إصلاح ما لا يمكن إصلاحه- الإسلام

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2023 / 3 / 11

حين يَمْهُر صاحب السلطة بين عشية وضحاها بخاتمه مرسوماً يبيح الغناء والرقص والموسيقى وقيادة المرأة للسيارة والسير في الفضاء العام عارية الشعر، متطايراً في الهواء، مزدانة بأرقى ماركات الماكياج والأناقة العالمية، ماذا يعني ذلك؟ كل هذه القضايا وغيرها، وفقاً لادعاءاته نفسه، هي اختصاص حصري للدين الإسلامي ورجالاته ومؤسساته. لكنهم بعد نشر القرار الملكي في الصحيفة الرسمية ووضعه موضع التنفيذ لم تنطق شفاههم بكلمة، ولن ينطقوها. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن من يقرر الحرام أو الحلال، أو يُحل حراماً أو يحرم حلالاً ليس هو الدين، ولا المتحدثين باسمه على كثرتهم رغم ادعاءاتهم خلافاً لذلك. بل يعني أيضاً أن لا شيء هناك ذو كيان مستقل يسمى "الإسلام"، ذلك الذي يُتعب المفكرون العرب أنفسهم في جهود مخلصة لإصلاحه، اعتقاداً منهم في أن إصلاحه صلاح لحال ومقدرات الشعوب العربية البائسة. لكن، كيف تُصلح ما لا وجود له أصلاً؟

عفواً! كيف تدعي بعدم وجود شيء يملئ ويطغى على حياتنا كلها، من أدق التفاصيل إلى أعظمها، كالهواء نتنفسه والدم يجري في عروقنا؟!

سيدي! حتى لو كان الإسلام كذلك، وهو بالفعل كذلك، هذا لا يزال لا يعني وجوداً وكياناً للإسلام كدين. بل الإسلام ثقافة. وهناك اختلاف شاسع ما بين "الدين" من جهة، و"الثقافة" من الجهة الأخرى.

الدين هو تنظيم مؤسسي هرمي مثل معظم التنظيمات التي قد أنشأتها البشرية ولا تزال منذ القدم. وكان الدين كتنظيم مؤسسي هرمي موجود وفاعل في مصر منذ أيام الدولة الفرعونية، في علاقة نفعية تبادلية مع مؤسسات الحكم آنذاك. لكن يبقى من الشروط الجوهرية لكي يحتفظ الدين بكيانه المؤسسي المنظم، أن يحتفظ بمسافة أو درجة معقولة ما تفصله في تسيير شؤونه الخاصة عن مؤسسة الحكم، وأن تكون ولايته الدينية شاملة لكل المؤمنين برسالته، في توازي مماثل للولاية السياسية فوق رعاياها. من دون هذه الدرجة المعقولة من الاستقلالية الذاتية، ومن دون درجة معقولة من الولاية الروحية على المؤمنين به، لا يوجد دين، بل شيء آخر.

هذا الشيء الآخر هو الثقافة. يمكن تشبيه الثقافة بحق بالهواء الذي نتنفسه والدم الذي يجري في عروقنا، ولغتنا ولهجتنا ولون بشرتنا وطبائعنا وكل ما فينا. الثقافة هوية شاملة، مكوناتها عوامل البيئة والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والتاريخ وكل شيء آخر في حياة المرء والشعب؛ هي الهارد وير والسوفت وير معاً. ولأنها على هذا النحو من الشمول في المكان والزمان والشخوص، لا يمكن أبداً تنظيمها وتجسيدها في أي نوع من المؤسسة الفعلية. الثقافة أشبه بالكون الذي تعيش فيه كل الشعوب وتخلق منه أوطاناً وثقافات مختلفة ومتباينة، ويضم معنا مخلوقات لا تحصى وكواكب ونجوم ومجرات وأكثر بكثير؛ لكنه في حد ذاته لا يملك وجوداً مستقلاً عن مكوناته غير المنتهية تلك. بالمثل، يبقى الإسلام دائماً وأبداً فكرة ولبنة خام، تدخل في بناء كافة شخوص وكيانات ومؤسسات المجتمعات التي تدين به، لكنه نفسه لا يملك أي وجود ذاتي مستقل على الإطلاق.

في الحقيقة، هناك لا يزال في الإسلام ما يلبي شروط الدين كتنظيم مؤسسي متماسك: الإسلام الشيعي. هذه التنويعة الإسلامية وحدها هي التي يمكن أن نطلق عليها اسم دين بالمعنى المؤسسي، ومن ثم تقبل الإصلاح أو التغيير أو التطوير أو خلافه. لكن بالنسبة للإسلام السني، لا يوجد أصلاً دين بهذا المعنى، بل يوجد فكر ديني وثقافة دينية- والاثنان غير مجسدين في كيانات تتمتع بدرجة معقولة من الاستقلالية الذاتية والشمول الولائي على المؤمنين بما يكفل تحقيق الجدوى المبتغاة من جهود الإصلاح أو التطوير أو خلافه. لهذا، كل من يحاول التصدي للإسلام السني بجهود الإصلاح والتطوير هو في حقيقة الأمر كمن يناطح الريح ويضيع طاقته فيما لا طائل منه.

من ذلك، يمكن الادعاء بأن العالم العربي بحاجة إلى إصلاح "ثقافي"، لا ديني كما تعتقد بعض النخب، لعدم وجود هذا الدين أصلاً. ولأن الثقافة بطبيعتها أوسع وأشمل كثيراً من الدين، فإن هذا الإصلاح الثقافي يستلزم بالضرورة تغيير وتطوير البيئة المادية والفكرية- الهارد وير والسوفت وير- العربية بدرجة جوهرية، بدءاً من صيغة استغلال وتوزيع الموارد الطبيعية وصولاً إلى نظم الحكم وسن القوانين المنظمة لكافة أوجه حياة الإنسان العربي الفردية والجماعية. عندما يتحقق مثل هذا الإصلاح وينصلح حال الفرد العربي مادياً وفكرياً سينصلح حال الإسلام تلقائياً، لكون الإسلام مختبئ عميقاً في الهوية الثقافية العربية.

حوار مع فاطمة البلغيتي وعمر ازيكي - جمعية اطاك المغربية حول سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اجرت
حوار مع د. طلال الربيعي حول الطب النفسي واسباب الامراض النفسية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وتحليلها، اجرت