|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2023 / 5 / 25
قبل يومين، كنتُ أجلسُ لوحدي على إحدى مقاعد الساحة الخلفيّة لإحدى الكليّات في جامعةٍ حكوميّة، وكنتُ أُشاهد عددًا مِن حفلات الخرّيجين، وللدِّقة، مِن مُناقشي مشاريعَ تخرُّجهم، وما أكثرهم. وبسبب قراءتي لتعابيرِ أوجه الخِريجيين، وتمكُّني مِن إداركِ فرحة أهاليهم الذينَ حضروا ليحصدوا ثمارَ ما بذروهُ قبل عقدينِ من الزَّمن -على الأقل- ؛ كُنتُ مستمتِعًا بهذه الفَرحة.
لكن، وفي أثناء فرَحتي، ومُحاولة انخراطي بزفّة أحدهم، صُدِمت مِن الهِتافات التي بدأوا يهتِفونَ بها، وهُم يحملونَ "مشروع" الخريج على أكتافهم، والذي كانَ يحمِل رايةً تُبرِز عشيرة/ومنطِقة مُعيّنة، ممّا جعلَني أنسِحب بهدوء، وأعود لأجلِس على المقعَد الذي كنتُ غد غادرته للتّو، ومِن ثمّ تبدأ الأسئلة تتقاذف داخلَ عقليَ الذي يُتعبني استخدامه في زمن "اللاعقل". وقد كانَ من أهمّ هذه الأسئلة:
ما هي الفائدة المرجوّة مِن الهِتافات العشائريّة والمناطقيّة داخل الحَرم الجامعيّ؟!
وما الذي دفعَ طُلاب جامعاتنا إلى أن يحمِلوا حواضنهم العشائريّة والمناطقيّة إلى الجامعات، لتكون هي المُعبّر الحقيقي عنهُم؟!
وإن كانَ الأمر إثباتٌ للذّات واستعلاءٌ على الآخر...أفليسَ من الأولى، كونَ أنّنا طُلاب جامعات، أن نُثبتَ ذواتنا وأن نستعلي على الآخرين بما نُحقِّقهُ على الصّعيد العِلميّ، وأن تكون الهِتافات لصالحِ التخصُّصات والكليّات مِن خلال الإنجازات العلميّة التي نُحقّقها؟!
أسئلةٌ كثيرة، لن أتمكَّن مِن التصدّي لها كُلّها في هذا المقال. لذا، سأتصدّى للسؤال الأوّل، وسأحاول جاهدًا أن أشخِّص هذه المُشكلة، وتأثيرها على الجامعات والطلاب، مع إعطاء بعضِ الحُلول المُتواضِعة لمُكافحتها.
وقبل أن أبدأ الحديث عن العشائريّة والمناطقيّة داخل الجامعات، فلا بُدّ من أن أتحدّث عنها بشكلٍ مُجرَّد.
"العشائرية والمناطقيّة"
العشائرية والمناطقية هُما اتّجاهان اجتماعيّان يُعبِّران عن الانتماء والتمييز الاجتماعي، بناءً على العشيرة أو المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها الفرد. وهذان الإتّجاهان، يتأثّران بشكلٍ كبير بالعوامل الثقافيّة والتاريخيّة والسياسيّة في مجتمعٍ مُعيَّن.
فالعشائريّة تعني الولاء والانتماء الأساسي للعشيرة أو العائلة الموسَّعة. إذ تعتَبر العشيرة وحدة اجتماعيّة تتألَّف من مجموعة من الأفراد يشتركونَ في أنسابٍ مُشتركة، ويرتبِطونَ بعلاقاتٍ قوية، تستند إلى الولاء والدَّعم المتبادَل.
كما تتمتع العشائر بتاريخٍ طويل وتراثٍ ثقافي، غالبًا، وقد تكون لها قواعد وتقاليد خاصة بها. وقد تؤثر العشائرية في الحياة اليومية للأفراد من خلال تحديد الزيجات، وتوزيع الميراث، وتحديد القواعد الاجتماعية والسياسية في المجتمعات التي تتبنّى هذا النظام.
أما المناطقية، فتعني التمييز والانتماء الأساسي لمنطقة جغرافية معينة. وتقسم المجتمعات في بعض الأحيان إلى مجموعاتٍ أو أحياء أو مناطق تمتلك هُويِّات فريدة، وتُعزِّز الولاءات الجغرافية. وقد تتشابه المناطق في الثقافة واللغة والتقاليد، وقد تختلف عن العشائر في أسلوب الانتماء والتَّفاعُل الاجتماعيّ.
ويمكن أن تؤثر المناطقية في الحياة اليومية من خلال الولاءات السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث يشعر الأفراد بالانتماء العميق لمنطقتهم، ويميلون إلى التَّفاعل مع الأشخاص الذين ينتمونَ لنفس المنطقة، وهذا بالفِعل ما نراهُ مِن الطُلّاب داخل الجامعات، على الرُّغم مِن أنَّهم قد يكونون غير متوافقينَ داخلَ المنطِقة التي يعيشونَ فيها ؛ إذ يتجرّدونَ مِن منطقتهم، ويُعلِنونَ الإنتماء المُطلَق للعشيرةِ التي ينتَسبونَ إليها.
مِن المُمكن أن تُسبِّب "العشائرية والمناطقية" تحديّات في المُجتمعات المعاصرة، حيث قد تؤثِّر على العدالة والمساواة، وتُعزِّز التَّفرقة والتوتُّرات بين المجموعات المُختلِفة، وليسَ هُناك ما هو أدلّ على ذلك، مِن المشاكِل والصّراعات التي نشهدها داخِل الجامِعات، إذ نادرًا ما ترى مُشكِلة جامعيّة لا تُلبَس ثوبَ العشائريّة والمناطقيّة.
وعلى الرُّغم مِن كُلّ السلبياتِ التي تُحيط بهذين الاتّجاهين، إلّا أنّهُ يجب علينا، أيضًا، أن نُدرك أنَّهُما، أي العشائرية والمناطقية، يُمكِن أن تكون لهُما، جوانب إيجابية ؛ مِن مثل، الدَّعم الاجتماعي، والتَّماسُك الثقافي، والانتماء العميق للأفراد لمُجتمعاتِهم.
تُعد الجامعات بيئة حيويّة ومُتنوِّعة. حيث يلتقي فيها طُلاب من خلفياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ مُختلفة. ومع ذلك، يُعاني بعض الطُلّاب في الجامعات من ظاهرة الفزعات العشائريّة والمناطقية، التي تميِّز الأفراد والتّفضيلات القائمة على الإنتماء العشائريّ أو الجغرافي عِوضًا عن القُدرات والمؤهلات الفرديّة.
فمَن يدخُل الجامِعة وهو في عُمر الثامِنة عشَر، لَم يُكن منخرِطًا في أيّ بيئةٍ غير بيئة مُجتمعة، أي البيئة التي تربّى بها، وكانَت تربيتها خالية مِن أيّ نوعٍ من أنواع الوِفاق والمسؤوليّة العِلميّة التي ستقود حتمًا للمسؤوليّة الوطنيّة التي ستُلقى على عاتقِ هذا الوافِد إلى الحياة الجامعيّة..
إنَّ الجهويّة، المناطقيّة، العشائريّة..كُلّها أمورٌ رَمت بشبابنا وسطِ أمواجٍ لا تهدأ...وللأسف، زادَ عليها ضُعف الأنظِمة النّاظِمة للجامِعات، وأُسس القُبول.. وكانت ذاتَ آثارٍ سلبيّة على الجامعات.
ومِن أهمّ التّأثيرات السلبية للفزعات العشائرية والمناطقية في الجامعات:
أولًا: التمييز والانقسام: تؤدي الفزعات العشائرية والمناطقيّة إلى تشكيل فصائل داخل الجامعات وتعزيز التمييز والانقسام بين الطُلاب. ويمكن أن تظهر هذه الفصائل على شكل تجمُّعات طُلابيّة مُتجانسة تسعى إلى حماية مصالح المجموعة العشائريّة أو الجُغرافية.
ثانيًا: تضييق الآفاق وتقييد الفُرص: عندما يتم التّفضيل على أساس العشيرة أو المنطقة، يتم تقييد الفرص المُتاحة للطُلاب الآخرين، الذين لا ينتمون إلى تلك العشيرة أو المنطقة. وهذا ما يُمكن أن يعوق هذا التمييز الفرص الأكاديمية والمهنية للطُلاب الأكفّاء.
ثالثًا: انخفاض مستوى الثقة والتّعاون: تؤثر الفزعات العشائرية والمناطقيّة على مُستوى الثّقة بين الطُلاب، حيث يُمكِن أن يؤدي التمييز إلى انخفاض الثقة والشّكوك بين الطلاب. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن تقوِّض هذه الفزعات روح التِّعاون والعمل الجماعي في الجامعات.
التحديات في مواجهة الفزعات العشائرية والمناطقية:
توعية الطُلاب: يجب تعزيز الوعي بأضرار الفزعات العشائرية والمناطقيّة وتأثيرها السلبي على الجامعات والمُجتمع بشكلٍ عام. حيث يُمكِن تنظيم حملات توعويّة وأنشطة تثقيفيّة لتعزيز التَّسامُح والتنوّع وتعزيز قيم المُساواة والعدالة.
دعم التنوّع الثقافي: يجب تشجيع الجامعات على إنشاء بيئة تعليمية مُتساوية ومتنوعة، تحترم وتُقدِّر الخلفيّات الثقافيّة والعرقية المُختلفة. ويكون ذلك، من خلال تنظيم فعاليّات ثقافيّة ومُنتديات لتعزيز التّفاهُم والتعايش بين الطُلاب.
القيادة الجامعية الحكيمة: يلعب القادة الجامعيون دورًا حاسمًا في مُكافحة الفزعات العشائرية والمناطقية. حيث يجٍب على القادة الجامعيين اتّخاذ إجراءات صارمة لمنعِ التمييز، وضمان المساواة بين الطُلاب. ويمكن تبنّي سياسات تُعزِّز التنوّع وتحقيق العدالة في الجامعة.
التشجيع على المُشاركة الطلابية: يجب تشجيع الطلاب على المُشاركة في الأنشطة والمُبادرات الطُلابية المُختلفة. والنّتيجة، ستكون، أنَّ هذه المُشاركة تُعزِّز التواصل والتّعاون بين الطُلاب من مُختلف الخلفيات، وتُقلِّل من انعزال الفصائل العشائرية والمناطقية، ومِن الجدير هُنا، أن نؤكِّد على أنَّ أهم النّشاطات التي يجِب انخراط الطُلاب فيها، هي النشاطات السياسيّة. حيث "لم تكن السياسة بعيدة عن المشهد. فقد كان لدى جامعاتنا في
وقتٍ مضى مساحات للعمل الطلابي، من خلال الاتحادات والأندية والنّشاطات المُختلِفة، وكان الصراع بين الطلبة آنذاك يدور على تخوم الفكر والسياسة، وكان إطار "الوطن" يتَّسِع للجميع قبل أن تداهمنا الولاءات الفرعيّة، والعنتريّات القبليّة.
كان يُمكِن للجامعة أن تستوعب حماسة الطلبة وطاقاتهم من خلال العمل الطلابيّ المُنتظِم، لا من خلال المُقرَّرات التي تُسقَط بالباراشوت من الإدارات المعزولة اصلًا عن الطلبة."١
الخُلاصة: إنَّ الفزعات العشائرية والمناطقية تشكِّل تحدِّيًا حقيقيًا في الجامعات، حيث تؤثر على التعاون والتَّسامح والعدالة. لذا، يجب على الجامعات والطُلاب والقادة الجامعيين العمل معًا لمُكافحة هذه الظاهرة، وبناء بيئة تعليميّة شاملة ومُتساوية، وكلّ ذلكَ، لن يكون إلّا من خلال التوعية ودعم التنوّع، وتشجيع المُشاركة الطلابية، وبالتالي، سيكون بإمكاننا تحقيق تغييرٍ إيجابي، وبناء جامعاتٍ أكثر تسامُحًا وتقدُّمًا، لا نسمَع ولا نرى فيها لا مُنبازات عشائريّة ولا مُناكفات مناطقيّة.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |