متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والعشرون، بتاريخ الأول من تَمُّوز/يوليو 2023

الطاهر المعز
2023 / 7 / 1

يصدُر العدد السادس والعشرون بعد يَوْمَيْن من عيد الإضحى الذي يحتفل به المسلمون في جميع أنحاء العالم بذبح الماشية (خروف أو عجل أو غيرهما)، فيما يَحُجُّ الأثرياء (أو من يُفْتَرَضُ إنهم أثرياء) إلى مكّة والمدينة، وإنفاق حوالي سبعة آلاف دولار كمعدّل لتكاليف الحج، لذا فهو عيد مُكلّف (كما شهر رمضان وعيد الفطر)، ولذلك كانت الفقرة الأولى مخصصة لعيد الإضحى، والفقرة الثانية مخصّصة للعلاقات غير المُتكافئة بين الدّولة التونسية والإتحاد الأوروبي الذي جعل من حكومتها حارسًا للحدود الخارجية الأوروبية مقابل دعم سياسي ومالي هزيل، وتتناول الفقرة الثالثة تحويل الرأسمالية الغذاء إلى سلعة وإلى حقل تجارب (إنتاج مُعدّل وراثيا) من أجل زيادة الأرباح، مع إخفاء الآثار السلبية على صحة الإنسان ومحيطه، تليها ثلاث فقرات عن أوروبا، بشأن العلاقات الأوروبية الأمريكية، وبعض أحدث البيانات عن الأسعار والتضخم والبطالة في دول الإتحاد الأوروبي وفقرة عن بعض ملامح الوَجْه الخفي لسويسرا، كمجتمع طبقي، شديد الرقابة والتفاوت، وذلك بمناسبة إضراب العاملين بمطار جنيف (الجمعة 30/06/2023)، تليها فقرة عن معدن الليثيوم كأداة صراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، ثم فقرة عن تحويل الرياضة من متعة وترفيه إلى مجال استثمارات وأرباح، خصوصًا رياضة كرة القدم في أوروبا، وفقرة عن قيمة بعض الشركات العابرة للقارات، وهي شركات لا تُنتج سلعًا أساسية وإنما شركات خدمات ومُضاربة، وتتناول الفقرة الأخيرة العلاقات الأمريكية- الهندية وتَحَوُّل الهند من مؤسس حركة عدم الإنحياز وبريكس إلى حليف للكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي...

عيد الإضحى، إرهاق صحّي ومالي
شهدت الدول العربية موجة جفاف منذ سنتيْن أو ثلاثة، ما زاد من صعوبات المُرَبِّين (بسبب ارتفاع الأعلاف) وما رفع أسعار اللحوم، وبالأخص أسعار الخرفان قُبيل عيد الأضحى لسنة 2023 بنحو 40% بالمقارنة مع أسعار أضاحي سنة 2022...
يناسب عيد الإضحى ذروة موسم الحج الذي لا يستفيد منه سوى آل سعود الذين يتوقعون ارتفاع عدد الحجّاج إلى مليونين (بين المقيمين والقادمين من الخارج) بعد تهديم الأحياء والفنادق "الشعبية" وإزالة الآثار التاريخية، وبناء فنادق فاخرة، ورفع سعر الإقامة، مع الإحتراز من أي بيانات حول السعودية التي تنشر أخبار متضاربة عن عدد الحجاج وعن الإيرادات أو لا تنشر أرقامًا أصلاً، وتختلف تكلفة الحج من بلد إلى آخر، وتتراوح بين خمسة وسبعة آلاف دولارا، وتُقَدّر إيرادات السّياحة الدّينية، بين حج وعمرة، بما بين 14 و 20 مليار دولارا، وهي تختلف باختلاف المصادر، وجميعها مبنِيّة على تقديرات، لأن الوضوح والشفافية والمصداقية ليست من ميزات آل سعود...
يتأثر سعر خرفان الأضاحي بعامل العرض والطلب وبحجم الثروة الحيوانية ووزن الخروف وما إلى ذلك، ويتزامن عيد الإضحى لسنة 2023، مع تراجع الثروة الحيوانية في معظم البلدان العربية بسبب الجفاف وارتفاع سعر العلف، فضلا عن ارتفاع نسبة التضخم إلى حوالي 10% في المتوسّط، ولذلك اتخذت حكومة المغرب قرارًا غير مسبوق يتمثل في استيراد الأغنام من إسبانيا، بسبب الجفاف المستمر منذ ثلاث سنوات والذي رفَعَ أسعار الأعلاف والأغنام التي يشتريها المواطنون بمناسبة عيد الإضحى، حيث يصل سعر الخروف إلى ثمانمائة دولارا، وبلغ سعر الخروف متوسّط الوزن في الجزائر نحو ألف دولار، وفي تونس نحو ألف دينار ( حوالي 300 دولارا) أي أكثر من ضعف الحدّ الأدنى للأجور، ما جعل البعض يُطالب مُفْتِي الجمهورية بإصدار مرسوم أو قرار ذي صبغة دينية ( فتوى ) تُجيز إلغاء الأضاحي للاحتفال بالعيد، لأن شراء خروف أصبح مُضِرًّا بدخل الأُسَر التي لا تتجرّأُ على التخلّي عن شراء الخروف، في ظل انخفاض حجم الدعم الحكومي وارتفاع أسعار الغذاء وغياب بعض المنتجات من الأسواق، وفي مصر، تراوحَ سعر الخروف ما بين 130 و 230 دولارا حسب وزنه ونوعه، وفي السعودية تراوحت أسعار الأغنام بين 250 و 500 دولارا، لكن قبل أسبوع واحد من عيد الإضحى، ارتفعت الأسعار لتتراوح بين 400 و 800 دولارا، للخروف الواحد، وفي الأردن، تراوَحَ سعر الخروف البلدي بين 212 و 355 دولارا حسب العمر والوزن. أما في السودان الذي كان يُصدِّرُ الماشية فإن ظروف الحرب أدت إلى ارتفاع سعر الخروف إلى نحو 300 دولارا...

تونس – دعم سياسي خارجي مقابل حراسة حدود أوروبا
أطنبت وسائل الإعلام التونسية في الحديث عن "الشراكة الشاملة" مع الإتحاد الأوروبي وعن "تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والطاقة المستدامة والتنافسية والهجرة والتقارب بين الشعوب..."، خصوصًا بعد زيارة قصيرة قام بها وفد أوروبي إلى تونس، ضم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيسي وزراء هولندا مارك روته، وإيطاليا جورجيا ميلوني، يوم الأحد 11 حزيران/يونيو 2023، وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية عن دعم الاقتصاد التونسي بنحو 900 مليون يورو، إلى جانب دعم إضافي فوري بقيمة 100 مليون يورو، ويتضمن البلاغ مغالطةً، بل كذبًا، لأن الإتحاد الأوروبي جَمَّدَ سابقًا هذا المبلغ الهزيل جدّا المتفق عليه (300 مليون يورو سنويا) كمقابل لقيام قوى الأمن الدّاخلي بتونس، بصَدّ المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى أوروبا، ولا يهتم الإتحاد الأوروبي سوى بتوسيع حدوده إلى المغرب العربي وإلى الصحراء الكبرى، وتحويل قوى الأمن المغاربية إلى حرس حدود أوروبا، ولذلك رَكَّزَ البيان المُشترك على "أوْلَوِيّة مكافحة الهجرة غير النظامية من وإلى تونس وتعزيز حماية الحُدُود..." والتزام حكومة تونس باستقبال من يتم ترحيلهم من أوروبا. أما ما عدا ذلك ممّا وَرَدَ في البيان المشترك والتصريحات الرسمية من تعاون وشراكة فهو لَغْو، فلا شراكة (باستثناء "الشراكة" الأمنية لقمع فُقراء إفريقيا) ولا تعاون ولا تنمية، بل تكريس علاقات الهيمنة السائدة منذ القرن التاسع عشر، وتجَلّت هذه العلاقات غير المتكافئة في الإستفزازات المتكررة، وفي شن الحملات الرسمية في أوروبا على المهاجرين وعلى ثقافة وحضارة وتاريخ العرب، وفي رفض منح التأشيرات الأوروبية لمواطني المغرب العربي، سواء للعمل أو الدّراسة أو السياحة وزيارة الأهل، واكتفت دول الإتحاد الأوروبي باستنزاف وتوظيف ذوي الخبرات والكفاءات التي أنفقت الشعوب المغاربية على تعليمها لسنوات طويلة، في مجالات الطب والهندسة والمُحاسبة وتقنيات الإتصال وغيرها، ويأمل الإتحاد الأوروبي تعميم نموذج "التعاون" مع تونس ليشمل الدول العربية الأخرى الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وجب التّذكير بأن "المُساعدة الأوروبية" ترتبط بمفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي وقبول تونس كافة شروط الصندوق وتطبيقها فورًا، حتى قبل أن يُسدّد الصندوق القسط الأول، وهو ما تفعله الحكومة التونسية، منذ شهر تشرين الأول/اكتوبر 2022 وتحويل قوات الأمن التونسية إلى حرس حدود أوروبا التي تُقرض تونس أموالا لشراء عربات عسكرية لمراقبة الحدودالبَرّيّة وقوارب لمراقبة الحدود البحرية ورادارات وكاميرات أوروبية الصّنع "لمساعدتها في تعزيز ضبط حدودها البرية والبحرية"، ويمثل تصريح رئيسة الوزراء الإيطالية ( يمين متطرف) يوم السادس من حزيران/يونيو 2023، حقيقة الموقف الأوروبي: "يمكننا أن نعيش سينارو مُزعجًا، في حال سُقُوط الحكومة التونسية، ولذلك نسعى إلى تجنّب هذه الفَرَضِيّة، ووجب توسيع هذه المهمة من مستوى إيطاليا إلى الحيز الأوروبي والدّولي... "، ويمكن تلخيص المُعادَلَة المُقْتَرَحَة (أو المَفْرُوضَة) من الإتحاد الأوروبي كالتالي: "حراسة الحدود الأوروبية وقبول المُرَحَّلِين من أوروبا، مقابل الدعم السياسي والاقتصادي"
أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن وفاة ما لا يقل عن عشرين ألف شخص وسط البحر المتوسط، أي المياه الفاصلة بين إيطاليا وشمال إفريقيا، أثناء محاولتهم عبوره منذ العام 2014، وأعلنت المنظمة الدولية للهجرة، نقلاً عن الحكومة الإيطالية، وصول ما لا يقل عن 60 ألف شخص، ومعظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إلى السواحل الإيطالية التي لا تفصلها سوى 150 كيلومترا عن بعض سواحل تونس، بين بداية العام ونهاية أيار/مايو 2023، وشهدت مياه البحر الأبيض المتوسط العديد من حوادث الغرق لمئات الأشخاص الفارّين من البُؤْس والفَقْر والحُروب ومن الإضطهاد...
اعتبرت مديرة المكتب الأوروبي لمنظمة "أوكسفام" أن هذا الشكل من الشراكة بين الإتحاد الأوروبي وتونس فكرة غير ناجعة، بسبب "محاولات أوروبا تصدير مسؤولياتها في مجال إدارة الهجرات، وأظهرت التجارب أن اتفاقات كهذه لا تجدي نفعا". عن وكالة الصحافة الفرنسية بين 11 و 29 حزيران/يونيو 2023.
تسببت جائحة كوفيد في انكماش الاقتصاد بنسبة 8,8% سنة 2020، بالتزامن مع الجفاف المستمر منذ ثلاث سنوات والذي دمر قطاع الفلاحة، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري، وبلغ عجز الموازنة 10% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2022 فيما بلغت ديون الدولة 77% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحتاج الحكومة سنة 2023 إلى قُروض بالعملات الأجنبية بقيمة تفوق خمسة مليارات دولار، في ظل انهيار كامل للإقتصاد وشح أو غياب العديد من السلع أساسية المدعومة والأدوية بسبب عجز الدّولة عن تسديد قيمة الواردات، وحتى عن صرف رواتب الموظفين في أوانها، وتُظهر بيانات المصرف المركزي انخفاض احتياطي العملات الأجنبية، بنسبة 25% خلال عام واحد، وتكفي احتياطيات العملة الأجنبية لتغطية حوالي ثلاثة أشهر من التّوريد، مقابل 123 يوما، منتصف حزيران 2022، ما يزيد من مخاطر التخلف عن سداد الدُّيُون السِّيادِية، خصوصًا بعد تعطّل المفاوضات مع صندوق النّقد الدّولي بشأن قرض، بشروط مجحفة، بقيمة 1,9 مليار دولار، منذ تشرين الأول/اكتوبر 2022...

رأس المال يُحوّل الغذاء إلى سلعة
بدأت جمعيات المستهلكين والمحافظة على البيئة النقاش حول الكائنات المعدلة وراثيًا، منذ عام 1990، على خلفية وعود الشركات العابرة للقارات بشأن حل مشاكل الجوع في العالم والحد من مبيدات الأعشاب ومكافحة الآفات، وتمثلت الوعود الموجّهة للمزارعين بزيادة المحاصيل وتحسين جودتها وحماية التنوع الغذائي والبيئي، وخفض المدخلات الكيميائية، ولكن لم يتم الوفاء بأي من هذه الوعود، فيما زادت أرباح الشركات بشكل كبير...
لقد ابتكرت الشركات الصناعية/الزراعية الكبرى براءات اختراع تسمح لها بامتلاك الطبيعة والتراث الزراعي والثقافي للبشرية، وواجهت هذه الشركات تحدّيًا يتمثل في التخلص من إجبارها على إعلان الكائنات المعدلة وراثيًا على غلاف العُلب التي تبيعها، وهو آخر علامة مرئية لوجود براءات الاختراع في النبات، وتشكل براءات الاختراع هذه مسألة مركزية بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات التي كان المزارعون أول ضحايا توسيع نطاق ابتكاراتها لبراءات الاختراع، فإذا قام مزارع بزراعة نبتة لها صفة مسجلة ببراءة اختراع ، يمكن للشركة مقاضاته بتهمة التعدي على أملاك الغير، وعلى الفلاح إن يثبت أنه لم يسرق براءة الاختراع، وفي الأثناء يتم احتجاز محصوله مما يمنعه من زرع بذوره للموسم القادم، وبذلك تمكنت الشركات العابرة للقارات من إرهاب المزارعين الذين لم يعد الكثيرون منهم يجرأُون على استخدام بذورهم... إنها خصخصة غير مسبوقة للبذور التي كانت ملكًا للإنسانية، بما في ذلك البذور المحلية، ولم يعُد صغار المزارعين قادرين على الإحتفاظ ببذورهم وإعادة استخدامها، أو بيعها في الأسواق.
كانت ستُّ شركات متعددة الجنسيات تُسيطر، سنة 2021، على أكثر من 60% من سوق البذور العالمية، وهي: Bayer + KWS + BASF (ألمانيا) ، Corteva Agriscience (الولايات المتحدة) ، ChemChina / Syngenta (الصين) Limagrain / Vilmorin (فرنسا)،وتُسيطر اثنان منها (باير وكورتيفا) وحدهما على 40% من هذا السوق، وهي نفس الشركات التي تهيمن على سوق المبيدات التي لا تُروّج سوى نسبة 30% من البذور المستخدمة كل عام في جميع أنحاء العالم، فالفلاحون لا يزالوا يتبادلون فيما بينهم البذور التي ينتجوها وينتقون منها ما يُحسّن محاصيلهم، ولكن يمنع عليهم بيع هذه البذور في السوق.
عندما تطلب الشركات العابرة للقارات براءة اختراع، تخفي جزءًا من المعلومات باسم "الدفاع عن السرية الصناعية"، ما يجعل من المستحيل التَّعَرُّف على طبيعة ونوع التعديل الوراثي أو التلاعب بالجينات الذي تم تنفيذه لقياس العواقب، وبذلك يتعذّر على المستهلكين معرفة ما إذا كانت الكائنات المعدلة وراثيًا موجودة في طعامهم أم لا، وعلى سبيل المثال، فإن الكثير من المنتجات مثل الأرز وفول الصويا والذّرّة والطماطم ومئات المنتجات الغذائية المباعة حول العالم معدلة وراثيا، وسبق أن استخدمت الشركات ذريعة "محاربة الجوع" لتبرير اللجوء إلى المحاصيل المعدّلة وراثيا، وما هي في الواقع سوى حجة تسويقية لتَيْسِير قبولنا الكائنات المعدلة وراثيًا، وفقًا لمنظمة Greenpeace التي أكّدت أن 99% من النباتات المعدلة وراثيًا المزروعة حاليًا في العالم (الذرة والقطن وفول الصويا والبنجر – الكولزا- وبذور اللفت إلخ.) صُممت لتحمل مبيدات الأعشاب ومقاومة الحشرات، ولزيادة الإنتاجية والأرباح، ولكن ليس "لإطعام البشرية"، لأن الأسعار زادت أربعة أضعاف، في المتوسط ، خلال 20 عامًا، رغم زيادة الإنتاج، وزادت أرباح الشركات الزراعية بمقدار 1,2 مليار دولار سنويًا، في المتوسط، وزاد استخدام مبيدات الآفات 2,3 مرة بين سَنَتَيْ 2003 و 2012 وزادت منتجات الكائنات المعدلة وراثيًا عشرة أضعاف في الأسواق العالمية بين سنتَي 1996 و 2016، وأصبحت العشرات من الأنواع النباتية والحشرات ُمقاوِمَة للغليفوسات، ما يضطر المزارعين لاستخدام المزيد من مبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات التي لها آثار سلبية على التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى تلوث المياه والتربة وإلحاق الضرر بصحة الإنسان والنبات...
على الصعيد العالمي، تحتل زراعة النباتات المعدّلة وراثيا أقل من 4% من الأراضي الزراعية بالعالم، سنة عام 2021، وأهم هذه النباتات فول الصويا والذرة والقطن وبذور اللفت، خاصة في أمريكا الشمالية والبرازيل والأرجنتين، ومثلت سنة 2019 ما يقرب من 85% من هذه المناطق، أو 160,8 مليون هكتار... ( مُقتطف من دراسة لم تُنْشَر بعْدُ عن "الإستعمار الأخضر")

أوروبا/أمريكا
قبل 15 سنة، سنة 2008 ( سنة الأزمة)، بلغت قيمة اقتصاد دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة 16,2 تريليون دولارا، فيما بلغ حجم اقتصاد الولايات المتحدة ( الناتج المحلي الإجمالي) 14,7 تريليون دولارا، ثم بدأت الفجوة بينهما تتسع لصالح الولايات المتحدة التي بلغ حجم اقتصادها 25 تريليون دولارا، سنة 2022، بينما بلغ حجم اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا معًا 19,8 تريليون دولارا، بنهاية سنة 2022، وعند تأمُّل التفاصيل، نلاحظ تخلّف كافة القطاعات الإقتصادية الأوروبية عن الولايات المتحدة التي دعمت شركاتها وحظرت ذلك على جميع دول العالم، سواء كانوا حُلفاء (اليابان وأوروبا) أو خصوم (الصين وروسيا)، وأصرّت الولايات المتحدة على احتكار مجال التكنولوجيا، ذي القيمة الزائدة المرتفعة، فدعمت الشركات الإحتكارية ذات المنشأ الأمريكي، من المال العام، عبر التحفيز الضريبي ودعم الصادرات، ومن بينها شركات أمازون ومايكروسوفت وأبل التي تهيمن على قطاع التكنولوجيا العالمي، ومن ضمنه الأوروبي، ومَكّن الدعم الحكومي الأمريكي من هيمنة الشركات الأمريكية لتصبح أكبر سبع شركات تكنولوجيا في العالم، من حيث القيمة السوقية، كلها أمريكية، ولا توجد سوى شركتان أوروبيتان ( "إيه إس إم إل" و"ساب" ) ضمن قائمة أفضل عشرين شركة، واستحوذت الشركات الأمريكية العملاقة، بفضل الدّعم الحكومي، على الشركات الأوروبية، فاشترت شركة مايكروسوفت شركة سكايب سنة 2011، واشترت "غوغل" شركة ديب مايند سنة 2014، وبذلت حكومة الولايات المتحدة ما في وسعها لدعم شركة الطيران والفضاء والسلاح "بوينغ" لتتغلب على نظيرتها الأوروبية "آيرباص"، وكذا الشأن في القطاع المصرفي والمالي...
أما الصين التي رفضت الهيمنة الأمريكية، فقد طوّرت الشركات والصناعات المحلية وزادت استثمارات الدّولة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، لتصبح منافسا جدّيًّا للشركات الأمريكية في مجال ما سُمّي "الذكاء الإصطناعي" كما تُحاول زيادة حصتها من سوق التقنية الأوروبية...
استغلت الولايات المتحدة حرب أوكرانيا لِتُوَرِّط أوروبا – عبر تنشيط حلف شمال الأطلسي – في زيادة الإنفاق العسكري، وترجيح كفة شركات التكنولوجيا الأمريكية وترسيخ العلاقات غير المتوازنة بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وتعميق التبعية الأوروبية تجاه الولايات المتحدة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتسلح والبحث العلمي، ولتقريب صورة التقهقر الأوروبي، كانت أوروبا تصنع نحو 44% من أشباه المواصلات قبل ثلاثين سنة،أي قبل دخول انتماء إلى منظمة التجارة العالمية، وانخفضت حصة أوروبا سنة 2022 إلى حوالي 9%، مقابل 12% للولايات المتحدة التي تُخطّط لتشغيل 14 مصنعا جديدا لأشباه الموصلات بحلول 2025، مقابل عشرة مصانع في أوروبا و43 في الصين (بما فيها تايوان) وضغطت الولايات المتحدة على العديد من الدّول لكي لا تُزَوّد الصين بالرقائق والمواد الأولية التي تُمكّن الشركات الصينية من تملُّك التكنولوجيا ومنافسة الشركات الأمريكية في مجالات تصنيع البطاريات والسيارات الكهربائية والحواسيب والهواتف، ورغم الإمتياز الذي يُشكّله الدّولار كعملة احتياطية عالمية، وكأداة تُمَكِّنُ الولايات المتحدة من رفع سقف دُيُونها – التي لن تُسدّدها – استطاعت الصين أن تتجاوز أوروبا وأن تنافس الولايات المتحدة في كافة المجالات، ولذلك صَمّمت الولايات المتحدة عددًا من البرامج والخطط التي تجعل أوروبا تعتمد على الأسواق المالية الأمريكية لإنجاز عمليات الإستحواذ والإندماج أو الإكتتاب العام الأولي، أي إن صناديق التحوط الأمريكية تُسيطر على قطاعات هامة من الشركات الأوروبية، ومن جهة أخرى، مثلت الطاقة إحدى ركائز الهيمنة الأمريكية على أوروبا، منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا، حيث حظَرت أمريكا (ونفذت أوروبا الحَظْر) استيراد الغاز والنفط الرُّوسِيَّيْن الرّخيصَيْن لتصبح أوروبا أكبر مُوَرِّدٍ للغاز الصغري الأمريكي عالي الثمن ومنخفض الجودة، ويُعادل ثمنه في أوروبا أربعة أضعاف الثمن الذي تُسدّده الشركات الأمريكية ما يؤدي إلى إغلاق المصانع في أوروبا وانتقالها إلى الولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج عالمي للنفط والغاز بفضل السوق الأوروبية، ما زاد من تعميق الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة، ولولا بعض الصناعات الفاخرة (كالعُطُور والجلد وبعض أنواع السيارات...) ونوادي كرة القدم وبقايا هيمنة استعمارية، لما بقي لقارة أوروبا مكانة رائدة تسمح لها بمنافسة الصين أو الولايات المتحدة أو حتى وضع حدٍّ لتراجعها المُستمر.
أوروبا
استقر معدّل البطالة في منطقة اليورو ( 20 دولة من دول الإتحاد الأوروبي التي تستخدم العُملة المُوَحَّدَة – اليورو) عند نسبة 6,5% من القادرين على العمل، خلال شَهْرَيْ أيار/مايو وحزيران/يونيو 2023، وهو رقم لا يعكس حقيقة وضع البطالة، بسبب طريقة احتساب أعداد العاطلين ( من بين الذين يحُق لهم الحصول على منحة بطالة، دون غيرهم)، وتراجَعَ مُعدّل ارتفاع أسعار السّلع الإستهلاكية من 6,1% بنهاية أيار/مايو إلى 5,6% بنهاية حزيران 2023، بسبب انخفاض بعض الأسعار على المستوى العالمي، غير أن أسعار السلع الغذائية لا تزال مرتفعة، بما فيها أسعار الإنتاج الموسمي الأوروبي، حيث بلغت الزيادة 12,5% بنهاية شهر أيار و 11,7% بنهاية شهر حزيران، وفق المكتب الأوروبي للإحصاء (يوروستات – 30 حزيران/يونيو 2023) الذي يستثني أسعار الطاقة والأغذية والكحول والتبغ من ما يُسمِّ]ه "التّضخّم الأساسي"، ومن المعلوم أن الفُقراء يتأثرون سلبًا بزيادة أسعار الأغذية التي يُخصّصون لها نسبة مائوية مرتفعة من دخلهم الضعيف

سويسرا مجتمع طَبَقِي عنيف
تعمقت الفجوة الطبقية في سويسرا، مثلما يحصل في جميع الدّول الرأسمالية، وتُنْشَرُ أحيانًا بعض البيانات عن ارتفاع نسبة الفقر واضطرار المُتقاعدين للعمل في سن متأخرة، بسبب ضُعْف معاشات التقاعد لبعض الفئات (العُمال وصغار الموظفين وصغار الفلاحين...) ويُشكل تقديس الإستغلال وإجْبار العاملين على رفع الإنتاجية والرقابة المُشدّدة على المُجتمع، بعض مميزات المجتمع السويسري الذي استوعب الإيديولوجية التي ساهم المذهب البروتستنتي في نشرها، وتتمثل في سحق الفقراء وذوي الدّخل المحدود، ونادرًا من نسمع عن نضالات أو إضرابات، رغم حدوثها، كما في جميع البلدان، ومن الإضرابات الأخيرة إضراب أكثر من ألف من عُمّال وموظفي مطار جنيف الذي استخدمه نحو 18 مليون مُسافر، سنة 2022، ضمن 186 ألف رحلة، وأدّى إضراب يوم الجمعة 30 حزيران/يونيو 2023 إلى تعطيل حركة الطيران وإلغاء جميع الرحلات التي كانت مُقرّرة بين الساعة السادسة والعاشرة صباحًا، بسبب توقف عمال الأمن الدّاخلي ومراقبة الجوازات، ما اضطر نحو ثمانية آلاف مُسافر إلى تأجيل أو إلغاء رحلاتهم، وأعلنت نقابة العاملين في قطاع الخدمة العامة (VPOD) أن هذا الإضراب يُشكل ردًا على إعلان هيكلة جديدة للرواتب من قِبَل إدارة المطار، ونظم العمال احتجاجًا داخل وخارج مطار جنيف، يومي الخميس 29 والجمعة 30 حزيران 2023، وأعلنت النقابة تنظيم احتجاجات لاحقة إذا لم تستجب إدارة المطار لمطالب العُمال...
طالبت النقابات منذ شهر أيلول/سبتمبر 2022 بزيادة الرواتب، بسبب ارتفاع نسبة التضخم الرسمية إلى 3,5% على أساس سنوي، بنهاية آب/أغسطس 2022، وسبق أن احتج عمال البناء وكذلك المُمرضات، منتصف أيار/مايو 2020 على ضُعْف الرواتب...
اشتهرت سويسرا باجتذاب رؤوس الأموال، دون الإهتمام بمصدرها، وبالضرائب المنخفضة على أرباح الشركات العابرة للقارات، وهي ليست الملاذ الضريبي الوحيد، بل تشترك في ذلك مع هولندا وجُزُر فرجين وكايمان وبرمودا، وهي مستعمرات بريطانية، فضلا عن بلجيكا ولكسمبورغ والعديد من الولايات الأمريكية، واشتهرت جميعها بالمعدّلات الضريبية المنخفضة وإقرار قوانين تُيَسِّرُ تسجيل الشركات بهدف تهريب الثروات وإخفائها عن إدارت الضرائب في البلدان التي خُلِقَتْ بها هذه الثروات، وفق الفرع السويسري لمنظمة "شبكة العدالة الضريبية"
معادن – الليثيوم
يتم استخراج الليثيوم في الغالب في أستراليا وأميركا الجنوبية، وأدّت قرارات الحظْر الأمريكية إلى حَظْر بيعه إلى روسيا والصين اللَّتَيْن اتجهتا إلى شرائه من بوليفيا التي تمتلك أكبر احتياطي عالمي لمعدن الليثيوم الذي كان سببا في انقلاب 2019 للإطاحة بالرئيس إيفو موراليس عندما أعلن تأميم مناجم الليثيوم، ولم تتمكّن حكومة الإنقلاب الإستمرار لأكثر من عام واحد، حيث انهزمت ديمقراطيا، رغم الدّعم الأمريكي القوي، وأعلنت شركتان، روسية وصينية، يوم الخميس 29 حزيران/يونيو 2023، استثمار أكثر من 1,4 مليار دولار لبناء مَصْنَعَيْن لصناعة الليثيوم في بوليفيا، في غضون ثلاثة أشهر، مع التّكير بأن الليثيوم معدن أساسي لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية والحواسيب والهواتف المحمولة وفي العديد من تجهيزات الإتصالات والتقنيات العصرية، والطاقة التي يتم نعتُها ب"النّظيفة"، وقَدّرت وزارة الطاقة البوليفية إنتاج كلّ من المصنعين الجديدين بنحو 25 ألف طن متري من كربونات الليثيوم سنويا، وفق خبر نشرته وكالة بلومبرغ الأمريكية يوم الجمعة 30 حزيران 2023

الرياضة، مُتعة أم تجارة؟
يوجد حوالي 4400 نادي محترف لرياضة كرة القدم، في العالم، لكن الرياضة "طَبَقات" إذ يُوجد عشرون ناديا مُدْرَجًا في أسواق الأسهم، وهي نوادي "النُّخْبَة" المالية التي تستطيع شراء أَمْهَر اللاعبين والمُدرّبين، وتبعًا لذلك تُمثل هذه النوادي النخبة الرياضية القادرة على الإنفاق من أجل رفع المستوى الرياضي والفوز بالبطولات المحلية والقَارِّيّة، وتتركز أندية "النُّخبة" (المُدْرَجَة في أسواق المال) في أوروبا، حيث أصبحت تُدَار كشركات خدمات، لا تُنتج سلعًا أو خدمات ضرورية وإنما تبيع الوَهْمَ في شكل "ترفيه" أو تَنْفِيس للقَهْر والغضب، وتُقَدَّرُ قيمة أكبر عشرة أندية كرة قدم مدرجة في بورصات العالم بنحو 6,35 مليار دولار، يتصدرها نادي مانشستر يونايتد (إنغلترا) بنحو 3,86 مليار دولارا، يليه نادي "يوفنتوس" (إيطاليا) بنحو 976,6 مليون دولار، ونادي بروسيا دورتموند (ألمانيا) بقيمة 539,7 مليون دولار ونادي أوليمبك ليون (فرنسا) بقيمة 275,4 مليون دولار، نادي أياكس أمستردام (هولندا) بقيمة 228,6 مليون دولار ونادي سيلتك غلاسغو (اسكتلندا) بقيمة 154,6 مليون دولار، ونادي كوبنهاغن (الدنمارك) بنحو 147,7 مليون دولار وبنفيكا (البرتغال) بقيمة 93,1 مليون دولار، ونادي لاتسيو روما (إيطاليا) بقيمة 79,6 مليون دولار، بالإضافة إلى أندية أخرى ثرية جدًّا وغير مُدرجة في أسواق المال، مثل بعض نوادي إسبانيا (ريال مدريد وبرشلونة) وفرنسا (باريس سان جرمان) وألمانيا وإيطاليا وغيرها، وتتشكل مداخيل نوادي كرة القدم من بيع اللاعبين ومن مداخيل حِصَص البث التلفزيوني ومن مبيعات الشعارات والقمصان التي يشتريها المُحِبُّون في جميع أنحاء العالم، ومن إيرادات الإشهار على القمصان وفي الملاعب، و"الرّعاية" التي تتم عبر عُقُود يتم تجديدها أو وضع حدّ لها بصفة دورية، وتبيع الأندية المدرجة في البورصة أَسْهُمًا يُقبل على شرائها عشاق كرة القدم...
يُمْكِن تغيير شعار "العقل السليم في الجسم السّليم" بشعار "المال طريق إلى البطولات"

قيمَة بعض الشركات المُعَوْلَمَة بنهاية سنة 2022
تتبادل الشركات الأمريكية المراكز الأولى للعلامات التجارية الأعلى قيمة، سواء ضمن قائمة أكبر 500 علامة تجارية ( ثمانية تريليونات دولارا) أو ضمن شركات التقنية العالية، حيث أصبحت شركة آمازون الأولى ضمن الشركات العشر الأعلى قيمة تجارية، بقيمة 350,3 مليار دولارا سنة 2021 وبقيمة 299,3 مليار دولارا سنة 2022، وآبل الثانية بقيمة 355,1 مليار دولارا سنة 2021 (لما كانت الأولى قبل آمازون) و297,5 مليار دولارا سنة 2022، واحتلت شركة غوغل المركز الثالث بقيمة 281,4 مليار دولارا سنة 2022، وبلغت قيمة أكبر عشر علامات تجارية في العالم 1,55 تريليون دولار، وفق مؤسسة "براند فاينانس جلوبال 500"، وتجدر المُلاحظة أن شركة آمازون لا تُنتج شيئًا، بل هي شركة تبيع عن بُعْد (بواسطة الشبكة الإلكترونية) إنتاج الغَيْر، فيما تبيع شركة آبل إنتاجًا غير أساسي أو غير ضروري، أما شركة غوغل فهي تعتمد على المتاجرة ببيانات الغير ولا تنتج سلعًا ضرورية كالغذاء والدّواء أو وسائل النقل والسّكن وما إلى ذلك من الضروريات، وتعتمد مجمل هذه الشركات على التقنية، كما ظلت شركات قطاعات التكنولوجيا وتجارة التجزئة وقطاع المصارف في صدارة ترتيب أكبر الشركات المُعَوْلَمَة، وتمثل الولايات المتحدة أكثر من 200 علامة تجارية وتستحوذ على نصف القيمة الإجمالية من قائمة أكبر 500 شركة عالمية...
قد يكون ذكر هذه البيانات مُمِلاًّ، وغير ذي قيمة للعديد منا لكنه يُعتَبَرُ من أهم المعايِ الإقتصاد الرأسمالي لقياس قوة الإقتصاد الأمريكي، حيث، رغم انحداره البطيء، لا تزال الشركات والمصارف الأمريكية تحتل المراكز الأولى في معظم القطاعات التقنية أو التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة في مجالات التخزين والتسويق والإشهار وبيع الخدمات وجميع القطاعات التي تركّزُ على الإستخدام المُبْتَكِر للتكنولوجيا التي تُحقّق قيمة زائدة مُرتفعة...

العلاقات الهندية/الأمريكية
أدّى ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، يوم 22 حزيران/يونيو 2023 زيارة دولة للولايات المتحدة، وهي أعلى مستوى من البروتوكول الدبلوماسي الأمريكي، ويتضمن برنامج الزيارة مباحثات سياسية استراتيجية بشأن العلاقات الهندية الأمريكية والنظام العالمي، كما يتضمن برنامج الزيارة لقاء مع رؤساء كبريات الشركات الأمريكية وخطابًا في جلسة مشتركة لمجلسَيْ الشيوخ، فما سبب هذا الإحتفاء؟
تحتاج الولايات المتحدة إلى حليف قوي وإلى بديل صناعي للصين، وسوقً ضخمة وإلى مجالٍ لاستثمارات المؤسسات العالمية، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتعتبر إن الهند – التي لها خلافات تاريخية مع الصين - قوة موازنة لنفوذ الصين في المنطقة، فضلا عن العلاقات الحميمة مع الكيان الصهيوني، خلال فترة حُكم حزب بهارتيا جاناتا، ولذلك تعززت العلاقات وأجرى الجيش الهندي مناورات عسكرية مع القوات الأمريكية، سنة 2022، في منطقة قريبة من الحدود الصينية ومن جبال الهيمالايا، كما إن الهند عضو ناشط في مجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، وهو واحد من الأحلاف الأمريكية العديدة المُوَجّهة ضدّ الصين، وتُحافظ جميع الحكومات الهندية على علاقات قوية مع الولايات المتحدة لأنها تعتبرها مفيدة لها في تعاملها مع الصين، كما تحتفظ الهند بعلاقات قوية مع روسيا التي تستورد منها المحروقات والأسلحة، مع الإشارة أن الصين والهند وغيرها تشتري النفط والغاز من روسيا بأسعار منخفضة ثم تبيعه إلى أوروبا بأسعار مرتفعة، وشملت المباحثات الأمريكية/الهندية عدة مواضيع، منها التكنولوجيا والتّسلّح وشبكات التجارة العالمية ووقّعت الحكومتان اتفاقيات في مجالات التعليم والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات وتصنيع أشباه المواصلات، ومجالات الفضاء والأسلحة والذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية.
رغم تطور العلاقات مع الولايات المتحدة، لم تُندّد حكومة الهند بروسيا، ولم تُنَفّذ الحَظْر الإقتصادي، فالهند أكبر مستورد للأسلحة في العالم، بين 2017 و 2022، وتستحوذ روسيا على حصة نسبتها 45% من هذه الواردات، رغم انخفاضها، فقد كانت نسبتها 65% سنة 2016، وتبلغ حصة فرنسا 29% وحصة الولايات المتحدة الأمريكية نسبة 11% من قيمة الواردات الهندية للأسلحة، وتعمل الولايات المتحدة على زيادة حصتها من الصفقات الهندية لشراء الأسلحة، وبدأت بالفعل مفاوضات لشراء الهند للطائرات بدون طيار من طراز MQ-9A "ريبر" وعن اتفاق بين جنرال إلكتريك وشركات حكومية هندية لتصنيع محركات نفاثة للطائرات المقاتلة في الهند، ويُتوقع توقيع صفقات ضخمة في مجالات السلاح والتكنولوجيا، بالإضافة إلى العلاقات التجارية المتنامية بين الشركات الهندية والأمريكية، فيما تُعَدُّ الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للهند بنحو 130 مليار دولار، سنة 2022، وتطمح الولايات المتحدة إلى زيادة حصتها من هذه السّوق الضّخمة، رغم الخلافات الكبيرة حول الرُّسُوم الجمركية وضوابط الصادرات، ما جعل الهند توقّع اتفاقية تجارة حرة مع أستراليا والإمارات (كنقطة عُبُور عالمية للسلع) وتُفاوض الهند سلطات الإتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا لتوقيع اتفاقيات تجارة ثنائية...
تسعى الولايات المتحدة إلى توطيد العلاقة مع الهند منذ أواخر القرن العشرين، أي منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وبقيت العلاقات قوية بين روسيا والهند، ولذلك تأمل الولايات المتحدة استمالة الهند على مدى متوسّط، لخفض اعتماد الهند على روسيا في مجال السلاح طيلة فترة "الحرب الباردة"، وكذلك لخنق الصين حيث أعلنت مجموعة الشرائح الإلكترونية الأمريكية العملاقة «ميكرون» توقيع اتفاق لاستثمار نحو 800 مليون دولار في محطة لتجميع واختبار أشباه الموصلات في الهند، تصل قيمتها الإجمالية إلى 2,75 مليار دولار، فيما اتفق برنامج الهند الفضائي مع «ناسا» على مهمة مشتركة إلى محطة الفضاء الدولية سنة 2024، وأشار البيان المشترك إلى زيادة التعاون العسكري وموافقة الهند استخدام سلاح البحرية الأميركية موانئها لأعمال الصيانة، وتنفيذ مناورات عسكرية بحرية مشتركة، وتبعًا لانتماء الهند إلى تشكيلة الأمن الرباعية ( الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند)، فإن الموانئ الهندية مفتوحة أمام الجيوش البحرية للدول الأعضاء، وتُعدّ هذه الخطوات جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة لاستمالة الهند وضَمِّها إلى الأحلاف المُعادية للصين ولروسيا.
تناولت بعض وسائل الإعلام الأمريكية، بشكل مُحتشم، السياسات اليمينية المتطرفة لحكومة حزب باهارتيا جاناتا التي يرأسها ناريندرا مودي وقمع المعارضين وتلفيق التُّهَم وانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة خلال ولاية هذا الضيف المُبَجَّل، والقمع الذي ندّد بع عدد من المتظاهرين أمام البيت الأبيض، واعتادت الولايات المتحدة على استخدام "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان" وحقوق "الاقليات" كذريعة للتنديد والتشويه وشن الحملات ونشر التقارير المُعادِيَة، غير أن مستشار الأمن القومي "جيك سوليفان" صَرَّحَ هذه المرّة "إن الرئيس جو بايدن لن يعطي دروساً لرئيس وزراء الهند ناريندا مودي في حقوق الإنسان... (لأن سياستنا ) تعتمد على توضيح موقفنا دون التّدخّل في شؤون الغَيْر"، وفق موقع مجلة "تايم" 21 و 24 حزيران/يونيو 2023، وشبكة سي إن إن 22 حزيران/يونيو 2023
يتخرّجُ من الجامعات الهندية، سنويا، عشرات الآلاف من الخبرات والكفاءات العلمية والمهندسين والأطباء الذين لا تستوعبهم الشركات المحلية التي لا تستطيع توفير وظائف مناسبة لجميع ذوي الكفاءات والخبرات وهو ما نجحت الصين في تنفيذه، وساعدها ذلك على إنتاج التكنولوجيا العالية التي تنافس نظيراتها الأميركية، مثل علي بابا وتنسينت وهواوي وبايدو، واستغلت الولايات المتحدة نقاط الضّعف الهندية، لِتُشَجِّعَ هجرة ذوي الخبرات والكفاءات العلمية الهندية إليها، وكذلك استخدام الخبرات التي تبقى بالهند لخدمة احتياجات السوق الأميركية وشركات التكنولوجيا المتطورة، مثل مايكروسوفت أو غوغل.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي