العراق.. عشرون عاما على التغيير

محمد رضا عباس
2023 / 3 / 24

العراق بخير , ومن يقارن وضعه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الان مع دول في المنطقة والعالم قد رحمها الله بالأمن والأمان والازدهار الاقتصادي , فانه خطا يقارن فيه فاكهة البرتقال بفاكهة الرمان , كل واحد منها له شكل يختلف عن الاخر وكذلك في اللون والطعم والرائحة .
لم يستقبل كل العراقيين تغيير عام 2003 بالقبول والترحاب ووضع جميع مشاكلهم خلف ظهورهم والنظر الى المستقبل نظرة خير وتفاءل , وانما كانت هناك مجموعة مؤثرة منهم تريد ان يبقى العراق وقيادته على حاله بدون تغيير , وهكذا , فقد راهنوا ضد التاريخ الذي يقول كل شيء في طريقه الى التغيير ولو بعد حين . رفعوا السلاح ضد التغير بحجة طرد " المحتل " , وبما انهم قد اتفقوا على محاربة التغيير, ولكنهم اختلفوا بكل شيء , وفي خضم فوضى رفع السلاح ضد النظام الجديد والاختلافات بينهم , استطاع تنظيم القاعدة اختراقهم وقتل ما قتل من العراقيين مما اساء الى سمعة التنظيمات المسلحة الشريفة التي كان هدفها الحقيقي هو طرد الاحتلال , ورفضها من قبل الشارع العراقي , ومع استمرار فوضى السلاح , دخلت داعش العراق والذي كلفه مال لا يحصى وانفس عز علينا فراقها وهم بالألوف .
لم يبدئ الإرهاب ولم ينتهى بفترة قصيرة , وانما بدء من اول شهر من التغيير ووصل ذروته في يوم 14 حزيران 2014 و مازالت اثاره باقية حتى ساعة كتابة هذه السطور . في مثل هذه الظروف تنتعش النفوس المريضة و الضمائر الميتة , السراق والحرامية مثلما تنتعش الادغال في المياه الضحلة والغير نظيفة . فبتلى العراق بمرضين عصيين على الشفاء , الإرهاب والفساد المالي والإداري في دوائر الدولة العراقية . كيف تستطع تغيير دماغ من اقتنع ان عدد حور العين في الجنة يزداد بزيادة عدد ضحاياه من الأبرياء؟ وكيف تستطع الدولة العراقية تنظيف دوائرها من الحرامية والسراق واكلي المال الحرام والدولة بجميع مؤسساتها الأمنية والقضائية كانت منشغلة بملاحقة الإرهابيين؟ والمثل العراقي يقول بالمال و لا بالعيال.
حكومات بعد التغيير , وعلى الرغم من شوائبها الكثيرة واخطائها الجسيمة , انشغلت بحفظ أرواح العراقيين على حساب المال العام , وهكذا تركت السراق والحرامية يعبثون في إدارة الدولة العراقية , حتى اصبح المراجع يخرج من دوائر الدولة وهو يلعن التغيير وأبو التغيير , والكل سمع بسرقة القرن والبالغة 2.7 مليار دولار من دائرة التقاعد العامة اشترك في سرقتها كبار المسؤولين , ويبدو ان هؤلاء السراق من القوة والسطوة اسكتت حكومة السيد محمد سياع السوداني واصبحنا لا نسمع شيء عنها وكيفية استردادها ومعاقبة المسؤولين عن سرقتها .
مع كل هذا الضيم والقهر , كان التغيير مسؤول عن الكثير من التغيرات الإيجابية في حياة المواطن العراقي , واذا استتب الامن والاستقرار و تقلص الفساد فيه , فان للعراق مستقبل اقتصادي باهر . لنعدد بعض مكاسب التغيير للمواطن العراقي :
1. في يوم التغيير كانت حجم الطاقة الكهربائية لا تتجاوز 300 ميغاوات , الان حوالي 21.5 الف ميغاوات . انها لا تكفي حاجات العراق , ولكنها على الأقل سمحت للمحافظات الوسطى والجنوبية بأخذ حقها من هذه الطاقة بعد ان كانت ممنوعة عليها.
2. و يوم دخل الاحتلال العراق كان دخل المواطن العراقي السنوي ما يعادل 200 دولار , الافقر في العالم , اصبح الان حوالي 6000 دولار , وهو مبلغ يضع العراق في خانة الدول متوسطة الدخل . العراق , في هذا المجال , سوف لن يستطع منافسة دخل المواطن الاماراتي او القطري لسبب معروف هو ان هذه الدول من الدول ذات عدد سكاني صغير , إضافة الى انها من الدول المستقرة , ولم تشاهد انفجار 24 سيارة مفخخة في يوم واحد.
3. كانت البطالة قبل التغيير حوالي 50% وفي بعض القطاعات 70% , هذا اليوم تتراوح بين 15% و20% . النسبة ما زالت عالية , ولن تكون مقبولة حتى تصل 5%.
4. شاهد العراق اسوء موجة غلاء في تاريخ المنطقة قبل التغيير. ولمن يقرا هذه السطور من الشباب , نقول له كان سعر كيلو الطماطة 25 فلسا عام 1972 , وصل سعرها الى الفين دينار في اخر حكم حزب البعث . ما معنى الفين دينار ؟ لقد اشترى احد معارفي بيت في مدينة الحرية يتألف من ثلاث غرف بمبلغ 1000 دينار عام 1972. التضخم المالي في العراق الان مقبول , ولم يرهق جيب المواطن قبل ان يتلاعب بسعر صرف الدينار .
5. بقيت قيمة الدينار العراقي طيلة العشرين عام السابقة مستقرة , وهو انجاز عظيم مقارنة بالليرة التركية والليرة السورية واللبنانية والتومان الإيراني .
6. ما زال العراق يعاني من ركود في الإنتاج الزراعي والصناعي , قلة السكن , والبنى التحتية والفوقية , وهي ما تزيد من اعتماد العراق على استيراد ما يحتاجه من سلع وخدمات. مع هذا فان القطاعيين شاهدا بعض التعافي في الفترة الأخيرة و نرجو ان نشاهد الكثير من التشريعات من اجل تطورهما .
7. استمرار العراق الاعتماد على صادراته النفطية , ولا نعتقد ان هذا الاعتماد سيتراجع في المستقبل القريب , وعلى الحكومة العمل المثابر لتشجيع القطاع الخاص الداخلي والخارجي , مع اصدار تشريعات تحمي عماله وموظفيه من سوء المعاملة التي عانى منها عمال أوروبا في القرون الوسطى.
8. وللشباب المثقف , نقول له ان التغيير اسقط اعتى ديكتاتورية عرفتها المنطقة . هذه الديكتاتورية قضت على عبقرية المواطن العراقي , فمنهم من انكف في بيته خوفا من سوط الجلاد , واخرون هربوا بجلودهم الى بلاد الله العريضة , ولم يبقى حول الديكتاتور الا أولاده و بعض من أبناء عشيرته , ولكن استطاعوا ان يسكتوا العراقيين بقسوتهم المعهودة . مثرمة اللحم البشري التي عثر عليها في احد سجون النظام ما زالت شاهد على جرائمه.
9. الديمقراطية في العراق غير مكتملة لحد الان وفيها ثقوب كبيرة وصغيرة , ولكن هذه الديمقراطية أعطت الحق للمواطنين العراقي الذهاب الى مراكز الانتخابات مرة كل اربع سنوات لاختيار أعضاء مجلس البرلمان , رئيس الجمهورية, ورئيس الوزراء . بكلام اخر, النظام الجديد لا يسمح ان يعشعش رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية ثلاثين عام او اكثر.
10. و نقول لمن يضرب الصدور و يلطم الخدود حزنا على نظام ذهب وفق سياقات التاريخ , ارح نفسك , لا شيء يبقى الا وجه الله الكريم , وان يتعامل مع النظام الجديد بقلب سليم , لان منافعك التي استفدت منها كانت على حساب اوجاع العشرات من اخوانك العراقيين المستحقين لها , وما كثرة من حرم من حق كان مؤهل له.
لماذا انا متفائل بالتغيير ؟ لاني عشت العراق بكل اهاته ومعاناة اهله قريبا وبعيدا عنهم , وفي زيارتي الأخيرة له , شاهدت والحسود لا يسود , علائم الخير على وجوه العراقيين , سفرات الى كردستان العراق وتركيا وايران وأذربيجان , عمارات سكنية جميلة تباع الوحدة منها في ساعات , المطاعم بكل أنواعها , وكلها تعمل بكامل طاقتها , اما الرابح الكبير بعد التغيير , فهي المراءة العراقية , فلا خبز يخبز ولا حفاظات أطفال تغسل ثلاث مرات في اليوم , الخبز جاهز و الحفاظات متوفرة عند جيرانها العطار.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي