نظرية التطور: مقدمة قصيرة جدا

لفهم الحياة بشكل علمي دقيق، يقترح ريتشارد دوكينز في كتابه "صانع الساعات الأعمى" مذهب الردية الطبقية التي من خلالها يمكننا اختزال الحياة الى أشكالها الأولية المختزلة أو السابقة لها. يعطي الكاتب مراجعة جديدة و منقحة عن نظرية التطور بوصفها السبيل الوحيد لفهم و وصف كيفية بدء الحياة على كوكب الأرض.
لتأكيد هذا الطرح، يشير الكاتب لفكرة بسيطة مفادها أن الحيوانات لها المظهر بأنها صممت من لدن مهندس بارع و محنك، لكن ليس ما يدل على أن الخفافيش، على سبيل المثال، عندما توظف تقنية التردد المشفر، نفسها تفهم النظرية بالكيفية التي يفهمها بها الفيزيائي. الحيوانات عبارة عن ماكينات حية. التصميم في هذه الحالة للانتخاب الطبيعي التراكمي اللاعشوائي.
يوجد فرق كبير بين الانتخاب الطبيعي التراكمي، حيث يستخدم كل تحسين مهما كان صغيرا كأساس للبناء في المستقبل، و الانتخاب بخطوة واحدة، حيث كل محاولة جديدة للبناء هي محاولة حديثة. و الحقيقة هي أن الانتخاب الطبيعي التراكمي هو ما حدث بالضبط فوق كوكبنا. ان النوع الانساني ليس هو الهدف النهائي للتطور. معيار الانتخاب في الحياة هو دائما قصير المدى، اما مجرد البقاء أو النجاح في التكاثر. فصانع الساعة أي الانتخاب الطبيعي التراكمي هو أعمى بالنسبة للمستقبل، و ليس له هدف على المدى الطويل.
جينات البشر لا تبدأ في أن تعني شيئا الا عندما تترجم، بواسطة تخليق البروتين، الى قواعد للنمو بالنسبة للجنين. من هنا يتضح لنا أن معيار الانتخاب ليس هو الجينات نفسها، و انما هو الأجساد التي تؤثر الجينات في شكلها من خلال النمو. ان أهم ما يميز الانتخاب هو تكنولوجيا الخلية الحية. أدق جزيئات الجسم الحي تسمى النيوكليتودات المتعددة Polynucleotides و يوجد عائلتان رئيسيتان منها في الخلايا الحية، تسميان باختصار د ن أ DNA، و ر ن أ RNA، و كلتاهما سلاسل من جزيئات صغيرة تسمى النيوكليتودات. كل من د ن أ DNA، و ر ن أ RNA تتكون من أربعة أنواع من النيوكليتودات، يرمز اليها بحروف A T C G، يتم نسخ أنماطها من كل جيل لاخر.
أما الكروموسومات أو الصِّبغيَّات Chromosomes فهي بناء داخل الخلايا، تحتوي على جينات الشخص. إذا، الجينات توجد في الصبغيات، التي توجد في نواة الخلية. يحتوي الكروموسوم أو الصبغيّ على مئات الآلاف من الجينات. كل خلية بشرية سوية تحتوي على 23 زوجًا من الصبغيات، ومجموع ما تحتوي عليه هو 46 صبغيًا. الشامبانزي يحتوي على 48 صبغي و يتشارك معنا في 99 في المئة من جيناتنا، و هكذا فاننا نشترك مع الشامبانزي بجد مشترك، و هكذا فانه لابد و أنه عند نقطة ما في سلفنا أو سلف الشامبانزي قد حدث تغير على مستوى الكروموسومات. من العجيب ذكره أن 1 في المئة فقط من المعلومات الوراثية في الخلايا البشرية هي ما يستخدم فعلا.
الانتخاب الطبيعي يدور حول مدى نجاح حامض د ن أ المتنافس للوصول الى محفوظات النوع. فبعض الجينات تكون أنجح من الجينات المنافسة في البقاء في المحفوظات. هذه الخصائص هي التي تثبت أنها المقومات الأساسية لأي عملية من الانتخاب الطبيعي. خاصية نسخ الذات تقتضي النظر الى كل كائن عضوي كوسيلة نقل مؤقتة، تقضي فيها رسالات د ن أ جزءا صغيرا من أزمنتها الجيولوجية و تتعقب البيئة المتغيرة. ماكينات الانزيم الناسخ لا "تعرف" السبب وراء صنعها جزيئات ر ن أ، فكل ما تفعله هو فقط نسخ ذاتي لشكلها. فهي لا تفكر. و حتى اذا حدث أخطاء نسخ لها، فان النسخ الأخيرة تتجه لأن تكون أفضل. فالبيئة مفروضة على النوع، و هذا الأخير يتطور ليلائمها.
ان احتمال نشوء الحياة العضوية على كوكب الأرض بالصدفة هو 10 أس 14. ان نشأة الحياة بالصدفة بمقاييس الكون تبقى محتملة جدا. طول الزمن يبقى ضروريا حتى ينتج عن أحداث كيميائية عشوائية على الكوكب اصطدامات حرارية عشوائية للذرات و الجزيئات، و بالتالي جزيء ناسخ للذات، و منه تبدأ الحياة العضوية في النشوء و التطور عبر الانتخاب الطبيعي التراكمي بدرجات بطيئة و تدريجية.