من ذاكرة التاريخ : فشل محاولة تقسيم العراق

محمد رضا عباس
2023 / 5 / 4

القتل الطائفي أصبح على أشده بعد تفجير مرقد الامامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء في شباط عام 2006. لقد حاول علماء السنة والشيعة من تهدئة غضب الشارع العراقي، ولكن لم يفلحوا. في هذه الاثناء قام مركز القيادة العسكرية للولايات المتحدة من وضع علامة " حمراء" على خانة العراق في إشارة الى ان العراق قد غادر اللون الأخضر (السلام) وأصبح في خانة الحرب والفوضى. كتب ريتشارد كوهين مقالا نشرته واشنطن بوست بعنوان حتميات القدر العراقي ، يقول ان قيام كل من الهند وباكستان الحديثة استوجب استئصال ما يربو على 12 مليون شخص من أوطانهم، وأن بنغلاديش ذاتها انسلخت عن باكستان.
ويتابع كوهين إن الدول تأتي وتذهب على مر التاريخ والعصور، وأنه آن الأوان، لكي يذهب العراق. ثم يلتفت إلى الخطة التي وضعها كل من السناتور Joseph R. Biden جوزيف بايدن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، وليزلي غيلب، المرشح للانتخابات الرئاسية الأميركية ورئيس مجلس العلاقات الخارجية، والتي تقضي هذه الخطة بتقسيم العراق إلى اتحاد فيدرالي مؤلف من ثلاث دول: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب.
النقاط المهمة في هذه الخطة كانت:
1. منح المكونات الرئيسية حق الحكم الذاتي ضمن مناطقهم بينما تتخصص الحكومة المركزية بحماية الحدود وتوزيع الثروات النفطية.
2. ضمان مشاركة المناطق السنية , والتي ليس لديها ثروة نفطية , حصة من الإيرادات النفطية , ودمج المعارضة الذين لم يحاربوا قوات المتعددة الجنسية.
3. زيادة مساعدات إعادة بناء العراق على شرط ان تتحمل دول الخليج العربية هذه المساعدات ومن خلال تأسيس برنامج لزيادة فرص العمل وحماية حقوق الأقلية.
4. مشاركة الدول العظمى ودول المنطقة لمساعدة العراق في حل مشاكله السياسية وانشاء مجموعة اتصال لتطبيق تعهدات المنطقة.
5. تبدأ المرحلة الأولى من انسحاب القوات الامريكية في عام 2007 ويتم سحب اغلبهم عام 2008 , مع بقاء مجموعة صغيرة للأغراض الأمنية.
الخطة لقبت بقرارBiden-Browback وقد صوت عليها في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 25 أيلول 2007 وقد مررت بعد ان ايدها 75 شيخا , حيث ايدها من الحزب الجمهوري 26 عضوا ورفضها 23 شيخا.
شكك الكثير من المهتمين بالشأن العراقي من هدف مشروع بايدن , واعتبروه ما هو الا مشروع قديم قادتها الدولة الصهيونية من اجل تقسيم دول الشرق الأوسط او سايكس -بيكو جديد , وما الإعلان عنه الان الا طريقة سهلة لتمرير المشروع في الكونغرس الأمريكي , بعد ان تعاظمت خسارة القوات الامريكية بالأموال والارواح في العراق , وخاصة ان السناتور هو احد كبار المناصرين للدولة العبرية , وان دعمها اصبحت البطاقة الخضراء في الولايات المتحدة الامريكية لكل من يريد ان يدخل الكونغرس الأمريكي او يريد الترشيح لقيادة الولايات المتحدة والذي كانت انظار بايدن تتشوق له . سناتور بايدن أراد من هذا المشروع هو سحب القوات الامريكية من العراق باقل الخسائر , الضغط على القيادة الامريكية , الجمهورية آنذاك , واعتبارها المسؤولة عن فشل استقرار العراق وفرض التقسيم كأمر واقع عليها بحجة استقراره , والأكثر من ذلك هو تحقيق حلم الكيان الصهيوني بتقسيم دول الشرق الأوسط , وبالأخص العراق, العدو اللدود والمخيف للكيان.
واعتبر القادة السياسيون العرب في العراق , ان مشروع بايدن البذرة الامريكية ليس فقط لتقسيم العراق وانما لتقسيم جميع دول الشرق الأوسط الى دول مشتتة , ضعيفة إرضاء لإسرائيل , خاصة وان المشروع وان كان غير ملزم للإدارة الامريكية ,الا ان له أنصار كلمتهم مسموعة عند الإدارة الامريكية يتقدمهم صوت هيلاري كلنتون وباراك أوباما ونواب جمهوريون بارزون مثل ريتشارد لوغار وجون ورنر , وجون سنونو.
ولهذا السبب جاء رفض مشروع بايدن سريعا وقويا , من المتحالفين و المتخاصمين السياسيين على حدا سواء . مجلس الوزراء العراقي رفض مشروع القرار الأمريكي , وأعرب عن رفضه لأي تدخل في شؤون العراق الداخلية, وان " الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي قد تبنى النظام الفيدرالي واليات تشكيله عبر استفتاءات ديمقراطية يشارك فيه العراقيون بطريقة حرة والتي ضمن الدستور تنفيذها عبر اليات الديمقراطية والانتخابات الحرة."
ورفض قرار المشروع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي , وثمن الموقف الحكومي والشعبي ومواقف المنظمات في رفض قرار التقسيم واكد ان الوقت قد حان مع انه تأخر جدا لان يعيد العراقيون النظر في حساباتهم ويحسموا امرهم ويصطفوا خلف مشروع وطني يكرس التوافق حول المشتركات الوطنية الجامعة والا فان هذا القرار سيكون هو خيارهم شاءوا ام ابوا.
واجمع ممثلو ثماني كتل نيابية على رفض مشروع قرار تقسيم العراق الى أقاليم أساسها طائفي وعرقي. جاء ذلك في مؤتمر عقده نواب عن الائتلاف الموحد وجبهة التوافق والكتلة الصدرية والقائمة العراقية والفضيلة والحوار الوطني والكتلة العربية المستقلة والجبهة التركمانية .
اما رئيس الكتلة الصدرية نصار الربيعي , فأشار الى اتفاق الكتل الموقعة على البيان في تعديل قانون الأقاليم الفيدرالية موضحا في ذلك " نضيف له فقرة بعدم تطبيق هذا القانون الا بعد خروج اخر جندي من ارض العراق". ورأى النائب عن الفضيلة باسم الشريف في هذا القرار مناسبة لتوحيد مواقف القوى العراقية ونبذ خلافاتها , في حين دعا النائب عن التوافق عبد الكريم السامرائي الى إيجاد مشروع وطني بديل عن مشروع التقسيم. وعد النائب عن الائتلاف فالح الفياض هذا القرار مهينا بحق العراقيين , وأضاف " مطلوب من القوى السياسية والفعاليات الشعبية ان تعبر عن رفضها لهذا المشروع الخطير , الذي يمثل حسب رأيي فشل وافلاس المشروع السياسي , وفشل وافلاس كل رؤية وطنية لمستقبل العراق". وقال القيادي في جبهة "التوافق" خلف العليان ان المشروع صاغته " يدا خبيثة داخل السلطة تعمل لمصلحة الأجنبي وتروج الفكرة لدى الأوساط الأميركية وتعمل على تكريس المشروع الأمريكي المعد للعراق سلفا". وأضاف في بيان صدر عن مكتبه , ان " المشروع استفز الأوساط العراقية كافة , و سنتوحد " رغم الخلافات" .
كان المرحب الوحيد لقرار مجلس الشيوخ الأمريكي هو قادة إقليم كردستان , حيث صرح متحدث رسمي باسم رئاسة الإقليم بان مشروع السيد بايدن كان " يتطابق مع ما جاء في الدستور العراقي " , وان الفيدرالية أصبحت " خيارا عراقيا ودستوريا بعد التصويت على الدستور العراقي من قبل أكثرية أبناء الشعب العراقي" , وعليه " فالفيدرالية قرار عراقي قبل ان تكون خيارا خارجيا, وهي تعبير دستوري لإعادة صياغة الدولة العراقية , وحل المشكلة العراقية وليس فقط حل القضية الكردستانية."
لم يتراجع السيد بادن عن مشروعه رسميا لا قبل ولا بعد انتخابه رئيس للإدارة الامريكية عام 2021, الا ان الإدارة الامريكية استلمت الرسالة من ان تقسيم العراق الى ثلاث مقاطعات خطا احمر لا يسمح به العرب , السنة والشيعة . وعلى ضوء ذلك جاء بيان السفارة الامريكية في بغداد يطمئن به الشارع العراقي من تقسيم البلاد , حيث جاء في البيان " ان السفارة تود ان توضح عن استمرار جدية سياسة الإدارة الامريكية في دعم عراق موحد ومستقر وامن" .واضاف البيان " ان هدف الولايات المتحدة الامريكية مازال ثابت , وهو عراق موحد وديمقراطي وعراق فيدرالي (اتحادي) يستطيع ان يحكم ويدافع عن نفسه". وشدد البيان " أي محاولة لتقسيم العراق بالقوة و باي وسيلة أخرى , الى ثلاث ولايات منفصلة سيولد عنه معاناة كبيرة جدا.. واراقة دماء."

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي