|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
راندا شوقى الحمامصى
2023 / 6 / 7
التعاليم البهائية تتفق بالتأكيد مع كانط فيما يتعلق بالحاجة للإتحاد العالمي لمنع الحرب وإقامة "نظام إتحادى عالمي" (WOB 204) الذي فيه البشرية سوف "تتحرر من لعنة الحرب ومآسيها." (WOB 204) و فى مكان آخر فإن حضرة ولى أمر الله يشير إلى آمال حضرة عبد البهاء "فى إرتفاع راية السلام الأصغر The Lesser Peacee، في توحيد الجنس البشري، وإنشاء الحكومة الاتحادية العالمية على هذا الكوكب."(CF 126) و لكن، بينما تحقيق الإتحاد العالمي أو "عصبة السلام league of peace" بالنسبة لكانط يمثل النهاية للتطور الإجتماعي والسياسي للبشرية، فإن السلام الأصغر الذي يجلب "الوحدة في المجال السياسي" (SWAB 32) بالنسبة للدين البهائي ليس سوى مرحلة إنتقالية لمرحلة لا تزال أكثر شمولا و هى السلام الأعظم الذي هو:
"من الحوادث العظيمة المزمع حصولها في يوم ظهور ذلك الغصن الذي لا مثيل له، ارتفاع علم الله بين جميع الشعوب يعني أن جميع الشعوب والأجناس تجتمع مع بعضها بعضاً في ظل هذا العلم الإلهي، ألا وهو الغصن الرباني ويصبحون شعباً واحداً وينعدم العداء الديني والمذهبي وتزول البغضاء الجنسية والقومية وترتفع الاختلافات من بين الأمم ويدين كل الناس بدين واحد، ويؤمنون بإيمان واحد، ويندمجون في شكل جنس واحد، ويصبحون أمة واحدة يسكنون وطناً واحداً وهو الكرة الأرضية." (عبد البهاء، ظهور حضرة بهاء الله، ج4، 411)
"سوف تتحد كافة الأمم والقبائل وتصبح أمة واحدة. وتندثر المنازعات الدينية والعرقية وتتوقف المشاحنات بين الأجناس والشعوب. ويتمسك كل الناس بدين واحد واعتقاد واحد ويتّحدون في جنس واحد ويصبحون شعبًا واحدًا. فيسكن الكل في وطن واحد هو هذا الكوكب نفسه." (عبد البهاء، ظهور حضرة بهاء الله، ج2، 412)
في الرؤية البهائية، فإن الهدف النهائي للتطور الإجتماعي سوف يكون لدينا وحدة على أساس المبادئ الروحية التي سوف تتجاوز الإختلافات فى الدين أو العرق والطبقة و القومية، وجَعلْ الأرض نفسها وطننا. هذا، بطبيعة الحال، يتطلب التحول الروحي الأساسى الذي من شأنه، في الواقع، أن يجعل السياسة كما نعرفها، قد عفا عليها الزمن.
أما بالنسبة لكانط ، فإن مثل هذه الرؤية تثير المخاوف حول السيادة الوطنية أي حقوق الأمم. فعندما الكل "يسكن في وطن واحد مشترك" فماذا تبقّى من إستقلالية الدولة الوطنية؟ كما يقول: "مثل هذا الإتحاد من الضرورى أن يكون مقيداً بعقلانية بمفهوم حق الأمم." (كانط عام 1983، 117) أى أنه فيما يخص القيام بالحرب فقط يمكن هناك أن تكون أي قيود على السيادة أو الحقوق الوطنية. فالمشكلة الأساسية مع هذا، كما ذُكر أعلاه، هى أنه في القرن العشرين قد تعلمنا من التجربة أن إحلال السلام يتطلب تدابيراً أبعد من الإتفاقات السياسية و الدبلوماسية للحد من القدرة على شن الحرب، و أن السلام الثابت يمكن أن يتأسس فقط عندما شروط أخرى، غير سياسية و غير دبلوماسية يتم استيفاءها مثل وحدة النظرة للعالم وإلغاء التحيز و الإجحاف العنصري والوطني و الديني والطبقي. فمن السهل نسبيا للأمم حسنة النية أو المتبصرة سياسيا أن تعترف بأن القيام بالحرب من جانب واحد ليس حقاً وطنياً. و كما يقول كانط ، "من على عرش سلطته التشريعية الأخلاقية، فالعقل يدين على الاطلاق الحرب كوسيلة لتقرير الحق." (المرجع نفسه 116) و القليل ممن يقول و لكونه أقوى فإن هذا يثبت أنه على حق. و لكن، فإن السؤال الذي يطرحه تاريخ القرن العشرين هو "متى يمكن لمثل هذه النوايا السياسية الطيبة أن تبقى إذا كانت أسس السلام ليست راسخة في مكانها"؟ و كم من الوقت يمكن أن تُقاوم الضغوط الداخلية لسكان يشتعلون بنيران الحماس العرقي والديني والقومي أو الطبقى؟ والى متى يمكن لهم أن يمتنعوا عن الحرب في صراع من الأيديولوجيات؟ كانط ، بطبيعة الحال، ما كان بإمكانه أن يتوقع مثل هذه التطورات، وبالتالي، ما أقام أي أحكام/شروط لمنعها أو إختصار دائرتها. أما الآثار (الكتابات) البهائية المقدسة، من ناحية أخرى، يبدو أنها تتوقع مثل هذه التطورات بقدر ما تصف، كما سنرى، التدابير اللازمة لإحباطها مسبقاً. ففي حين أنها لا تستخدم كلمة الأيدولوجية ideology [مجموعة نظامية من المفاهيم]- فمن كان يفهما في ذلك الوقت؟ - فإنها تصف العلاج الصحيح اللازم لتقويض و تراجع آثار هذه الأشكال المختلفة من التحيز و التحامل و إمتدادها الأيديولوجي.
الآثار (الكتابية) البهائية المقدسة على حد سواء تتفق وتختلف مع مقترحات كانط "للسلام الدائم". فهى متفقة على أن "عصبة السلام" يجب أن تكون إتحاداً من نوع ما. عندما سأله مسؤول من الحكومة الأمريكية عن أفضل السبل لخدمة كل من مصلحة بلاده وشعوب العالم، نصحه حضرة عبد البهاء: "بالمساعدة في التطبيق التام لمبدأ الفدرالية الذي تقوم عليه الحكومة الخاصة ببلدكم على العلاقات القائمة الآن بين شعوب ودول العالم."(36 WOB) ففي الفيدرالية الأمريكية، تقسم المسئوليات والحقوق بين الحكومة المركزية التي تسهر على مصالح الإتحاد كله، و الولايات التي ترعى جزءاً معيناً من الإتحاد. فالولايات الفردية متحدة بعهد أو إتفاق ولكنها لا تخضع لحكومة مركزية إستبدادية. و في هذا الصدد، يصرح حضرة عبد البهاء أيضا:
"من الواضح جدا أنه في المستقبل لن يكون هناك مركزية في بلدان العالم، سواء كانت فى نموذجها دستورية الحكومة، جمهورية أو ديمقراطية النموذج. فالولايات المتحدة قد تؤخذ كمثال للحكومة المستقبلية، و ذلك أن تقول، سوف تكون كل محافظة مستقلة في حد ذاتها، ولكن سيكون هناك اتحاداً فدرالياً يحمى مصالح مختلف الدول/الولايات المستقلة." {ترجمة تقريبية} (PUP 167).
من الجدير بالذكر أن "الاتحاد الفيدرالي federal -union-" سوف يحمى المصالح المشروعة لولاياته/دولِهِ المستقلة. فما هى هذه "المصالح المشروعة" التى يجوز، بطبيعة الحال، أن تختلف من ظرف تاريخي واحد إلى آخر، وهذا يضمن المرونة بل و حقوق ومسئوليات الدول المكونة مما يمنع هذه السلطة التى ترعى الكل من أن تصبح قوة مركزية دكتاتورية. ووفقا لحضرة شوقي أفندي، فإن مبدأ الفدرالية ينطبق حتى على السلام الأعظم؛ و يصف النموذج الدولي للحكومة في السلام الأعظم بأنه يمثل "نظاماً فيدرالياً للعالم". (WOB 203)