|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد رضا عباس
2023 / 3 / 11
صدر مؤخرا قانون يمنع بيع واستيراد وتصنيع المشروبات الكحولية في العراق . القانون يعارض الفقرة ب و ج من المادة الثانية من الدستور العراقي التي تضمنت على عدم جواز سن أي قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية . يضاف الى ذلك ان العراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب بمنعى ان هناك سكان يعيشون في العراق تسمح لهم اعرافهم وتقاليدهم بتناول المشروبات الكحولية . بالحقيقة , ان العراقيون هو بلد الخمر , وربما اول قدح شرب منه في احد بيوت بابل . انه كان جزاء مهم من المراسيم الدينية في ذلك الزمان , ولم ينقطع هذا التقليد حتى عام 1980 , حيث ان شارع أبو ناس كان خير شاهد على ذلك . لقد كان البغداديون وضيوفهم يقضون ليلة الجمعة على ضفته وهم يحتسون المشروبات الكحولية وبعدها عشاء المسكوف المشهورة . ولا أذيع سرا ان قلت ان اكثر من 95% من زوار هذا الشارع كانوا من المسلمين , 5% الباقية هم من الاخوة المسيحيون الذين يقدمون المزة لزبائنهم .
لا انكر , ان تعاطي المسكرات محرما عند المسلمين , ليس فقط لتأثيراته السلبية على شخصية شاربها وعلى المجتمع وانما هناك العشرات من الامراض الخطرة مرتبطة بتناولها . ولكن اقحام الدولة في تحريم بيعها وصنعها واستيرادها وان كان في ظاهره محبب الى قلوب من يستنكر شربها , الا ان هناك جوانب سلبية وخطرة قد ينتج من تحريمها وعلى المشرع العراقي اخذ الدروس والعبر من دول أخرى حرمت تناول المشروبات الكحولية وفشلت و تعاني الكثير من قراراتها . لقد اخترت تجربة دولتين اسلاميتين منع فيهما شرب الكحول وهي دولة ايران الإسلامية والمملكة العربية السعودية وهي دولة أيضا تطبق الشريعة الإسلامية .
في ايران التي حرمت بيع وصنع واستيراد الخمور انتشر فيها انتاج المسكرات محليا , في بعض الحالات خارج سياق الصحة في انتاجه , حيث لقى حوالي 42 شخصا مصرعهم بعد تناول مشروبات كحولية فاسدة. وحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية , ايراج هاريوش, ان 16 شخصا أصيبوا بالعمى و 170 اخرين خضعوا لغسل الكلى بعد تناول الشراب الملوث عام 2018. وحسب ما جاء بوكالة الانباء الفرنسية , فان هناك ما يقارب 200 الف من المدمنين على الكحول , وحسب تقديرات وزارة الصحة الإيرانية يتم استهلاك ما لا يقل عن 420 مليون لتر من الكحول سنويا في هذا البلد. كما وان منع صنعها او استيرادها اجبر الكثير من الذين يشربونها صنعها محليا , حيث تقول امرأة في العشرين من عمرها " لا اشرب كثيرا , ربما مرة في الأسبوع , لكن عندي أصدقاء يشربون كل مساء . الكثير من الناس يصنعون المشروبات الكحولية ببيوتهم ..." وتأكد هذه المرأة ان هناك مواطنون يصنعون النبيذ والكونياك والبيرة والعرق في بيوتهم . ويقول مواطن إيراني اخر عمره أيضا 20 عاما " من السهل في طهران الحصول على المشروبات الكحولية الجيدة عن طريق العديد من الموزعين غير الشرعيين , واذا بحثنا عن الكحوليات , فلن يستغرق ذلك اكثر من اربع ساعات . واذا كنا نعرف شخصا يبيع الكحوليات فيكفي الاتصال به.." . هذا في ايران.
اما في المملكة العربية السعودية , فبالإضافة الى التهريب والصنع المحلي , فيمكن لمتعاطيها شرائها من موظفي السفارات الأجنبية , ولكن بأسعار عالية لا يمكن للمواطن الإيراني تحملها . يقول احد المتعاطين للمشروبات الكحولية " في المملكة السعودية يمكننا الاستعانة بموظف السلك الدبلوماسي التابعين للسفارت الأجنبية , فهم يتمتعون بحصانة . هم يجلبون الكحول معهم للاستهلاك الشخصي ثم يبيعون القارورات التي لم يشربوها بثمن خيالي". طريقة أخرى للسعوديين الذين يحبون قضاء ليلة حمراء , هو السفر الى مملكة البحرين التي توفر كل ما يحتاجه السائح من فرفشة , فتقول الوكالة الفرنسية " في البحرين , توجد شوارع بأكملها فيذهب اليها السعوديين للسكر في الحانات . كثيرون هم أولئك الذين يعيشون في الرياض و يقطعون 400 كم لفعل كل ما هو ممنوع في المملكة مثل تناول الكحول وتعاطي الجنس دون زواج" .
اذن منع شرب المسكرات قانونا , لا ينفع و لا يمنع من تناولها , فهناك طرق كثيرة للتحايل على صنعها و استيرادها وبيعها , وان القرار العراقي بمنعها سوف لن يكون احسن حظا من قرار السعودية وايران . المدمن على تناول المخدرات سوف لن يوقفه القانون وسوف يصنعها بنفسه , وهي عادة موجودة في مناطق عدة في العراق, ومن لا يعرف صنعها فهناك كوكل يعلمه خطوة بخطوة على كيفية صناعتها , خاصة وان التمر رخيص والعنب متوفر في الصيف , ولكن منعها سوف يضيف أعباء جديد على كاهل القوى الأمنية وعلى المراكز الصحية , والاقتصاد الوطني . في حالة منعها , فعلى الدولة , او وزارة الداخلية , إضافة فرق من شرطتها لمتابعة شاربي الخمر وهم كثيرون جدا ربما لا تكفي لهم جميع سجون العراق , وان استهلاك الخمور المصنعة محليا دون اشراف حكومي يعني عدم ضبط كميات الكحول في كل قنينة مما يعرض حياة شاربها الى خطر الموت , فيما ان الاقتصاد الوطني سوف يخسر دخل كبير (الضرائب )جراء عدم السماح بصنع او استيراد المخدرات .
نصيحتي الى الحكومة العراقية او الى من عمل على كتابة القانون ونجح في تمريره , هو ان يتبع استراتيجية منظمة الصحة العالمية لمحاربة التعاطي للمخدرات وهي عشرة قواعد ومن بينها تنظيم صناعة المشروبات الكحولية وكيفية بيعها , ومنها :
1. العمل، عند اللزوم، على إنشاء نظام للترخيص يحكم البيع بالتجزئة أو الاحتكارات الحكومية المنطلقة من اعتبارات الصحة العمومية.
2. تنظيم عدد ومواقع منافذ بيع الكحول العادية ومنافذ بيع الكحول بواسطة الاتصال عن بُعد؛
3. تنظيم أيام وساعات البيع بالتجزئة.
4. تنظيم أساليب بيع الكحول بالتجزئة.
5. تنظيم بيع الكحول بالتجزئة في أماكن معينة أو أثناء فعاليات معينة.
6. تحديد السن الدنيا الملائمة لشراء المشروبات الكحولية أو استهلاكها، وما إلى ذلك من السياسات، من أجل وضع عقبات أمام بيع المشروبات الكحولية للمراهقين وأمام استهلاك المراهقين لهذه المشروبات؛
7. اعتماد سياسات لمنع البيع للسكارى ولمن لم يبلغوا السن القانونية، والنظر في إدخال آليات لتحميل البائع والنادل مسؤوليتهما عن ذلك وفقاً للتشريعات الوطنية؛
8. وضع سياسات بخصوص شرب الكحول في الأماكن العامة أو أثناء أداء أنشطة ووظائف الوكالات العمومية الرسمية؛
9. اعتماد سياسات الغرض منها الحد والتخلص من توافر المشروبات الكحولية التي يتم إنتاجها وبيعها وتوزيعها بشكل غير مشروع وكذلك تنظيم أو مكافحة الكحول غير النظامي.