|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
صوت الانتفاضة
2023 / 6 / 15
في العام 2015، وتحديدا يوم جمعة، في شارع المتنبي، تفاجأ زوار الشارع ببيع مكتبة الدكتور وعالم الاجتماع الراحل حاتم الكعبي 1917-1979، كانت مؤلفات الراحل من ضمن ما احتوت عليها المكتبة، هذه المؤلفات كانت –ولا زالت- نادرة جدا، وان وجدت فأن أسعارها مرتفعة، فلم يعاد طبعها او نسخها، قد يكون بسبب عدم شهرة الراحل، -كبقية زملاؤه من علماء الاجتماع الرواد أمثال "عبد الجليل الطاهر وعبد الجبار عريم"-، قياسا بالراحل علي الوردي، الذي اعيد طباعة مؤلفاته مرات عديدة.
كحال الكثيرين فقد حصلنا على نسخة من مؤلفه القيم "حركات المودة"، الذي طبع عام 1971، وقد بحث فيه الدكتور حاتم وعبر خمسة فصول المودة، مهديا ثمرة بحثه هذا الى ابنته "نسرين"، "التي تمثل جمهرة كبيرة من جيلها الصاعد في نزوعها الى تبني آخر طراز من مودة الأزياء"، فقد اخذته هواجس القلق من اختلاف الرؤى بين الأجيال، "فنحن نواجه منظومات من القيم متباينة"، تحتم عليه كعالم اجتماع دراستها وبحثها، فبحث المودة يقع ضمن ميادين "السلوك الجمعي" كما يرى.
بدا الكعبي بتقديم لمحة تاريخية للأزياء عبر العصور، والتي تقول بعض الوثائق التاريخية "الى عزم أحد الملوك الاشوريين على إقامة احتفال ديني خاص بالملابس"، ويتطرق الكعبي في تمهيده التاريخي "الى العوامل التي لعبت دورها الفعال في دروج هذه الظاهرة وانتشارها" وهو يضطر كما يقول "الى الرجوع الى فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر حيث بدأت تلك البوادر الاولى، التي انتهت فيما بعد بجعل باريس اهم مركز من مراكز السيطرة في حقل المودة"، متتبعا بشكل رائع تلك السيطرة الباريسية على مودة الأزياء.
ذكر الكعبي عدة تعاريف للمودة، منها ما جاء في قاموس وبستر من كلمة مودة تعني "لغويا الاستعمال الدارج المقبول لأي شيء" او تعريف الباحث "لابير" ان "المودات هي نماذج سلوكية مؤقتة" او تعريف "ادوارد سابير" ان "المودة صورة من صور التخلي المؤقت العابر عن التقليد الاجتماعي"، او "بونر" من انها "ضرب من السلوك المؤقت مصدره دوافع لا شعورية"، او تعريف الفرنسي "تارد" المودة هي "تقليد المعاصرين"، او رأي الباحثان "ترنر، كيليان" الذي يقولان "ان المودة تدور حول انتشار وشيوع تغيرات في الذوق"، ويخلص الكعبي من كل تلك التعاريف الى ان المودة هي "تقليد في مظهر او صورة التحول والانتقال من تقليد راهن او اعتبار اجتماعي قائم".
يمضي الكعبي في دراسته الى مفاهيم العقل الجمعي والتقليد والايحاء، منتقلا الى تغير المودة "الحوافز والدوافع"، بعدها ينتقل الى البنية الاجتماعية للمودة، ثم يبحث في الفصل الأخير المشكلات التي تتمخض عنها المودة.
ان كتاب "حركات المودة" هو بحث ودراسة كبيرة من قبل الدكتور الكعبي، وهو باب لم يطرقه أحد غيره في العراق، وقيل ان استاذه "بلومر" كان قد أثنى عليه بشكل كبير، رغم ان للكعبي اسهامات أخرى كثيرة لا تقل روعتها عن هذا العمل، منها "مبادى علم الاجتماع" مع الدكتور محمد المشاط، والذي صار منهجا يدرس للمرحلة الإعدادية في المدارس في منتصف الستينات؛ كتاب "السلوك الجمعي" وأيضا "الحركات الاجتماعية التي تدور حول منقذ منتظر" و "الطبقية الاجتماعية وكارل ماركس" و "دراسة حال زعامة"، وبحثه باللغة الإنگليزية غير مترجم "أبو طبر: دراسة حالة رعب جمعي" الذي قدم الى المؤتمر المنعقد في كندا عام 1974. غير الكثير من الكتب التي ترجمها الى اللغة العربية.
احيل الدكتور الراحل الكعبي الى التقاعد عام 1978 دون ابدأ أي سبب، وفي العام 1979 توفي الكعبي، وقيل مات متحسرا متألما بسبب ابعاده مرغما، وقيل انه تعرض لمضايقات من القوميين والبعثيين كونه كان من أنصار الزعيم عبد الكريم قاسم؛ يروي عنه أحد تلامذته طرفة، يقول انه عندما دخل المحاضرة قال (طلاب راح انطيكم محاضرة عن فرويد وراح افشّر بالشرح، فالبنات اذا يريدن يطلعن خل يتفضلن وما سجلهن غياب) فلم تخرج ولا طالبة من المحاضرة.
كل الذكر الطيب للراحل الدكتور حاتم عبد الصاحب الكعبي، الذي اغنى المكتبة بالمؤلفات والترجمات العديدة، وقدم لنا ارثا كبيرا ورائعا في علم الاجتماع.
#طارق_فتحي
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |