![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
إلياس شتواني
2023 / 5 / 27
إن تصور سبينوزا عن الله هو في الحقيقة فريد من نوعه. أطروحته هي كما يلي، تنبثق صورة الله وتمثيله في الكتب المقدسة من توظيف خصب للخيال. لقد أدرك الأنبياء الوحي من خلال الاتصال الخيالي بالسماء. تتوافق صورة الله كحمامة بيضاء مثلا أو كنار مشتعلة مع تصور الجماهير السطحي عن الله والعالم الروحي.
الله ليس إنسانًا أو كائنًا مجسما يعيش في السماء، إنه بالأحرى مظهر من مظاهر الوجود الطبيعي الذي يعبر عن كماله وغايته. طالما تعمق اتصالنا ومعرفتنا بالعالم الطبيعي، يصبح فهمنا لله أكثر وضوحًا وأقرب. بهذا المعنى، يمثل الله الخير الأعظم و الأقصى الذي يجب أن تتطلع البشرية إلى إيجاده. في البحث عن الله ومعرفته ، يكمن الخير والسعادة المطلقان. تعكس جميع الأعمال البشرية فكرة وجود الله في داخلنا، وتسمى وصايا أو أوامر الله.
محبة الله هي الغاية المثلى لجميع الأعمال البشرية. يدور القانون الإلهي و النور الفطري حول مبدأ جوهري: محبة الله كصالح أعظم. يحلل سبينوزا الكتاب المقدس من منظورين سياسي وتاريخي، ويخلص إلى أن قوانين الكتاب المقدس وأوامره قد صممت ورسمت وفقًا لفهم الإسرائيليين ولا تتعلق إلا بظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. أما بالنسبة للمسيح، فقد انطوى دوره بشكل أساسي على قراءة جديدة للأخلاق وفصلها عن مجال الحكم و السياسة. يلفت سبينوزا انتباهنا إلى فكرة أن الإيمان بأشياء لم تُرى، مثل المعجزات، لا علاقة له بالقانون الإلهي، ولا يؤمن السعادة الروحية للناس، لكنه يخدم أساسًا في تأسيس العقيدة الايمانية. يرى سبينوزا أن المعجزات تتعارض بشكل صارخ مع قوانين الطبيعة. بما أن القوانين والقوى الطبيعية ما هي إلا تجلي لله وتنبع من ضرورة وكمال الطبيعة الإلهية، فإن المعجزات تتعارض بالتالي مع طبيعة وفكر الله. المعجزات بعد كل شيء بعيدة عن الفهم البشري. لا يستهدف الكتاب المقدس العقل، لكنه يطمح إلى تحفيز الخيال وشحذ قدرته على التصور. يؤكد سبينوزا مرارًا أن كلمة الله الحقيقية ووصيته تكمن في العقل البشري، وهذا هو العهد الوحيد والحقيقي الذي قطعه الله مع البشر.
الهدف الرئيسي للكتاب المقدس هو تعليم وفرض الطاعة. وفقًا لذلك، لا يتطلب الاعتقاد أسسًا سليمة، بل يتطلب أسسًا تؤدي بالضرورة إلى الخضوع. اللاهوت منفصل عن العقل، فلكل منهما هيكله الخاص وهدفه الأسمى.
يقترح سبينوزا أن الديمقراطية تشكل أفضل خيار لحماية حقوق الإنسان والحريات. تضمن الديمقراطية أن يفوض جميع المواطنين حقوقهم للدولة، بشرط أن يعيشوا جميعًا على قدم المساواة وفي ظل حماية القانون. هذا الانتقال من الثيوقراطية إلى الديمقراطية هو ما يميز فلسفة سبينوزا. ويكشف أنه تاريخيا، كانت الشعوب تميل إلى الانصياع للقادة السياسيين أكثر من الشخصيات الدينية. لذلك، لا يحكم الله إلا من خلال السيادة السياسية و الحكيمة للبشر. الدولة المدنية هي الحل الأفضل وتعكس ميولاً راسخة لإيجاد السلام والسعادة للجميع. دولة تكرس فيها حرية التعبير وتعتز بها بشدة.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |