![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
إلياس شتواني
2023 / 6 / 25
يعيش الإنسان في عالم لا تشكل فيه الكوارث الطبيعية والأوبئة العالمية أخطر التهديدات والتحديات. إن الإنسان، بالأحرى، موضوع تغيرات عظيمة و خطيرة تحدث بداخله. يؤكد كارل يونج أنه فقط عندما نفهم طبيعتنا الثنائية، أي قدرتنا على فعل الخير كقدرتنا على ارتكاب الشر، يمكننا أخيرًا أن نفهم و ونكافح الخطر النابع من أولئك الموجودين في السلطة.
الإنسان كائن اجتماعي. لا يمكنه الوجود أو الاستمرار بدون رابط اجتماعي، والأهم من ذلك، بدون مبرر لوجوده. من أجل التهرب من العقلية و الرابطة القبلية، لا يمكن للفرد الاعتماد على موارده الخاصة لمقاومة الإغراءات المادية والمعنوية للعالم. يمكنه تحديد موقع استقلاله الروحي فقط في مبدأ غيردنيوي، قادر على نمذجة و تنسيب التأثير المنبثق من العالم الخارجي. يعتقد يونغ أن الدين يمثل رابطًا بين البشر و المجتمع. ليس هذا فقط، فالدين غريزة ذات دلالة و رمزية كبيرة قادت المجتمعات عبر العصور.
يقودنا الاعتقاد الخاطئ بأن البشر عظماء. هذا خطأ. عظمة الإنسان هي للأسف وهم. الإنسان عبد وضحية للمكننة. إن النفس البشرية مسؤولة عن كل التقلبات والتغييرات التاريخية التي قام بها البشر. ومع ذلك، فإنها تظل لغزًا كبيرًا، لم يتم الكشف عنها بعد. لا تقدم بنية وشكل الدماغ تفسيرا كافيا للنفسية البشرية.
هناك بالفعل جوانب مهمة للدماغ البشري تتجاوز نطاق المادة. الغريزة في تمظهراتها المختلفة مثل الرسوم القديمة أو الصور البدائية تمثل الأساس الأعمق في بنية النفس. ان خلاص هذه النفس أو الروح رهين بخلاص الروح الفردية و تحقيق الولادة الروحية. ان المجتمع الحديث فشل في تحقيق مفهوم الفداء أو الخلاص. ان الفرد يجب أن يتم اخراجه من الجمهور السادر الذي لا عقل له، و أن يبين له أنه العامل المهم الوحيد في خلاص العالم. تتكون الحالة الطبيعية للنفسية البشرية من ثنائية متصارعة بين مكوناتها. تسمى هذه الحالة بالتفكك Dissociation الذي تتطلب بدورها النظام و الالتئام Synthesis.
لم يرفض الإنسان كل معتقداته الدينية، وذلك لأن الدافع الديني يقوم على أساس غريزي. لقد حولت الدولة الحديثة نفسها إلى خطاب شبه ديني يشكل فيه المال والسلطة مكوناتها الأساسية. لقد فشل هذا الخطاب الحديث في التخفيف من حدة الصراع الحاد بين الذات الواعية والذات اللاوعية. الفرد الآن مخلوق على صورة الدولة. لقد أصبح إدراكنا ومعارفنا أكثر عقلانية من أي وقت مضى، فلسفتنا لم تعد أسلوب حياة، بل خطاب أكاديمي وفكري محض.
الصراع بين الإيمان والمعرفة هو عرض من أعراض الانفصال النفسي. يعكس هذا الوضع الفردي الوضع العام للمجتمع. يكمن الصراع الرئيسي للنفس البشرية في الصراع بين الجنس ودافع السلطة، وبالتالي فهذا الصراع يشكل المصدر أو الموضوع الرئيسي للحكم الأخلاقي. ان مفهوم الله فكرة انثروبومورفية ذات دينامية و رمزية للانسان تتسربان من خلال وسيط النفس الخافية تهدف الى تحقيق الحالة السوية Normality.
نحن جميعا مجرمون ممكنون بحكم طبيعتنا البشرية. ان الاعتراف بالشر كمقيم دائم في الطبيعة البشرية يمكننا من وصفه كضد و ند للخير. كل ما في الأمر أن الإنسان الحديث أصبح يمتلك أدوات أكثر فعالية و فتكا من أي وقت مضى تمكنه من اتيان الشر بطرق سهلة. بقدر ما اتسعت واعيته و تطورت، بقدر ما تخلفت طبيعته الأخلاقية. ان العامل الحاسم يكمن في الانسان الفرد، الذي لا يملك جوابا عن ثنائيته. ان التعرف على الظل، أي الشر، يؤدي الى التواضع الذي نحتاج اليه لكي نعترف بأننا غير كاملين.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |