تخلصوا من العسكر

سعود سالم
2023 / 6 / 18

الإنسان حيوان قاتل
حل الجيوش هو الحل

ولابد في نهاية هذه السلسلة من المقالات عن "القتل والقتلة" من ذكر بعض المعلومات والتفاصيل عن العنف في فترات التغيير االتاريخية الكبرى، وكيف تأكل الثورات أبنائها. ففي الحرب الأهلية الأمريكية ١٨٦١١٨٦٥، بين الشمال والجنوب فقد الآلاف من المواطنين ألأمريكييين حياتهم في حرب طاحنة بين نظامين إقتصاديين متناقضينن، وتعتبر هذه الحرب الأكثر دموية في التاريخ الأمريكي، حيث أدت إلى مقتل 620،000 جنديا وعددا غير معروف من الضحايا المدنيين وهي من أقدم الحروب التي استخدمت فيها وسائل تقنية جديدة مثل السكك الحديدية والسفن البخارية وكميات هائلة من الأسلحة الثقيلة. كما تنوعت فيها الأساليب القتالية من الحرب الشاملة الى حرب الخنادق وحروب الحصار، سبقت في ذلك مجازر الحرب العالمية الأولى .. وترتب على هذه الحرب إنهاء الرق في الولايات المتحدة، واستعادة الولايات التي أعلنت إنفصالها، وتعزيز دور الحكومة الفيدرالية.. أما ما يسمى بفترة الإرهاب La Terreur أثناء الثورة الفرنسية فتعتبر من أسوأ صفحات هذه الثورة التي قلبت موازين القوى السياسية في العالم وغيرت مجرى الأحداث، ففي هذه الفترة كانت المقصلة تقطع الرؤوس ليل نهار وأصبح العنف سياسة رسمية للدولة لكل من يناقضها، والمبرر الوحيد هو حماية الثورة من الأعداء المتربصين بها في كل مكان. أما أول مرة استخدمت فيها هذه الآلة الجهنمية لقطع الرؤوس فتعود إلى ٢٥ أبريل ١٧٩٢، حيث جربت لأول مرة لقطع رأس نيكولا جاك بيلتييه الذي اعتدى على أحد البرجوازيين لسرقته. أما قصة إختراعها، فتعود إلى العام 1789، حيث كان الدكتور جوزيف غيوتان Joseph Guillotin، المؤمن بالمبادئ الإنسانية، والذي ساهم في تحرير وثيقة "حقوق الإنسان" يفكر في طريقة تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة "إنسانية" وبدون أن يشعر المعدوم بأي ألم. فاخترع المقصلة والتي سميت باسمه Guillotine، وعرض فكرته على الجمعية التأسيسية، وقال لهم ليدافع عن آلته الجديدة " مع آلتي، سأطير رؤوسكم في رمشة عين، دون أن تعانو أي ألم" « Avec ma machine, je vous fais sauter la tête en un clin d’œil, et vous ne souffrez point ». واستعان جوزيف غيوتان بخبرة الجراح انطوان لوي، وشرح الاثنان أمام النواب مزايا اختراعهما مؤكدين أنها أسرع واضمن وسيلة إعدام وأقلها همجية وقسوة، وأكثرها ضمانا لإنسانية المحكوم عليه بالموت. ولم تنته فترة الإرهاب إلا مع سقوط روبسبيير في يوليو١٧٩٤، عامين غرقت فيها باريس في دماء الرؤوس التي كانت تتدحرج كل يوم بالعشرات، من بينهم رأس لافوازيه الكيميائي المعروف في أكاديمية العلوم الملكية، لكنه عمل في نفس الوقت في تحصيل الضرائب، ولذلك عندما قامت الثورة الفرنسية فقد ارتابوا في أمره، وحوكم مع 27 عضواً من هذه المنظمة في يوم 8 مايو سنة 1794 حوكموا جميعاً وأدينوا، وتقرر إعدامهم شنقاً، ولكن زوجة لافوازييه تمكنت من إنقاذ زوجها وهي التي ساعدته كثيراً طوال حياته في أبحاثه العلمية. فعند محاكمة لافوازييه تقدمت زوجته بطلب العفو عنه، وقد ساندها أحد القضاة " إن قطع رقبة لافوازييه لا يستغرق دقيقة واحدة، ولكن مائة سنة لا تكفي لتعوضنا بواحد مثله"، غير أن رئيس القضاة رفض طلبها قائلاً "إن الثورة لا تحتاج إلى عباقرة"، وقطع رأسه في ٨ مايو ١٨٩٤.. حصيلة الثورة الفرنسية أكثر من ١٠٠ ألف قتيل، ١٧ ألف قطعت رؤوسهم بمقصلة الطبيب الإنساني وحوالي ٣٠ ألف رميا بالرصاص، ناهيك عن نصف مليون مواطن زج بهم في السجون المختلفة. العامل التونسي حميد جندوبي كان آخر من نفذ فيه حكم ألإعدام بواسطة المقصلة وذلك في ١٠ سبتمبر ١٩٧٧ وهو في سن الـ 28 عاما، ولم تحال المقصلة على التقاعد إلا في سنة ١٩٨٠ عند إلغاء عقوبة الإعدام بقرار رئاسي من قبل فرانسوا ميتيران.
إن العنف الثوري، أثناء الثورات المختلفة المعروفة تاريخيا بأهميتها في تغيير أسس المجتمعات المعنية كالثورة الأمريكية أو الفرنسية أو الروسية،. لا يمكن مقارنته بالعنف الناتج عن الحروب الإمبريالية المتعددة والتي كان الهدف منها سرقة ثروات الشعوب الأخرى وأراضيها وإستعباد هذه الشعوب. مثل إبادة السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية وتدمير الثقافات التي أنتجتها حضارات عريقة مثل حضارة الإنكا، وسلب ثرواتهم الطبيعية من قبل الإستعمار الإسباني. وإبادة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية بواسطة المستعمرين الأوربيين والإستحواذ على أراضيهم بقوة السلاح وتجميع ما تبقى منهم في معسكرات مثل الحيوانات. ليس هناك فرق بين القاتل والقتيل في حرب أهلية أو ثورة شعبية، لعدم وجود تدخل خارجي أجنبي فالشعب يقتل نفسه. بينما يوجد فرق بين القاتل والقتيل في الحروب إلإستعمارية. ومجازر الحرب العالمية الأولى والثانية ومحرقة اليهود من قبل هتلر ونظامه النازي تبقى علامة على مر العصور لتخلف البشرية وعدم قدرتها بعد على الوصول إلى المستوى الإنساني الذي نحلم به. فقد قدرت خسائر الحرب العالمية الأولى بـ 8,538,315 قتيل، و21 مليون جريح، و7 مليون أسير ومفقود، أما ضحايا الحرب العالمية الثانية من العسكريين والمدنيين فتقدر بـ 62 مليون نسمة، أي ما يعادل 2% من سكان العالم وكان نصفهم من المدنيين. يضاف إلى هذا العدد عشرات الملايين من الجرحى والمشوهين والمعاقين وقد شهدت هذه الفترة تعديات خطيرة على حقوق الإنسان فمات الملايين من الأبرياء نتيجة للغارات الجوية وفي معسكرات الإبادة والتعذيب زيادة على اعتقال الأطفال والنساء وارتكبت المجازر في حق العديد من الشعوب واستعملت ضدها الأسلحة الكيماوية والذرية. ويعتبر الاتحاد السوفييتي وبولندا وألمانيا من أكثر البلدان الأوروبية تضررا من عنف هذه الحرب. وبعد منتصف القرن الماضي، توقف الأوربيون والأمريكان عن قتل بعضهم البعض ونقلوا ساحة حروبهم إلى قارات أخرى، فحصيلة الحروب الأخيرة منذ ١٩٩٠ حتى اليوم تتجاوز خمسة مليون ضحية، غالبيتهم في أفريقيا وآسيا. يجب إضافة عدة آلاف من ضحايا الأحداث التي سميت - ربما بقصد السخرية بالربيع العربي - في ليبيا وسوريا واليمن وأخيرا ضحايا العسكر في السودان وفي العديد من الدول الأفريقية التي تتنازع على ثرواتها من البترول واليورانيوم والعناصر النادرة الضرورية للصناعة الحديثة العديد من الدول الإستعمارية الشرسة.
ولا شك أن الخط الوحيد الفاصل بين عالم مستنير ومتقدم ويصبو نحو "الخير" وبين العالم المتخلف البدائي، هو التخلص من فعل "القتل" مرة واحدة وإلى الأبد، مهما كانت الأسباب والدوافع والمواقف، وبالتالي إلغاء عقوبة الإعدام على المستوى الدولي من جميع القوانين والدساتير. أما الخطوة الثانية فهي حل الجيوش المختلفة، جميع الجيوش، ونزع السلاح ومنع صناعته وإنتاجه دوليا. وبدون هذا الحل الإنساني البسيط، ستبقى البشرية تتخبط في غياهب عصور الظلام والبدائية فاقدة لأبسط المعايير الأخلاقية التي تكفل حق الحياة للجميع في عالم يسوده السلام والعدالة الإجتماعبة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي