من الفرار.
هؤلاء نجوا من المذبحة فقط ليرووا القصة، لكن في صمت.
قصة البؤس و الثورة.
قصة الأحلام و الرصاص.
كل الماضي دفن تحت دوي الرصاص والصواريخ، و تحت حبيبات الرمل المضجرة بالدماء.
دماء الأطفال و النساء.
تناهى الى سمعي حشرجة شيخ كبير يلفظ أنفاسه الأخيرة:
لكن المستقبل لنا.
الثورة ماضية.
الثورة لن تموت...
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |