عقلانية الْمُعْتَزِلَةُ بين فشل الماضي و مقتضى الحاضر
إلياس شتواني
2023 / 4 / 18
الْمُعْتَزِلَةُ هي فرقةٌ اسلامية كلاميّةٌ ظهرت في أواخر العصر الأموي في مدينة البصرة وازدهرت في العصر العباسي. كان للمعتزلة دورً محوري على المستويين الفكري والسياسي. غلب على المعتزلة المنهج العقلي فاعتمدوا على العقل كمقاربة عقائدية وقدموه على النقل، ورفضوا الأحاديث، وقالوا بضرورة معرفة الله بالعقل، وأنه إذا تعارض النص مع العقل قدموا العقل لأنه الأصل، ولا يتقدم الفرع على الأصل، جاعلين العقل بذلك موجبٌا ومشرعا. من أشهر المعتزلة واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وإبراهيم النظام، وهشام بن عمرو الفوطي، والزمخشري صاحب تفسير الكشاف، والجاحظ، والخليفة المأمون، والقاضي عبد الجبار.
أهم الركائز التي تعتمد عليها المعتزلة هي الأصول الخمسة: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التوحيد
وحدانية الله أصل من أصول الدين، بل هو أول وأهم أصل قام عليه الإسلام. وهم في هذا السياق يعطون صورة لتنزيه مطلق لله، و يقرون بوحدانية بعيدة عن كل صور التجسيم والتشبيه. تثبت الْمُعْتَزِلَةُ الأسماء وسبعا من الصفات (العلم – القدرة – الإرادة – الحياة – السمع – البصر – الكلام).
العدل
تقاس أحكام الله على ما يقتضيه العقل والحكمة، وبناء على ذلك نفوا أموراً وأوجبوا أخرى، فنفوا أن يكون الله خالقاً أو مسؤولا عن أفعال عباده، وقالوا: إن العباد هم الخالقون لأفعال أنفسهم خيراً كان أو شراً.
المنزلة بين المنزلتين
هذا الأصل يعنى بحكم الفاسق في الدنيا. يعتقد المعتزلة أن الفاسق في الدنيا لا يسمى مؤمناً بأي حال من الأحوال، ولا يسمى كافراً أيضا، بل هو في منزلة بين هاتين المنزلتين، فإن تاب رجع إلى إيمانه، وإن مات مُصِراً على فسقه كان من المخلدين في عذاب النار.
الوعد والوعيد
المقصود به إنفاذ الوعيد في الآخرة على أصحاب الكبائر وأن الله لا يقبل فيهم شفاعة، ولا يخرج أحداً منهم من النار، فهم كفار خارجون عن الملة خالدون في النار، لكن يكون العقاب أخف من عقاب الكفار.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
هذا الأصل يوضح موقف المعتزلة من أصحاب الكبائر سواءً أكانوا حكاماً أم رعية. فهم يرون قتال أئمة الجور لمجرد فسقهم، ووجوب الخروج عليهم عند المقدرة.
هناك عقائد أخرى ميزت فكر المعتزلة. من تلك العقائد نذكر:
نفي قِدم صفاة الله
تنفي الْمُعْتَزِلَةُ صفات قديمة لله، لأنهم يروا أن إثبات الصفات القديمة لله هو إثبات لوجود قدماء مع الله، وهذا ينقض التوحيد ويؤدي إلى التجسيم والتشبيه، لذلك تنفي المعتزلة وجود صفات قديمة. أما عن علاقة الصفات بالذات، فالمعتزلة لا يرون انقساما حقيقياً للصفات عن الذات، فهي ليست شيئاً آخر سوى تعبيرا عن الذات.
الكلام الإلهي ومشكلة خلق القرآن
القرآن مخلوق وكلام الله مخلوق. أخضع الْمُعْتَزِلَةُ النصوص الدينية إلى القراءة العقلية. اعتبر المعتزلة أن القرآن يحوي نصوصا مختلفة ومتناقضة أحيانا، ففيها من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد و التشريعات و الإخبار، كما يجمع بين الجوانب الروحانية والدنيوية في نفس الوقت. إذا كان ليس من المعقول نسبة التناقض في القول إلى الله، يصبح من اللازم إذا اللجوء إلى العقل لتفسير ما ورد في القرآن، مما ينزع عنه الأبدية و القدسية في نصوصه، لأن «كلام الله محدث ومخلوق في محل، كما هو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه»، كما يؤكد المعتزلة. بالاضافة الى ذلك، تنفي المعتزلة صفة الإعجاز عنه، وهو ما قوبل بوصفه مساّ بمقدسات أجمع عليها المسلمون. في هذا الجانب، كما في خلق القرآن، كان المعتزلة حريصون على منهجهم العقلاني في النظر إلى النص الديني، برفض كل ما لا يقبله العقل مهما كان مقدسا.
لقد تم تكفير الْمُعْتَزِلَةُ فيما مضى و طمس أفكارهم، لكن يبقى الأمل دائما في قراءة جديدة و تنويرية للنص الديني، قراءة بعيدة كل البعد عن الطابع العنيف، الخرافي، و المتناقض الذي لا يزال عالقا فيه الدين الاسلامي. كلنا أمل...
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات
المنشورة لا تعبر
عن رأي المركز وإنما
تعبر عن رأي أصحابها
|
1 - المعتزلة والمرجئة مدرستا علم الكلام الرائدتان
|
العدد: 862513
|
منير كريم
|
2023 / 4 / 18 - 12:26
|
شكرا للاستاذ الياس شتواني مقال مركز مفيد جدا عن احدى اهم مدارس علم الكلام في تراثنا اود ان اضيف ان تقييد صفات الله المطلقة عند العتزلة قد فتح المجال امام حرية الانسان في الاختيار وكذلك استقلالية قوانين الطبيعة عن القدرات الغيبية المدرسة الاخرى التي لاتذكر عادة هي المرجئة وفيها ارجاء الثواب والعقاب الى الاخرة مما ينقض فكرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة الحكم الديني فتفتح المرجئة المجال امام حكم زمني لاديني حاربت السلفية والاشعرية (مدرسة الاصوليين) المعتزلة والمرجئة انتصارا للحكم الديني السلطوي اما الان فلا مجال للعودة للماضي ويحل التنوير محل ذلك والتنوير في المنطقة العربية يعني العلمانية والحرية والاندماج بالحضارة الحديثة شكرا لك ثانية
29
|
2 - المعتزلة حركة علمانية بكل المقاييس
|
العدد: 862520
|
د. لبيب سلطان
|
2023 / 4 / 18 - 22:13
|
الاستاذ الياس والاستاذ منير اني اصنف المعتزلة اول مدرسةعلمانية حتى ربما تاريخيا و( وليس فقط عربيا) واليكم الاسباب اولا اي مدرسة تأخذ بالعقل وتضعه فوق النص ( دينيا او وضعيا) هي مدرسة علمانية التوجه ثانيا انها ماثلت في نشأتها تماما المدرسة العلمانية الاوربية التي طالبت بتحرير العقل من المقولة الدينية ( وهي ماجاء في الكتب المقدسة وما اتى به الكهنوت ) وامام المعتزلة ايضا كتابا مقدسا وكهنوت ومنه بدأت المدرستان في الردعلى الكهنوت والسلفية النصية ووضع العقل فوقهما ومنه بدأ كل شيئلاحقا كنتيجة لهما سواءفصل العلوم عن الدين او حتى الدولة عن الدين فهذه نتائج للمنهج للعقلي العلماني وليست اسسه كما يفهم ربما اليوم فكل شيئ بدأ من وضع العقل فوق النصوص المقدسة ربما يشار ان الفلسفة اليونانية كانت السباقة ولكنها لم تواجه نصوصا مقدسة مدونة بدقةكما في الكتب المقدسة ومنا اتت اطروحاتها عقليةعامة وابداع عقلي نظري صرف بينماواجه المعتزلةكتابا الهيامقدسا وحكم ودولة تقوم عليه اي هناك مواجهةعملية بينهماويكفيانها تجرأت بازالةالقدسيةعنه انها ثورةعظمى تماما كالعلمانية الاوربية مع التقدير
28
|
3 - علم الكلام والفلسفة / الدين والدولة
|
العدد: 862531
|
منير كريم
|
2023 / 4 / 19 - 09:55
|
الدكتور العزيز لبيب علم الكلام يقع ضمن الدين اما الفلسفة فهي فوق الدين وتدرس الدين كظاهرة المعتزلة احدى مدارس علم الكلام ومدارس علم الكلام تختلف بعضها عن البعض الاخر في قضية تاويل النص الديني وهذا الاختلاف كما يلي التاويل العقلي (المعتزلة) التاويل اللغوي (الاشاعرة-اهل السنة) التاويل الباطني ( فرق الشيعة باستثناء الزيدية) لا تاويل -ظاهر النص (السلفية) من شان الفكر المعتزلي ان يؤدي الى اصلاح جذري في الدين ويقرب المسافة للدولة العلمانية العلمانية قائمة على الفلسفة والسياسية وتعنى في تحويل الدولة لدولة علمانية محايدة دينيا والدين شان شخصي فقط اي ان علم الكلام لايكفي لاقامة العلمانية شكرا
23
|
4 - لماذا يمكن اعتبار المعتزلة منهجا علمانيا-1
|
العدد: 862535
|
د. لبيب سلطان
|
2023 / 4 / 19 - 13:35
|
عزيزي استاذ منير انا انظر للفكرة الاساس للعلمانية انها تقوم على تحرير العقل من قيد النص الديني للنظر في مسائل الحكم والمجتمع ، ومنه استنتجت ان المعتزلة علمانيون، اما انهم مدرسة كلامية، اي انهم اقتصروا على تأويل النص عقليا فهي على ما اعتقد كانت مسألة ظرفية، بمعنى انهم ان ارادوا دحض النص الديني عقليا كخطوة اولى ( ومن هنا ربما تم اعتبارهم مدرسة كلامية كما تشيرون ) ولكني اربط لو استمروا بمنهجهم هذا فستكون الخطوة القادمة هي طرح نموذج عقلي بديل يؤدي لفصل الحكم عن الدين اطلاقا اي اقامة الدولة العلمانية ومنه اقيم منهحهم علمانيا رغم انهم لم يتمكنوا من طرحه علنا، وكما نعرف توقفوا عند منتصف الطريق ،خصوصا بعد وفاة المأمون حيث بدأ تحريض الاشاعرة والسلفية عليهم عند المتوكل والواثق باتهامهم المعتزلة امام الخلفاء ان منهجهم سيسلخ الدولة عن الدين اي تقويض الحكم وقلبه ومنه قاما بتصفيتهم . ان مقولتهم التي اسميها بعد منتصف الطريق عندما طرحوا بكل جرأة ان النص الذي يخالف العقل غير ملزم ، وهذه ثورة حقيقة كانت ستؤدي بالضرورة للخطوة التالية باحقية العقل بطرح فصل الحكم عن الدين ..واذ لم يكملوا المسار
29
|
5 - لماذا تعتبرالمعتزلة منهجا علمانيا-2
|
العدد: 862536
|
د. لبيب سلطان
|
2023 / 4 / 19 - 14:09
|
اسف استاذ لم يتسع لي ان اكمل في تعليقي الاول اتابع انهم رغم عدم طرحهم لفصل الحكم عن الدين علانية ، كما تم طرحه في اوربا على يد لوك نهاية القرن 17 وبشكل اكثر وضوحا على يد فولتير منتصف القرن 18 ، ولكن حتى اليوم هل يتمكن أي عربي ان يطرح ان نصوص القرأن غير ملزمة (اي انها غير مقدسة) كما قال بها المعتزلة ،فهذه كانت الخطوة الاولى ومنها لامكن للوصول الى فصل الحكم او الدولة عن الدين، انا اجد ان طريقهم ومنهجهم كان علمانيا ولوصلوا الى ماطرحه لوك وفولتير لو لم تتم تصفيتهم بتهمة الزندقة كذلك اجد ان تصنيفهم مدرسة كلامية، وهو صحيح تماما كما اشرتم، لايعرفهم بشكل كامل وفق مصطلحاتنا المعاصرة ومنها العلمانية فهم عمليا ينتمون لهذا المنهج الذي حدد مهامه في علاقة الدولة بالعقائد ، واذ انهم تناولوا مسائل خارج حدود بحث هذا المنهج ،وتناولوا النصوص الدينية بالفهم والتقييم العقلي، فهو كما ارى لايجب ان يقف حاجزا على تصنيفهم علمانيين لانهم بازالتهم النص سيتوصلون لطروحاتها ..واعتقد ان ماجرى في اوربا بدءا من سبينوزا الذي تجرأ على النص وانتهت للوصول الى العلمانية يشير الى نفس بدايات المعتزلة مع التقدير
27
|
6 - لبيب سلطان فقط متقدمي المعتزلة
|
العدد: 862870
|
احمد علي الجندي
|
2023 / 4 / 24 - 05:10
|
كلامك ينطبق فقط على متقدمي المعتزلة مثل الجاحظ وابراهيم النظام وثمامة بن الاشرس والعلاف اما المتاخرين فسواء الشيعة الزيدية المعتزلة الغارقين بخرافات الامامة والهدي المنتظر او القاضي عبد الجبار الذي سنن التشيع او الزمخشري الذي انتصر لخزعبلات السنة او البصري الذي وضع الفقه للمعتزلة وهو فقه سني الا حرفين لذلك مدجه ابن تيمية
طبعا كتب متقدمي المعتزلة معظمها ضائع باستثناء كتب الجاحظ والحقيقة ان الجاحظ كان له نظرة عميقة في بعض الامور البشرية حتى انك تجده ينتقد بل يستغرب احاديث قتل الكلاب ويستغرب ايضا احاديث قتل الوزع وعلى قولته ما ذنب الوزع بما فعله جده ابراهيم عليه السلام في رأي الطائفة الاسلامية الحقيقية هي الشيعة الاسماعيلية التي جعلت الشريعة الاسلامية وسيلة وليست غاية والذين نظروا الى ان الدين باطن روحاني وليس افعال ظاهرة بالضرورة اما الافعال الظاهرة فتبنوها في دولهم لان غالبيتها مسلمين سنة تحياتي
25
|
هل ترغب
بالتعليق على الموضوع
؟
|