حدود القوة الإسرائيلية وانقلاب الشيء إلى ضده

نهاد ابو غوش
2023 / 6 / 28


تملك إسرائيل وحدها من أنواع السلاح والعتاد وكمياتهما ما يفوق مجموع ما يملكه خصومها وأعداؤها الحقيقيون والمحتملون، بما في ذلك الدول العربية المحيطة بإسرائيل والتي دخلت في دوائر التطبيع، وأقامت علاقات سياسية ودبلوماسية واحيانا أمنية واستخبارية معها. وتشمل الترسانة الإسرائيلية تفوقا حاسما لسلاح الجو الذي يواكب أحدث منتجات الصناعات العسكرية الأميركية، إلى جانب القدرات التكولوجية والسيبرانية ومنظومات الدفاع الجوي والبحرية والقوات البرية والأجهزة الاستخبارية. كل ذلك من دون أن احتساب الأسلحة الأكثر فتكا وخطورة، والتي لا تعترف بها إسرائيل علانية ولكنها تلمح لها بطريقة أو بأخرى وتعتبرها أهم أدوات الردع لديها، وهي امتلاكها لما بين 90 إلى 200 راس نووي، بالإضافة لتمتع إسرائيل بالحماية الأميركية والغربية المطلقة، واستناد قوتها العسكرية إلى قوة اقتصادية تضعها في مرتبة متقدمة عن دول أكبر منها بكثير مثل باكستان ومصر والجزائر والعراق.
لكن هذه الترسانة العسكرية الهائلة كلها تبدو عاجزة عن حسم معاركها والتصدي للتحديات المصيرية التي تواجهها علاوة على فرض شروطها السياسية على أعدائها.
ففي المواجهات الأخيرة التي أحاطت بالتعديات على المسجد الأقصى في القدس وانتهاك حرمته والتنكيل الوحشي بالمصلين والمعتكفين، بدت الحكومة الإسرائيلية مربكة في اتخاذ قرارها بالرد على مطلقي القذائف والصواريخ، سواء من جنوب لبنان أو من قطاع غزة، مع أن مطلقي هذه القذائف هم الذين بادروا إلى خرق "قواعد الاشتباك" في رسالة واضحة مفادها أن المسجد الأقصى لن يكون وحده، وأن تجاوز الخطوط الحمر من قبل إسرائيل كفيل بإشعال المنطقة.
كثيرا ما هددت إسرائيل بأن أي خرق من جانب حزب الله فإنها سترد على لبنان البلد، وليس فقط على منشآت الحزب وقواعده كما فعلت في حرب تموز 2006، وهي تراهن بذلك على توليد قوى ردع لبنانية داخلية تلجم أي رغبة في التصعيد لدى الخصم اللدود الذي لا ترى فيه إسرائيل سوى أداة في يد إيران. ولكن ما الذي تستفيده إسرائيل من تدمير لبنان، وإعادته إلى "العصر الحجري" كما يردد القادة العسكريون؟
من الناحية النظرية، تستطيع إسرائيل تدمير محطات الكهرباء والصرف الصحي ومصافي النفط والطرق والجسور والأبراج السكنية، وإخراج المطارت عن الخدمة وغيرها من مرافق مدنية وعسكرية، ولكن بماذا يفيدها كل ذلك طالما أنه لا يضمن وقف إطلاق الصواريخ التي باتت قادرة على الوصول إلى أي هدف في إسرائيل؟
بحسب المصادر العسكرية الإسرائيلية يمتلك حزب الله نحو مئة وخمسين ألف قذيفة صاروخية، من بينها صواريخ فائقة الدقة تستطيع أن تصيب اهدافها بهامش خطأ لا يزيد عن ثلاثة أمتار، إلى جانب مئات الطائرات المُسيّرة، فضلا عن إمكانية تحقيق اختراقات حدودية تمكن مقاتلي الحزب من احتلال بعض المستوطنات مؤقتا وربما أخذ رهائن، واحتمال نجاح الحزب خلال السنوات الماضية من بناء وتكوين خلايا نائمة يمكن تحريكها وقت الحاجة، وهو احتمال كبير في ضوء حالة الشحن والتعبئة التي يعيشها الفلسطينون داخل الأراضي المحتلة.
من جانبهم لا يملك الفلسطينيون وبخاصة في الضفة الغربية الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها حزب الله لأسباب عدة من بينها عدم وجود ظهير سياسي وجغرافي، والسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الحدود والمداخل والأجواء وأنظمة الاتصالات، وتقطيع أوصال الضفة الغربية وتجزئتها إلى مناطق صغيرة يمكن اجتياحها والسيطرة عليها بسهولة، ولكن رغم كل ذلك ورغم الترسانة العسكرية الهائلة التي تملكها إسرائيل يمكن لفلسطيني شاب منفرد مثل الشهيد خيري علقم أو الشهيد عدي التميمي أن يقلب كل معادلات القوة الإسرائيلية ويخترقها ويكشف نقاط ضعفها وهشاشتها وهذا ما تؤكده يوميا وقائع المواجهات في الأرض المحتلة. فكل ما تملكه إسرائيل من تفوق ومن قدرات لم يمكنها من حسم الصراع وفرض النتائج السياسية التي تريد، لا بل يتمكن الفلسطينيون كل يوم من تطوير قدراتهم وإمكانياتهم، والثابت عمليا هو وجود علاقة طردية بين شدة القمع الإسرائيلي وبين ازدياد عمليات المقاومة.
إذن كل مقدرات القوة تبدو محدودة في قدرتها على حسم الصراع وإخضاع الخصم وفي المقابل تبدو قدرات المقاومة غير محدودة ولا مسقوفة لأنها في الأساس تعتمد على إرادة الناس وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وهي معادلة ليست محضورة بالفلسطينيين بل يشهد التاريخ الإنساني على كثير من حالات المواجهة بين الضعيف المسلح بقناعاته وإرادته وبين القوي المدجج بالأسلحة الفتاكة، إنها إذن معادلة الإنسان في مواجهة الفولاذ وآلات القتل والدمار.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي