تمويل الحملات الانتخابية في النظم الديمقراطية , ولماذا على العراق اختيار الطريق الاخير؟

محمد رضا عباس
2023 / 6 / 22

لا توجد مشكلة في تمويل حملات المرشحين النيابية في النظم الديكتاتورية , حيث ان جميع ثروات البلاد مسخرة لهم , ولا احد يستطع مساءلة راس النظام , خاصة وان الصحف المحلية ومنظمات المجتمع المدني أداة تحت قيادة الدولة وتوجيهاتها . نظام صدام حسين , على سبيل المثال, وضع جميع إمكانية الدولة العراقية ( دعايات إعلامية , بوسترات , وسائل نقل , ومستخدمين ) تحت خدمة المرشحين للمجلس الوطني , وبالطبع لحملته الانتخابية أيضا . في مثل هذه الحالة , لا يحتاج رئيس الحزب او المرشحين التفكير عن كيفية تمويل حملته الانتخابية . كل شيء ميسر وتحت الخدمة .
هذا النظام فيه ثقوب كثيرة اكثر من الجبنة السويسرية , وعلى راسها ان الرابح في الانتخابات يكون بوقا للنظام , أي الجوب بنعم لكل ما تطلبه حكومة " السيد الرئيس" , تاركين حاجة البلد بدون جواب , اداة تشرع للفساد الإداري والمالي , و كتم افواه المجتمع .
نظم سياسية أخرى , تعتبر الانتخابات دوخة راس , وبدلا من الانتخابات يقوم رئيس الدولة او الملك او الأمير بتعيين اشخاص يؤدون دور ممثلي الشعب في مجلس يسمى " مجلس الشورى" , ومن العادة يكون هذا المجلس بدون معارضة , وكل وظيفته هو الموافقة بكلمة نعم . انها مؤسسة وظيفة أعضائها مثل وظيفة الموظف الحكومي , ولكن بامتيازات اعظم , راتب حكومي كبير, حماية امنية خاصة بهم , وجاه كبير بين الناس . مساوئ هذا النظام لا تختلف كثيرا عن مساوئ نظام الحزب الواحد .
التقدم الحضاري والاقتصادي لا يسمح بان يقاد البلد بدون منافسة , فجاء النظام الديمقراطي والذي من المفروض سد ثقوب النظام الديكتاتوري . الا ان هذا النظام هو الاخر يعاني من مشكلة التأثير على القرارات . على سبيل المثال , يتم تمويل حملات الأحزاب الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية , الجمهوري والديمقراطي , من انصار الحزبين , افراد وشركات . فمع بداية كل حملة انتخابية يقوم المرشحين للكونغرس او مجلس الشيوخ بأرسال رسائل لأنصارهم تدعوهم الى التبرع او بإعلان عن دعوة عشاء تبدء بكلفته 100 دولار و 250 دولار و 500 دولار. مع هذا, فان كلفة الحملات الإعلامية الضخمة تفتح الباب واسعا امام الشركات الصغيرة والكبيرة ومنظمات المجتمع المدني للدعم أيضا . وهذا بالضبط اهم عورة في النظام الانتخابي الأمريكي , تأثير هذا المال على موقف أعضاء ممثلو الشعب في الكونغرس على قوانين معينة . عدم استطاعت الكونغرس الأمريكي تشريع قانون يحرم تملك السلاح على الرغم من الكوارث التي تلحق بالأبرياء كل عام , سببه هو ان اتحاد صناع السلاح ترفض أي تشريع يحد من بيع وشراء السلاح بحجة ان حمل السلاح او تملكه هو حق دستوري . بكلام اخر , تمويل حملات المرشحين ليس بدون كلفة , وكلفته هو تنفيذ أعضاء الكونغرس ما يريده الممول لحملاتهم الانتخابية. في بعض الأحيان يضطر المرشح للكونغرس الدفاع عن رغبات او ارادت بعض المنظمات المجتمع المدني ( نقابة الأطباء , المعلمين , عمال استخراج الفحم الحجري , سكك الحديد ) بدون تمويل , لان هذه المنظمات لها أعضاء بألاف وان وعد المرشح لتحقيق رغباتهم يعني كسب أصواتهم .
ليس جميع النظم الديمقراطية العريقة تحذو حذو الامريكان . الحكومات في المانيا , فرنسا , اسبانيا , بلجيكا , واليابان تشارك في تمويل حملات المرشحين بنسيبة 50% الى 80% . هذا النظام له فوائد منها , اعتراف الدولة بوجود أحزاب سياسية وفق متطلبات الدستور وبذلك ان هذه الأحزاب مستوفية شروطه , ضمان مشاركو سياسية عادلة وحرة لكافة الأحزاب السياسية خاصة الأحزاب الصغيرة او الحديثة العهد , تعويض الأحزاب عن ندرة الموارد المالية , والحد من مخاطر المال الخاص. النظام أيضا فيه ثقوب ومنها , تعزيز قوة الأحزاب القائمة ووضع عقبات امام دخول منافسين جدد , الاعتماد على الحكومة قد يؤدي الى اضعاف الروابط بين الأحزاب والناخبين .
هذا وان النظام السياسي في الهند يعتمد اعتمادا كليا على تبرعات أنصاره . أي ان الدولة لا تساعد في تغطية جزء من تكاليف الحملات الانتخابية , ولهذا السبب تظهر الكثير من التجاوزات في هذا النظام , ومنها قبول التبرعات الكبيرة من الشركات الكبرى من اجل دعم قوانين تضر ولا تنفع المجتمع . الا ان المشرع في الهند انتبه الى هذا الخطر , فشرع قانون يحدد الحد الأعلى للتبرعات المالية.
دول ديمقراطية أخرى احزابها السياسية ليس لها مصادر تمويل او أموال كافية لتغطية حملة مرشحيها , وهنا يدخل المال الخارجي , وهو خطر واضح على العملية السياسية وعلى استقلالها . الطرف الخارجي هو الذي يقرر أسماء مرشحي البرلمان والوزراء ,وحتى رئيس الدولة . بكلام اخر , تصبح هذه الدولة ذيل الى الدول المانحة , وهذا ما تشهده بعض دول أمريكا اللاتينية من التدخلات الامريكية . الدول الكبرى تقدم المال الى السياسيين من اجل التأثير على قراراتهم . الكثير من الدول تخاف التنديد بممارسة الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني خوفا من خسارة مساعداتها التي تأتي من الخارج .
اما اسوء النظم الديمقراطية , فهي تلك النظم التي تمول احزابها السياسية من السرقات . أي من خلال بيع وشراء المناصب الحكومية , ومن خلال تضخيم العقود الحكومية , مثل ان تكون الكلفة الحقيقية للمشروع هو 10 مليون دولار , ولكن يحسب على الحكومة بمبلغ 100 مليون دولار أو عن طريق اخذ العمولات عن كل عقد حكومي مثل الاتفاق مع المتعاقد بقطع 20% من قيمة العقد ليكون حصة الحزب او فرض اتاوات على أصحاب الاعمال او المقاولين بحجة حمايتهم او فرض مبلغ معين على كل من يبني دارا للسكن في مناطق معينة . لقد قلت ان هذا النظام هو الأخطر , لأنه يعطي صور سالبة للديمقراطية , حتى يقول الناس هذه ديمقراطية شفط ولفط , ويعطي صورة سالبة عن الحكومة كأن يقول الناس عنها , انها حكومة مال الحرام , وفي الأخير لا يحترم الناس هذه الحكومة , وينعدم الامن والاستقرار و تزداد المشاكل السياسية وتتعقد وتتعطل التنمية الاقتصادية و يخسر هناك الساسة احترامهم .
عندما يصل الامر الى هذا الحال , فان النظام يحتاج الى اصلاح فوري . ومن اجل وقف السرقات وغلق الباب بوجه الفاسدين على الدولة السماح لسكان المناطق اختيار ممثلهم في البرلمان بعد السماع الى برامجهم الانتخابية , وبعد موافقة أبناء المدن على مرشح معين كممثلين , تتعهد الدولة بتغطية كلفة حملاتهم الانتخابية 100%. هذه الصورة تمنع تأثير المال الخاص على المرشحين وبنفس الوقت تبقى روابط العلاقة بين الأحزاب والناخبين . اعتقد ان العراق في حاجة الى هذا النظام .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي