|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عزالدين معزة
2023 / 5 / 8
أحيت مدينة جيجل الذكرى 41 لاغتيال المجاهد الرمز محمد الصديق بن يحيى تحت الرعاية السامية لوالي ولاية جيجل ومديرية المجاهدين وذوي الحقوق لولاية جيجل وبحضور السلطات المدنية والعسكرية والأمنية وعدد كبير من مجاهدي الولاية الثانية التاريخية والمنتخبين وعائلة الشهيد المغتال وعدد من المواطنين ، وذلك بالتنسيق مع جامعة جيجل التي تحمل اسم الشهيد محمد الصديق بن يحيى ، مرت واحد و اربعون سنة على اغتيال رجل الدولة والديبلوماسي المحنك محمد الصديق بن يحيى ، الذي كان في مهمة انسانية نبيلة من اجل انهاء الحرب العراقية ـ الايرانية، لا يزال رجل الدبلوماسية الجزائرية الشهير حياً في أذهان الناس. على المستوى الوطني وخاصة في جيجل، ذلك الرجل الهادئ الحكيم المتواضع المحبوب بين كل ابناء جيجل، كان مثالا للنزاهة والاستقامة والالتزام، لم يعرف عنه النهب والاحتيال واستغلال المنصب لأغراض شخصية او عائلية ، كانت له نظرة عميقة لمفهوم الدولة ـ الأمة أي دولة المؤسسات والقانون وخبرة واسعة عن العلاقات الديبلوماسية الدولية، كان من المجاهدين المناضلين ضد الاستعمار والامبريالية العالمية، ومن الطلبة الاوائل الذين التحقوا بالحركة الوطنية والحركة الطلابية ومن أحد قادة اضراب الطلبة يوم 19 ماي 1956 وعضوا نشطا بارزا قائدا في الاتحاد الوطني للطلبة المسلمين الجزائريين لا يكل ولا يمل من اجل القضية الوطنية
قد ترك محمد الصديق بن يحي المولود يوم 30 جانفي 1932 بجيجل هذا “الرجل المميز“وصاحب المسيرة النزيهة مثلما يصفه رفيقه في النضال رضا مالك، من خلال شجاعته وروح التضحية، بصمته في تاريخ الحركة الوطنية وتاريخ الجزائر المناضلة والمستقلة.
قد لعبت الديبلوماسية الجزائرية خلال الثورة التحريرية دورا أساسيا إلى جانب الكفاح المسلح في مواجهة ديبلوماسية فرنسا الاستعمارية، وكان محمد الصديق بن يحي مع ثلة من زملائه الديبلوماسيين الجزائريين من أمثال محمد لمين دباغين ، محمد يزيد، عبد الحميد مهري ، كريم بلقاسم و سعد دحلب، حيث قامت ديبلوماسية الثورة الجزائرية بمجهود عظيم على المستوى الدولي من اجل دعم القضية الجزائرية معنويا وماديا، إن الحيادية التي امتازت بها ديبلوماسية جبهة التحرير الوطني، أكسبتها الكثير من الاحترام والتقدير ، وهو الشيء الذي جعل القائمين على هذه الدبلوماسية محل ثقة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية .
وقد بينت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، مدى حنكتها السياسية قدرتها على إدارة الملف الدبلوماسي بنجاح كبير، ونستشف ذلك من أول بيان لها، حيث جاء فيه: ” إنها ستستقبل بارتياح بالغ كل مسعى دولي يرمي إلى تنفيذ النصوص الإنسانية لاتفاقيات جنيف، بخصوص الحرب في الجزائر، وسيكون بمقدور هذه الحكومة عقد وإبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية.
واستطاعت الديبلوماسية الجزائرية ان تحاصر الديبلوماسية الفرنسية التي سعت منذ اندلاع الثورة التحريرية إلى اقناع العالم بأمرين اثنين هما:
1 ـ أن ما يجري في الجزائر هو شأن داخلي فرنسي.
2 ـ أن من يقوم بتلك الاعمال الاجرامية في الجزائر هم مجموعة خارجة عن القانون
كما سعت جبهة التحرير أن تكون فلسفتها الدبلوماسية مؤسسة على أساس الصدق والمصداقية قولا وفعلا، وهو ما تؤكده تصرفات مختلف قيادات الثورة ومدى التزامهم بالوعود المقطوعة مع الحلفاء ومع الاعداء على حد سواء، هذه المصداقية اكتسبتها جبهة التحرير الوطني من خلال اختيار اذكى أعضائها واكثرهم حكمة وذكاء وحنكة وديبلوماسية كعدم التسرع في إصدار الاحكام والقرارات وإخضاع ذلك أولا وأخيرا إلى ضرورة معرفة المعطيات والحقائق
فقد عرف عن الصديق بن يحيى بذكائه وتكتمه الشديد وحذقه في المفاوضات وقدرته على تسيير إدارة القضايا المعقدة. في محادثات “مولان” سنة 1960، ومفاوضات ايفيان، وفي الجلسات العاصفة التي مر بها المجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، ودوره في كل مناصب المسؤولية التي تبوأها بعد الاستقلال “الإعلام والثقافة، التعليم العالي، المالية، الخارجية”،
بعد واحد واربعين عامًا من اغتياله، لا يزال الرجل محبوبًا في جيجل وكل سنة تحيي مدينته ذكرى استشهاده.
محمد الصديقي بن يحيى، دبلوماسي محنك ساعد في حل العديد من شؤون الدولة بالطرق السلمية، سواء في الجزائر أو في جميع أنحاء العالم.
كان بمثابة مرجع في العمل الديبلوماسي خلال فترة الثورة التحريرية ومرحلة الاستقلال
كان لهذا الرجل خبرة واسعة في المفاوضات والدبلوماسية. علاوة على ذلك، حتى المستعمر الفرنسي كان قلقًا عندما رأى أن محمد الصديق بن يحيى سيشارك في المفاوضات التي جاءت بعد مفاوضات مولان في جوان 1960، “قال رضا مالك، عنه: “ذكر الجنرال شارل ديغول مرارًا ذكاءه ومبادئه القيّمة”
يتقاطع مسار بن يحيى عدة مرات مع مسار فرحات عباس، وهو أيضًا من مواليد جيجل (الطاهير). لا يمكن التهرب من بصمته في تقريب و تدريب الشاب محمد الصديق بن يحيى، حيث اختاره أمينا عاما للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في جانفي 1960، وكانت كل ملفات الثورة تمر على يده ،قبل إرساله إلى مولان بفرنسا في جوان 1960 كمتحدث باسم ” الحكومة المؤقتة ” وقد مثل جبهة التحرير الوطني في القاهرة ، الأمم المتحدة (1957) ، أكرا (1958) ، مونروفيا (1959) ، إندونيسيا ، لندن وأماكن أخرى.
في 21 جوان 1960، وافقت الحكومة المؤقتة على إرسال ثلاثة مبعوثين، محمد الصديق بن يحيى، حكيمي بن عمار، أحمد بومنجل المحامي ، الذي كان مناضلا في حزب فرحات عباس قبل انضمامه لجبهة التحرير الوطني للقاء في مولان الجنرال روبرت دي جاستين (ضابط سلاح الفرسان) ، العقيد ماثون و روجي موريس (المراقب المدني السابق في المغرب) اللذان يجب عليهما التحضير لمحادثات مستقبلية بين فرحات عباس والجنرال ديغول . لكن الوفد يدعو إلى لقاءات على المستوى الأكثر رسمية، لقاء مع سجناء الخمسة ب: إيكس ، ولا سيما أحمد بن بلة ،
شارك محمد الصديق بن يحيى، في مفاوضات ايفيان الاولى والثانية. يصفه الصحفي الفرنسي «ألبرت بول لينتين ” Albert-Paul Lentin” الذي تابع مفاوضات إيفيان عن كثب، على النحو التالي: “يتميز هذا الثعلب الصغير حاد العينين وذكي ليس فقط بالبراعة الماكرة، بل بالإرادة الحديدية. يتقدم بكفاءة ودهاء، على الرغم من تدهور صحته، ويمهد طريقه بأي ثمن من أجل استقلال الجزائر ووحدتها الجغرافية الكاملة “.
وسيشغل بن يحيى، أول منصب وزاري له في الجزائر المستقلة على رأس الإعلام والثقافة. في هذا المنصب، تدين له الجزائر، على وجه الخصوص، بالنجاح الباهر للمهرجان الإفريقي الأول والأخير للثقافة والشباب الذي شهد شوارع الجزائر العاصمة تتأرجح على إيقاعات ميريام ما كيبا وهي تغني “إفريقيا” في عام 1969. في التعليم العالي، كان مهندس الإصلاح ودمقرطة القطاع بشكل ملحوظ، قبل أن يعمل على اتحاد المنظمات الطلابية.
لاحقًا، يرتبط اسمه ارتباطًا وثيقًا بصياغة الميثاق الوطني والمرسوم الذي يحمل الثورة الزراعية ، وهما نصان تأسيسيان لـ “اشتراكية محددة” معنية بالتوفيق بين البعد الاجتماعي للدولة الذي طرحه مؤتمر الصومام وهوية وطنية مبنية على الإسلام ودين الشعب والدولة.
اغتيل يوم الاثنين 3 ماي 1982، مساء، بصاروخ روسي الصنع ضرب طائرته غرومان 2 ج Grumman G 2 مع الحدود التركية ـ الإيرانية على بعد 130 كلم من الأراضي العراقية وكان معه 8 من الموظفين الساميين في وزارة الخارجية و4 من طاقم الطائرة
خبر انفجار الطائرة اذاعته إيران صباح يوم الثلاثاء 4 ماي 1982 من طرف ” على ولايتي “وزير الشؤون الخارجية الإيراني، الذي صرح بما يلي: ان ذلك الفعل الاجرامي صادر من النظام البعثي العراقي “
وفي صبيحة يوم الثلاثاء صرحت أنقرة، أن طائرة إيرانية نفاثة تحطمت بالقرب من انفجار طائرة محمد الصديق بن يحيى، بعد قتال مع مقاتلتين عراقيتين.
وعبر الرئيس الشاذلي بن جديد، عن “عميق حزنه ” لدى سماعه نبأ الحادث، وتعهد بإرسال لجنة تحقيق إلى عين المكان وكشف الحقيقة، شكلت لجنة تحقيق يرأسها آنذاك المجاهد صالح قوجيل، انتقلت إلى موقع الحادث، وعثرت على بقايا صاروخ جو-جو استخدم في ضرب الطائرة، وبعد البحث تبين أن هذا الصاروخ من ضمن طلبية سلاح روسي تسلمتها العراق، غير أن العديد من المصادر اختلفت في تفسير هذا الحادث، هل كان قصفا متعمدا من أجل إبقاء الحرب بين إيران والعراق؟، أو وقع بالخطأ باعتبار أن الأجواء التي كانت مخيمة على المنطقة هي أجواء حرب، تساؤلات عديدة راح ضحيتها بن يحيى
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة
هل كشف الرئيس الشاذلي بن جديد عن الحقائق التي توصل إليها التحقيق كما سبق أن وعد الشعب؟
حيث تعهد أمام أعضاء اللجنة المركزية للحزب بكشف حقيقة اغتيال محمد الصديق بن يحيى للشعب الجزائري، ولكنه لم يفعل.
حتى بشير بومعزة ، الذي كانت له صداقة مع نظام صدام ونفوره من الملالي ، يعترف بـ “المتاعب” و “الشك”. في طارق عزيز، الدبلوماسي العراقي وغيابه عن جنازة بن يحيى! قال له طارق عزيز في ذلك الوقت: ” أفهم أسئلتك أن كلامي لم يقنعك تمامًا”. ويختتم بشير بومعزة روايته عن المقابلة مع المسؤول العراقي بملاحظات مريرة إلى حد ما: “حتى لو نجحت بغداد في إقناع الحكومة الجزائرية بحسن نيتها، فلا يزال يتعين عليها تبديد القلق الذي يشعر به الجمهور، حتى في العراق، بعد المأساة المزدوجة، اختفاء فريق كامل من الوسطاء ومعهم اختفاء آمال السلام التي أثارتها رحلتهم “. لا يزال طالب الإبراهيمي، خليفة بن يحيى في الشؤون الخارجية، والذي تولى التحقيق في ظروف الحادث، مندهشا حتى اليوم من برودة ردود فعل صدام على مجموعة الأدلة التي جمعها المحققون الجزائريون. طارق عزيز نفسه. اتهم إيران، ويستند إلى الادعاء بأن الصاروخ السوفيتي، الذي عثر على قطع منه مع حطام الطائرة المدمرة، قد منحته ليبيا أيضًا للإيرانيين.
أولئك الذين يستحضرون كذلك التورط السوري يشيرون إلى أن لدى دمشق مصلحة في تأجيج الحرب ورؤية جارتها تغرق فيها، لكن لا توجد حقيقة مادية تدعم تأكيداتهم. لا يزال الطرف الإسرائيلي قائما. وهي تستند إلى ثلاثة أدلة:
أولاً، المساعدة اللوجستية والفنية التي تقدمها إسرائيل لإيران، لا سيما في قطاعي الطيران والصواريخ المتطورة،
ثانياً، اغتيال وسيط آخر في عام 1948، «الكونت فولك برنادوت “وهو ديبلوماسي سويدي،أثارت اقتراحاته في عملية السلم حفيظة الجانب اليهودي في تلك الفترة إذ عارض ضم بعض الأراضي وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية،نفذت عملية الاغتيال الفلسطينية إلى الدولة اليهودية المقترحة في قرار التقسيم الذي صدر في 29 نوفمبر 1947 كما اقترح في 17 سبتمبر 1948 في القطاع الغربي لمدينة القدس
وثالثاً، معارضة تل أبيب،لأي سلام من شأنه أن يسمح للعراق بإعادة بناء إمكاناته الاقتصادية والعسكرية.
في انتظار أن يكشف التاريخ عن أسراره.
سقطت طائرته قرب باماكو يوم 30 ماي 1981بمالي، وكان رجال الإنقاذ يظنون انه توفي، ولكن بعد أن استمر عملهم لمدة 20 ساعة كاملة للوصول إليه وجدوه حيا، وتعرض محمد الصديق بن يحيى الى كسر مزدوج في عظم الفخذ، وتم نقله العلاج في باريس في مستشفى كوشين.
عاد إلى الجزائر العاصمة يوم 29 اوث، استغرقت فترة نقاهته عدة أشهر قبل أن يتمكن من استئناف نشاطه الديبلوماسي، وظل يعاني من آلام حادة في ظهره.
كان رئيس الدبلوماسية الجزائرية، الذي خلف السيد عبد العزيز بوتفليقة عام 1979، شخصية محنكة. سريع البديهة، كان مع ذلك شديد السرية ودقيقًا ولكنه حازم، ومهذب، وكان لديه إرادة صلبة.
في مايو/ أيار 1982، تحطمت طائرة رئاسية جزائرية كانت تقل وزير الخارجية الجزائري، محمد الصديق بن يحيى، والوفد المرافق له وبعثة صحافية، عندما كانت في الأجواء بين العراق وتركيا في مهمة سلام بين العراق وإيران لوقف الحرب التي كانت قد اندلعت بين البلدين في 1980، وكشفت التحقيقات أن صاروخاً عراقياً أصاب الطائرة. وعادت قضية اغتيال الصديق بن يحيى إلى واجهة الاهتمام في الجزائر، بعد نشر وزير الدفاع الجزائري السابق، الجنرال المتقاعد خالد نزار، للجزء الثاني من مذكراته التي ستصدر في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل خلال معرض الكتاب الدولي في الجزائر، والتي يتهم فيها صراحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بالوقوف وراء تحطم طائرة الصديق بن يحيى الذي كان يقوم بمهمة سلام ووساطة بين بغداد وطهران لوقف الحرب الدائرة بينهما، ودفع الطرفين للعودة إلى اتفاق الجزائر.
وأكد نزار أن "الرئيس العراقي صدام حسين أمر، في مايو 1982، بقصف الطائرة الرئاسية التي كانت تقل وزير الخارجية الجزائري والطاقم المرافق له من وزارة الخارجية، إضافة لصحافي وأربعة من طاقم الطائرة". وقال "صدام حسين هو من أعطى الأوامر بقصف الطائرة غرومان غولفستريت 2 الرئاسية التي كانت تقل الصديق بن يحيى والوفد المرافق له في مهمة من أجل السلام في منطقة الخليج، مع ثمانية أعضاء من وزارة الخارجية وصحافي وأربعة من طاقم الطائرة". وأشار نزار إلى أن لجنة التحقيق الجزائرية، برئاسة وزير النقل الجزائري الأسبق صالح قوجيل، التي ذهبت بسرعة إلى موقع تحطم الطائرة، وجدت بقايا صاروخ بين الشظايا. وقال "وجد التقنيون بين بقايا الطائرة شظايا صاروخ جو ـ جو الذي أدى إلى تفجير الطائرة، والصاروخ يعود إلى شحنة من الصواريخ تم تصديرها إلى العراق من قبل السوفييت". وأكد نزار أن "الجزائر تملك الرقم التسلسلي للصاروخ".
ويعد بن يحيى من بين أبرز الشخصيات السياسية الجزائرية، حيث كان ضمن وفد جبهة التحرير الوطني المفاوض من أجل استقلال الجزائر، وعمل في وزرات الإعلام والتعليم العالي والمالية قبل أن يعين وزيراً للخارجية بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، خلفاً لوزير الخارجية حينها عبد العزيز بوتفليقة، ونجح في تحرير الرهائن الأميركيين الذين كانوا محتجزين في السفارة الأميركية في طهران عقب الثورة الإيرانية. وأكد نزار أن "بن يحيى مات من أجل السلام في خدمة الشعبين في العراق وإيران، ومات لأن الدكتاتور العراقي والخميني أرادا أن يستمرا في الاقتتال بينهما"، مشيراً إلى أن بن يحيى دفع ثمن الفكر البعثي المتحكم في العراق آنذاك، إذ كانت الوساطة الجزائرية مدعمة بملف وكانت تدار باقتدار وكانت لديها كل الفرص للنجاح. ووصف صدام حسين بأنه "ديكتاتور مصاب بجنون العظمة قاد الشعب العراقي نحو المأساة، إذ كنت أحس بالعراقيين مثل كل جزائري، لكن المشاعر شيء والمصالح، بما فيها مصالح بلدي، شيء آخر". وأكد قوجيل، الذي قاد لجنة التحقيق في مقتل بن يحيى والتقى صدام حسين في بغداد عقب الحادث، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن صدام حسين حاول إقناعه بعدم مسؤولية بغداد عن اغتيال بن يحيى، "لكنني واجهته بحقيقة أن هناك بقايا صاروخ كانت بين شظايا الطائرة المحطمة، وهذا يؤكد فرضية أنه تم استهدافها بصاروخ"، مشيراً إلى أن "الصاروخ كان روسي الصنع، والعراق هو الذي يملك هذا النوع من الصواريخ، ولذلك كان واضحاً أن العراقيين كانوا متورطين في حادث الاغتيال".
وبحسب مذكرات الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، التي لم يصدر جزؤها الثاني بعد، أكد كاتب المذكرات، الأستاذ عبد العزيز بوباكير، في حديثه عن موقف الشاذلي من الحادث وملابساته، بحسب ما أبلغه به بن جديد، أن "الوزير محمد الصديق بن يحيى كان من بين أهم الشخصيات المقربة من الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان قد تعرض في مايو 1980 لحادث، إذ سقطت طائرته قرب العاصمة المالية باماكو خلال سفره إلى فريتاون للمشاركة في اجتماع أفريقي، لكنه نجا بأعجوبة، وسافر للعلاج في الخارج. وكلف الرئيس بن يحيى بالشروع في وساطة بين البلدين، وإقناع صدام حسين بالعودة إلى اتفاق الجزائر 1975، على خلفية نجاحه في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في طهران، لكن حادثاً آخر كان بانتظار بن يحيى بعد حادث باماكو". ويذكر بوباكير، بحسب رواية الشاذلي، أنه "عشية الرابع من مايو 1982، أبلغ أن طائرة غرومان الرئاسية فقدت الاتصال مع برج المراقبة بعد تزودها بالوقود وإقلاعها من مطار لارنكا باتجاه طهران. وشكل الشاذلي خلية أزمة في رئاسة الجمهورية لمتابعة هذه القضية، وخيم الغموض على الحادث ـ اللغز، حيث طرحت كلّ الاحتمالات، من بينها احتمال تغيير الطائرة لمسارها من قبل أطراف ليس من مصلحتهم إيقاف الحرب، أو احتمال تعرضها لخلل تقني ونزولها في مطار آخر واحتمال عودتها إلى الجزائر. وقامت خلية الأزمة بالاتصال بالإيرانيين والأتراك والسوفييت والسوريين، لكن كل المعلومات التي استقتها منهم كانت شحيحة ومتضاربة، وتأكدوا بعدها أن الطائرة لم تصل إلى طهران وأنها ربما تحطمت على التراب الإيراني. وأفاد الإيرانيون بأنّ الطائرة تعرّضت لهجوم جوي من قبل طائرتين مجهولتين، بالإضافة إلى المعلومات التي وصلت إلى أعضاء الخلية والتي تشير إلى وجود طائرتين عراقيتين في الأجواء التي كانت طائرة بن يحيى فيها، ومعلومة أخرى مهمة هي أنّ (العقيد الليبي الراحل معمر) القذافي أوفد، عندما علم بالوساطة الجزائرية، إلى طهران عبد السلام جلود على متن طائرة من النوع نفسه (غرومان) لإفشال الوساطة. وأشار الشاذلي إلى أن السوريين أكدوا لهم أن طائرة من نوع غرومان حطت بالفعل في مطار دمشق".
وأضاف بوباكير "تم إرسال اللجنة، التي يرأسها صالح قوجيل، والمكونة من مدنيين وعسكريين إلى مكان الحادث لإجراء تحقيق ميداني، وجمع حطام الطائرة والصاروخ الذي أسقطها. واستطاعت اللجنة أن تحصل على رقم الصاروخ، وهو روسي الصنع. وبعد ذلك سافرت اللجنة إلى الاتحاد السوفييتي لمعرفة لمن تم بيعه، لكن السوفييت بدأوا يماطلون ووقعوا في حرج كبير. وطلب الشاذلي من أعضاء اللجنة أن يخبروا السوفييت بأنّ المسألة متعلقة بمستقبل علاقاتنا، إن كنتم أصدقاء سلموا لنا اسم البلد الذي بيع له الصاروخ، ونعدكم بأننا لن نذكر مصدر المعلومة، وإن رفضتم فإننا سنقطع العلاقات الدبلوماسية معكم. كانت مصالح الاتحاد السوفييتي كبيرة مع الجزائر فاضطروا في النهاية إلى إخبارنا بأنّ الصاروخ بيع للعراقيين، واتضح أن الصاروخ الذي أسقط طائرة بن يحيى عراقي". وأشار إلى أن "صدام حسين كعادته يراوغ ويسعى إلى التملّص من مسؤوليته رغم أنه كان يعرف أن الصاروخ الذي أسقط الطائرة عراقي، وذلك حتى لا يظهر في أعين الرأي العام العالميّ أنه يريد مواصلة الحرب في وقت كان يعتقد أن كفتها مالت إليه".
وذكر بوباكير أن الشاذلي بن جديد التقى بعد ذلك صدام حسين، وواجهه بالحقائق التي توصلت إليها لجنة التحقيق، وقال "أنتم من أسقط الطائرة وأنا أملك الدليل على ذلك، وأعرف أيضاً أنكم لم تكونوا تقصدون ذلك، كنتم تريدون إسقاط طائرة وزير الخارجية الليبي عبد السلام جلود، الذي كان يسعى بأمر من القذافي إلى التشويش على الوساطة الجزائرية. أطلب منكم فقط الاعتراف بذلك، والاعتراف فضيلة حتى في السياسة. أرجوكم ألّا تضعوني في حرج أمام الشعب الجزائري، لأني التزمت أمامه أن أكشف له الحقيقة"، مضيفاً أن صدام حسين طأطأ رأسه في إيماءة بإقراره بذلك. لم تُكشف كل أسرار وتفاصيل حادثة اغتيال وسيط السلام الجزائري بن يحيى، لكن توالي الاعترافات ومذكرات المسؤولين الجزائريين باتت تكشف بعض الحقائق التي فرضت توازنات الدولة والعلاقات الدولية أن تبقى طي الكتمان.
من خلال المعلومات الشحيحة عن اغتيال الشهيد الديبلوماسي الرمز، محمد الصديق بن يحيى ، يظهر أن أطرافا عديدة متورطة في عملية الاغتيال الجبان ، فلم تكن إسرائيل راضية عن وقف الحرب بين العراق وايران ، وكذلك دول الخليج التي جعلت من العراق سورا لمنع تصدير الخميني للثورة الإيرانية إليها ، خاصة وأن الشباب العربي المسلم كان مبهورا بالثورة الإيرانية نظرا لما كان يعانيه من فقر واستبداد ، وكذلك الولايات المتحدة الامريكية لم تكن من مصلحتها انهاء الحرب بين ايران والعراق ، وقضية إيران غيت ، كشفت عن خبث ومكرها ، فقد كانت تبيع السلاح للعراق كما تبيعه في نفس الوقت ل إيران ، سألوا الديبلوماسي الأمريكي كيسنجر عن الحرب العراقية ـ الإيرانية ، رد عليهم بقوله : " دعوا الأطفال يلعبون بالسلاح "
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه علينا وهو لماذا لم تطالب الجزائر بفتح تحقيق دولي في عملية قصف طائرة بن يحيى والوفد المرافق له، حيث كلنا نعلم أن قصف أو اسقاط طائرة مدنية تدخل ضمن إطار جرائم ضد الإنسانية.
عاش الشهيد محمد الصديق بن يحيى رجل الدولة والديبلوماسي المحنك، نظيفا نزيها لم يمد يده يوما للمال العام ولم يترك لا ثورة ولا عقارات، كان رحمه الله يحب الجزائر أكثر من حبه لنفسه ولعائلته واصحابه.
للمقال مراجع
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |