|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
مظهر محمد صالح
2023 / 3 / 10
عن فيلسوف فرنسا البنيوي Roland Barthes رولان بارت (1915-1980) في ترجمة لكتابه الموسوم ((المراوغ الضجر …)) وهو خلاصة حواراته عبر السنوات …والتي جسدها لنا بفكرة (المراوغ الضجر ) ولاسيما عبر نصه في الانتقال «من الكلام إلى الكتابة» .
اذ تناول رولان بارت (فخاً )اطلق عليه بـ( فخ النسخ ) ..! لافتًا فيه إلى :أننا عبر الكتابة نحمى أنفسنا ونلاحظها ونمارس الرقابة الذاتية بدقة وحذر ،ذلك بشطب حماقتنا وترددنا وجهلنا وتساهلنا، ويرى «بارت» أن الكلام يبقى أخطر من الكتابة لكونه يفقدك المراوغة.وكانها
(المراوغة الكتابية القسرية ).
فعندما تقمع القيود المجتمعية وغيرها حرية التفكير فتجد (المراوغة )في النص تجري على اوسع نطاقاتها بالتعديل والشطب لتحمي نفسك من الانزلاق في مخاطر الكلمة قبل النطق بها .
ففي حياتي المهنية واجهت وعلى المستوى الشخصي قبل عقود بعيدة مشاق عمل يومي مع مسؤول اداري ارتفعت منزلته فجأة و (علا كعبه )كما تقول العرب . اذ احاطت الرجل حينها عقدة الخوف من المطالعات الرسمية التي تقتضي نصوصها استخدام الحروف المشبهة بالفعل ( إن واخواتها) التي تستفزه كثيرا ويحذر بعنف من استخداماتها في النصوص الكتابية وبهوامش تحذيرية مريبة اذا ما تكرر الامر … !!!فقد ظل شقاء النفس حينها يراودني وانا في معركة كتابية مساحتها وميدانها مناورة معقدة لاستبدال الجمل والتحري فيها مابين الاسطر والكلمات كي ابتعد عن نقطة الخطر التي ظلت تلاحقني في فلات عالم لم تنتهىِ مخاطره من هواجس ( إن واخواتها) . اما كتاب رولاند بارت (المراوغ الضجر ) فهو الاخر ظل حاضرا ومتماسكاً في ذاكرتي في كل لحظة ،ذلك في خضم ممارسة الكتابة الشاقة، التي ميدانها تكييف الجمل المكتوبة واعادة صياغتها ، بصفتي مراوغا شديد التملص من نيران ( إن واخواتها ) الحارقة المؤذية ،وموفرا في الوقت نفسه جدرانا سميكة واقية من غضب الزعيم الاداري وعقده النفسية . وربما ظلت ( كان واخواتها) ارحم في دنيا (المراوغة القسرية) في عالم اداري شديد العبودية ، اذ ظل الرجل يخشى ان تنال منه كلمة او حرف من الحروف الناسخة او المشبهة بالفعل وهو يعتلي سلم الادارة العليا بعقده حتى زواله .
ولكن تبقى المراوغة تعبيرًا عن ظلال الحقيقة والتقلب بين الوداع للصدق والخديعة والخلاص . فقد تناولت الفلسفة المشرقية التفكيكية في العراق موضوع (( المُراوَغة )) في واحدة من اجمل الكتابات التي تصدى اليها المفكر حسين العادلي ، حيث حظيت مفردة المراوغة لديه بملاحقة منطقية مختبرة هواجسها ونواياها في اخاديد الحياة وتفاوت حدودها ومحدداتها بالنص قائلاً:
• إذا (نَهَضت) المُراوَغة (قَعَدت) الحَقيقَة و(انتَصَب) النَّصب. (المُراوَغة) مُنَاوَرَة بغِشّ.
• (رَوَافِع) المُراوَغة: مَكْر النِيَّة، تَدلِيس المَوقِف، وتَضليل الغَاية.
• (ينتَصِر) المُراوغ: عند حُسن النِيَّة وبالغَفْلَة ولدى الجَهل بقواعِد اللُّعبَة.
• لا (تَجتَمع) الأخلاق والمُراوَغة تحت سَقف، وكُل رائِغٍ زَائِغ.
• (الأيديولوجية) هي أفضل صِيغ المُراوَغة للتَحايل على الوَعي.
• (مُكوِّنات) التَحَايُل السِّياسي: المَصلَحة، الشِّعار، والمُراوَغة.
• إذا راوَغ (القائِد) أتبَاعِه فَقَدَ (العَهد)، وإذا راوَغ (الحَاكِم) شَعبِه فَقَدَ (الذِّمَّة)، وإذا راوَغ (السِّياسيّ) جمهورِه فَقَدَ (الثِّقَة).
• عندما تَتَسيَّد (المُراوَغة) تصبَح (الإستِقامَة) عَمَلاً بطولِياً!!
((انتهى ))