مشروع الفُلك حدوتة مصرية

فاطمة ناعوت
2023 / 3 / 19

مشروع "الفُلك"… حدوتة مصرية

f.naoot@hotmail.com

سفينةٌ عملاقة، تقفُ شامخةً على اليابسة في قرية إحدى قرى مصر الخضراء. لكن تلك السفينة ليست مجرد بناية أنيقة تُشرقُ بألوانها الزاهية وسط الأراضي الزراعية، بل هي حدوتة مصرية مدهشة، تنبضُ بالحب والمسؤولية والوطنية والعطاء، وتخفقُ جدرانُها مع خفق القلوب التي تُعمِّر جوفَ السفينة.
الحكاية الطيبة تتكرّر وتأخذ أشكالا جديدة مدهشة. أقباطُ مصرَ الوطنيون كالعادة لا يتوقفون عن تقديم مشروعاتِهم التنموية لصالح الخدمة المجتمعية في التعليم والصحة للنهوض بالوطن والمواطن المصري. أتكلمُ اليوم عن "مشروع الفُلك"، وهو مؤسسة خدمية رفيعة المستوى على مساحة ٦٠٠٠ م٢، لرعاية أبناء "متلازمة داون" شيدتها الكنيسةُ المصرية على أرض تملكها في قرية "إكوه الحصّة" التابعة لمركز "كفر الزيات" محافظة الغربية. بعد أيام نحتفل بعيد ميلادها الأول، حيث وضع حجرَ الأساس قبل أعوام نيافة الأنبا "بولا" مطران إيبارشية طنطا وتوابعها، وتم افتتاحها يوم ٢٩ مارس ٢٠٢٢، بحضور قداسة "البابا تواضروس"، ومفتي الجمهورية د. “شوقي علام"، ووزيرة التضامن د. “نيفين القباج"، ووزيرة الهجرة السابقة السفيرة د. “نبيلة مكرم"، ومحافظ الغربية ولفيف من كبار المسؤولين في الدولة.
أشرقت فكرةُ "الفُلك" في ذهن الأنبا "بولا" مع دموع أمٍّ كادحة مُسنّة وشكواها من عدم قدرتها على رعاية ابنها المصاب بمتلازمة "داون" بسبب مرضها ووهن الشيخوخة. فقرّر إنشاء ما يشبه "سفينة نوح" عليه السلام، التي استنقذ فيها من الهلاك زمرةَ الصالحين. وأشرقَ المشروعُ الخيريُّ الفاتحُ أبوابَه لأبناء مصر، مسلمين ومسيحيين، من متلازمة داون، تماشيًّا مع توجيهات الرئيس السيسي بالاهتمام "بذوي الهمم". والمشروع الطيبُ آخذٌ في النمو والانتشار في بقية محافظات مصر بإذن الله وبمساعدة الصالحين من أبناء الوطن.
من العسير أن أصف لكم في مقال، أو مقالات، ما شاهدتُه بالأمس في هذا المشروع من عظمة في البناء والتصميم وتوسُّل أحدث الأساليب التكنولوجية والتربوية في رعاية وعلاج وإعاشة أبناء "متلازمة داون" المصريين. شيءٌ يفوق الخيال! ولا يضاهي جمالَ التصميم المعماري الخارجي والداخلي إلا جمالُ البشر القائمين على المشروع من الراهبات الجميلات بوجوههن التي تطفرُ بالبشر والحنوّ، والمعلمات والمعلمين والأطباء والكوادر الفنية المتخصصة في تعليم الأولاد والبنات عن طريق الرسم والموسيقى ومنهج منتسوري التربوي، وتدريب الأولاد على تحمّل المسؤولية وبناء شخصياتهم المستقلّة. ففي الوقت الذي استُغرق في تشييد مباني المشروع، كان يجري تشييد الكوادر البشرية التي ستدير المشروع بإرسال القيادات إلى سويسرا وإيطاليا للوقوف على أحدث الطرق التربوية والعلاجية والنفسية في تأهيل ورعاية أبناء "داون سيندروم”. يقدم المشروعُ خدمة الإقامة الفندقية لأبناء داون ممن تزيد أعمارهم عن ١٨ عامًا؛ لعدم قدرة أهاليهم على رعايتهم، كما يقدم خدمة الإعاشة للمترددين على المشروع يوميًّا من الأطفال دون ال ١٨ عامًا. ويضم المشروعُ معهدًا لتدريب الكوادر، ويعقد لقاءً أسبوعيًّا مع أمهات أبناء داون لتوعيتهن بأساليب التعامل مع أبنائهن. المشروع مُجهّز بأحدث التقنيات لتأهيل "ذوي الهمم" من كافة النواحي النفسية والحركية والأكاديمية والحسية وتنمية المواهب، والتمرين الرياضي في صالة جيمنزيوم مجهزة، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الطبية المتكاملة عبر عيادات تخصصية: تخاطب، باطنة، أسنان، وعلاج طبيعي، لأن كثيرًا من الحالات تعاني من إعاقات حركية، بالإضافة إلى صيدلية داخلية وغرف عزل للمرضى في حالات الأمراض المُعدية، مع توافر خدمة تمريض عالية المستوى. ولم ينس القائمون على المشروع تشييد حديقة حيوان لطيفة تضمُّ مجموعة من الطيور الجميلة، طاووس، ببغاوات، طيور ملونة صادحة، تملأ أجواء المكان بموسيقى الطبيعة الرائعة. ويضمُّ مشروع "الفُلك" سكنًا فندقيًّا رفيع المستوى، وجار تشييد مبنى إضافي مخصص للسكن والإعاشة ويضم حمام سباحة وملاعب وورشًا إنتاجية وصُوب زراعية.
من العسير إيفاء هذا المشروع حقه في مقال؛ لذا أدعوكم لزيارة الموقع الإلكتروني وصفحة فيس بوك "مؤسسة الفلك" Alfolk Foundation لتفخروا به معي. تحية احترام لهذا المشروع الوطني المحترم الذي أنشأته "مطرانية طنطا" لرعاية أبناء مصر دون تمييز عقدي، وتقديم كافة الخدمات لأهاليهم "بالمجان". وننتظر بشغف تنفيذ حلمهم الجميل بإنشاء "الفلك٢٣٤" في القاهرة والإسكندرية وصعيد مصر، كما وعدنا نيافة "الأنبا بولا"، بأن يتوسّع مشروع "الفُلك" وتتفرّع أغصانُ الشجرة الوارفة لترعى أبناء طيف "التوحد" وغيرها من المتلازمات التي تصيب أبناءنا وتحتاج رعاية مؤسسية هائلة.
احترامي للأجلاء القائمين على مشروع "الفُلك" الخدمي المجاني، بقيادة القمّص "بافلوس"، وجميع الراهبات والمدربين والمعلمين الذين يصلون الليل بالنهار من أجل رعاية أبناء "داون”. والشكر والامتنان لنيافة الأنبا "بولا" الرجل الوطني الذي قدّم لمصر الكثير، ويقدم لنا اليوم سفينة النجاة. والشكر موصول للكنيسة المصرية الوطنية التي تؤكد طوال الوقت، بالفعل لا بالكلام، أن مصرَ وطنٌ عظيم يستحق أن يُبذل من أجله كلُّ غال. تحيا مصر.

***

بانوراما فنية بمناسبة الثامن من اذار - مارس يوم المرأة العالمي من اعمال وتصميم الفنانة نسرين شابا
حوار مع د. ميادة كيالي حول اوضاع المرأة في المنطقة العربية بمناسبة الثامن من مارس يوم المراة العالمي، اجر