![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
الطاهر المعز
2023 / 2 / 18
يتضمن هذا العدد فقرة مُطولة عن وضع سوريا بعد الزّلزال، وعودة الحديث عن "الخوذات البيضاء" وهي الذّراع الإعلامي لمنظمات إرهابية تدعمها بريطانيا وتركيا وغيرها، وفقرة عن الوضع في مصر وتونس، بعد أكثر من عشر سنوات من انتفاضَتَيْ 2010/2011، وفقرة عن ارتفاع عدد وحجم الإضرابات في بريطانيا، إحدى أهم حُلفاء الإمبريالية الأمريكية، وفقرة عن أوكرانيا ومُخطّطات المصارف والشركات العابرة للقارات لمرحلة إعادة الإعمار، وأخرى عن مختلف عوامل القوة الأمريكية، ومنها هيمنة الدّولار ومُحاولات بعض الدّول والتّكتّلات الإقليمية ابتكار أدوات مالية للمبادلات التجارية والتّحويلات المالية، بعيدًا عن هيمنة الدّولار، وفقرات خاصة بمؤسسة ( Fundation ) "بيل ومليندا غيتس" واستثماراتها الضّخمة في مجالات الصحة والغذاء، واستراتيجيتها كشركة عابرة للقارات، تتخذ العمل الخيري والإنساني كذريعة تُفَنّدها الوقائع والأرقام...
سوريا:
قبل الزلزال
لاحظت "ديانا إيفانوفيتشي سوشوكا" النّائبة بمجلس الشيوخ الروماني، يوم الثامن من شباط/فبراير 2023، بالبرلمان الروماني:
قبل دقيقة واحدة من اكتشاف أجهزة قياس الزلازل عن الزلزال في شمال سوريا وجنوب تركيا، تم إغلاق خطوط أنابيب الغاز والنفط التركية.
قبل 24 ساعة من وقوع الزلزال، استدعت عشر دول غربية سفراءها من أنقرة.
قبل الزلزال بخمسة أيام، حظرت عدة دول غربية السفر إلى تركيا "بدون سبب وجيه".
بعد الزّلزال
أعقب الزلزال الذي هز تركيا وسوريا أكثر من 150 هزة ارتدادية، كان أقواها الثاني وليس الأول، خلافًا للمعتاد، ولم يكن لهذا الزلزال مركز، ولكنه اندلع على طول خط صدع لعدة مئات من الكيلومترات، ومن المحتمل حدوث المزيد من الهزات، بما في ذلك في اسطنبول.
يتمثل الحدّ الأدنى للتضامن مع الشعب السوري المنكوب من زالزال السادس من شباط/فبراير 2023، في المطالبة برفع الحَظْر والتوقف عن سرقة النفط والغاز والمنتجات الفلاحية من قِبَل الجيش الأمريكي وحلفائه الذين يحتلون أجزاء من البلاد، ويُغلقون الحدود مع الأردن والعراق ويدعمون المنظمات الإرهابية...
أغلقت الحكومة الألمانية موقعًا لجمع التبرعات لصالح المتضررين من الزلزال في سوريا، بعد 12 ساعة من إطلاقه، واحتجزت 15 ألف يورو من تبرعات السوريين المقيمين بألمانيا، تطبيقًا للحظر الذي أقَرّه الكونغرس الأمريكي، ما أدّى إلى تدفق المساعدات نحو تركيا ومنع دخولها إلى سوريا، باستثناء المناطق التي تُسيطر عليها المنظمات الإرهابية، وكسرت بعض الدّول الحصار، بصورة رمزية، لترسل شحنات مُساعدة إنسانية أو للمساعدة في في رفع الأنقاض، ومنها روسيا وإيران والصين والجزائر وتونس ومصر والإمارات ولبنان...
بعد أسبوع كامل من وقوع الكارثة، وتشريد حوالي ستة ملايين سوري، ومقتل أكثر من 37 ألف شخص على حدود الدّولتَيْن، ومجمل القتلى عرب، سواء في سوريا أو لواء اسكندرون بتركيا ( سلّمته فرنسا إلى تركيا، سنة 1939، عندما كانت فرنسا تحتل سوريا من 1918 إلى 1946)، حل منسق الأمم المتحدة للإغاثة (مارتن غريفيث) بدمشق والتقى الرئيس بشار الأسد، يوم الاثنين 13 شباط/فبراير 2023، لتنسيق دخول مساعدات الأمم المتحدة ( الغذاء والأدوية والأغطية...) من ثلاثة معابر على الحدود السورية التركية، إلى شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المليشيات الإرهابية، المدعومة من تركيا ودول حلف شمال الأطلسي، وكانت الحكومة السورية تعارض انتهاك لوحدة أراضيها وسيادتها، من خلال تسليم المساعدات عبر حدودها، ودون موافقتها...
دعا الرئيس السوري خلال هذا اللقاء إلى المساعدة في إعادة إعمار ما دَمّره الزلزال من بُنْيَة تَحْتِيّة، فضلا عن الحرب التي شرّدت ملايين السّوريين من مناطقهم، بسبب انخراط قوى خارجية وحركات إرهابية عالمية، وأهمها داعش والنّصرة (فرع القاعدة) وما يُسمّى "أحرار الشام"، وجميعها مدعومة من أعضاء حلف شمال الأطلسي، وخصوصًا الولايات المتحدة وتركيا، ومن الخليج، وخصوصًا مَشْيَخَة قَطَر، وأنشأت "النُّصْرَة" (التي أثنى عليها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس) بمساعدة بريطانيا مُنظمة "الخُوذات البيضاء"، التي تُعْتَبَرُ الذّراع الإشهاري والإعلامي للمنظمات الإرهابية بسوريا...
انتقد رئيس "الخُوَذ البيضاء" يوم الثلاثاء 14 شباط/فبراير 2023، الإتفاق بين الأمم المتحدة والحكومة السّورية بشأن دخول بعض المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية مع تركيا، التي تستولي حكومتها على معظم المساعدات الموجّهة إلى سوريا.
الخوذ البيضاء، الذراع الإعلامي للنصرة
يُسَوِّقُ الإعلام الغربي منظمة الخوذ البيضاء التي أنشأتها وتُمَوِّلُها بريطانيا، كمنظمة إنسانية، رغم الإرتباط العضْوِي لهذه المنظمة بالمجموعات الإرهابية، والنُّصْرة بشكل أَدَق، في سورية، وسبق أن نَشَر موقع "غلوبال ريزيرش"، منذ سنة 2014، تحقيقات ووثائق تُفيد أن "الخوذات البيضاء" أداة دعاية في خدمة المنظمات الإرهابية ("النّصرة" و"حركة نور الدّين زنكي"...) وداعميها من تركيا والدّول الإمبريالية، ويتمثل عملها الدّعائي في تشويه سمعة حكومات سوريا وإيران وروسيا (عبر ابتداع خرافة استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائة ضد المدنيين، أو ارتكابه مجازر ضد السّكّان)، وتبرير أجندات وأطماع وجرائم الولايات المتحدة وتبرير التّدخّل العسكري لأطراف التحالف الأمريكي، مباشرةً أو من خلال المنظمات الإرهابية، أو من خلال الحصار الإقتصادي والعقوبات...
سبق أن نظم وَفْدَا سوريا وروسيا بالأمم المتحدة ندوة، يوم 20 كانون الأول/ديسمبر 2018، ندوة في الأمم المتحدة بعنوان نشاطات تنظيم “الخوذ البيضاء” في سورية ونشاطات وجرائم المجموعات الإرهابية، ومنها منظمة الخُوَذ البيضاء التي تدّعي وسائل إعلام الإمبريالية أنها منظمة إنسانية للدفاع المدني، ما يُشكّل خداعًا مقصودًا للرأي العام العالمي، وتَسَتُّرًا على التحاق مواطنين من أمريكا الشمالية ومن أوروبا (بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا...) بالمنظمات الإرهابية، وتُمَوّل الدّول الإمبريالية النشاط الإرهابي بوسائل عديدة، فقد أعلن البيت الأبيض، مَنْحَ 4,5 ملايين دولارا لمنظمة “الخوذ البيضاء” الإرهابية، وفق وكالة اسوشيتد برس يوم 22 تشرين الأول/اكتوبر 2019، وحثّ الرئيس دونالد ترامب حلفاء الولايات المتحدة على دعم الخوذ البيضاء”، وسبق أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، سنة 2018، تسديد 6,6 ملايين دولارًا لمنظمة "الخوذ البيضاء" التي تأسست في تركيا ( عضو حلف شمال الأطلسي)، سنة 2013، بتمويل بريطانيا وأمريكا ودول أخرى، مع حصر تدخّلها في مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية التي تدعمها نفس الدّول الإمبريالية ومَشْيَخات الخليج، وكشفت صحيفة "إنديبندنت" البريطانية، يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أن ضابط الإستخبارات البريطانية ( ام أي 6) السابق، ومؤسس منظمة "الخوذ البيضاء" الإرهابية "جيمس لو ميزوريه" وجد ميتاً بالقرب من منزله في مدينة اسطنبول التركية في ظروف مشبوهة، وكان هذا الضابط مُشاركًا في حروب البلقان وكوسوفو والمشرق العربي، وله صلات وثيقة بالمنظمات الإرهابية ( منها القاعدة) منذ حرب انفصال كوسوفو عن يوغسلافيا...
تحظى "الخوذ البيضاء" بدعم العديد من الحكومات الأوروبية ( فضلاً عن بريطانيا، الدّولة الأم)، منها حكومة هولندا، وفق تقارير تم التستر عليها بذريعة الأمن، ونشر موقع "غراي زون" الأمريكي بعض هذه التقارير التي تكشف تورّط الحكومة الهولندية وحكومات غربية أخرى في مساعدة مؤسسة "ميداي ريسكيو" (الهولندية) على تنفيذ عمليات اختلاس وتلاعب مالي، جنت منها أكثر من 127 مليون دولارا (من هولندا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا...) بهدف تمويل ودعم تنظيم “الخوذ البيضاء” الإرهابي في سورية وإطالة الحرب، وتكثيف حملات التضليل الإعلامي، لإضفاء صفة العمل الإنساني والخَيْرِي على نشاط "الخوذ البيضاء"، وسبق أن نشرت الصحفية والباحثة البريطانية "فانيسا بيلي" دراسات تُوَثِّقُ التمويل الأجنبي للخوذ البيضاء وارتباطها بالمليشيات الإرهابية في سورية، ونشرت وسائل الإعلام الهولندية وثائق عن دعم الحكومة الهولندية الإرهاب في سورية وعرقلة نشر نتائج تحقيق برلماني يُثْبِتُ "تورط الحكومة بدعم الإرهابيين في سورية وتزويدها لهم بمعدات تكنولوجية خاصة بالاتصالات وبعتاد عسكري لوجستي ومئات الشاحنات والآليات المختلفة"، وذلك على مدى سنوات عديدة...
في نفس السّياق، حصلت "منظمة العدالة الدولية والمحاسبة" على خمسين مليون دولارًا من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وهي منظمة مرتبطة ب"القاعدة" و"داعش"، مختصة في مجال الإعلام وصياغة الأكاذيب حول دور روسيا وإيران في سوريا، ثم وسّعت الولايات المتحدة نشاط "الخوذ البيضاء" و "منظمة العدالة الدّولية والمُحاسبة" إلى أوكرانيا، منذ انطلاق الحرب، بحسب تصريح للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم 13 نيسان/ابريل 2022، حيث ندّدت بأساليب الدعاية والاستفزاز، كما أعلنت وزارة الدّفاع الرُّوسية، يوم 19 تموز/يوليو 2022 أن إراهابيي جبهة النصرة يستخدمون سيارات الإسعاف التي تحمل شعار منظمة "الخوذ البيضاء" للقيام بأعمال إرهابية ضد المدنيين في سوريا واتهام الجيش الروسي، وتكرر نفس السيناريو في أوكرانيا، بدعم من أجهزة الإستخبارات الأجنبية...
عرب – تونس ومصر، بعد عشر سنوات
خفضت وكالات التصنيف الإئتماني (وهو شركات استشارات خاصة تبيع خدماتها للمصارف والمؤسسات المالية البتي تُقْرِضُ بعض الحكومات أو تريد الإستثمار في بعض البلدان ) تصنيف تونس ومصر، بعد أكثر من عشر سنوات من انتفاضات 2010/2011، حيث ارتفعت الدّيون الخارجية وساءت حال الإقتصاد، بعد استيلاء قُوى رجعية وموالية للإمبريالية على السّلطة...
مصر
أعلنت شركة المحروقات الإيطالية "إيني" تفاؤلها بشأن اكتشافات واستغلال حقول الغاز بسواحل مصر، لكن وضع الشعب المصري ما انفك يتدهور، إذ ارتفعت الديون الخارجية ثلاثة أضعاف خلال عشر سنوات لتبلغ 155 مليار دولارا، ولتصبح مصر ضمن خمس دول مهدّدة بالعجز عن سداد الدّيون المتراكمة وفوائدها التي تبلغ 42 مليار دولارا، خلال السنة المالية 2022/2023، فيما لم تتجاوز قيمة احتياطي النقد الأجنبي ببداية العام الحالي 34 مليار دولارا، منها 28 مليار دولارا في شكل ودائع خليجية، وانخفضت قيمة الجنيه المصري بنسبة 50% بين آذار/مارس و كانون الأول/ديسمبر 2022، وبلغت قيمة الدّولار 32 جنيها ( 36 جنيها في السوق الموازية)، فيما ارتفعت نسبة التضخم إلى 22% وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 38% على أساس سنوي، وفق البيانات الرسمية…
تتمثل الإستثمارات الخليجية (السعودية والإمارات والكويت وقطر) التي أنقذت النظام وأغرقت مصر، في شراء أصول الدّولة والمؤسسات العمومية التي اشترط صندوق النقد الدّولي خصخصتها...
في تونس
تحل الذكرى العاشرة لاغتيال شكري بلعيد (06 شباط/فبراير 2013) دون الكشف عن مُدَبِّرِيها، بينما تعيش البلاد وضعًا سياسيا واقتصاديا متأزما، شبيها بوضع منتصف ثمانينيات القرن العشرين، لما بلغت البلاد حافة الإفلاس، حيث انخفضت نسبة نمو الإقتصاد من 4,3% سنة 2021 إلى 2,4% سنة 2022، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء (15 شباط/فبراير 2023)، ولا تزال الحكومة تُفاوض البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي، ومُقرِضين آخرين، للحصول على قُرُوض جديدة، حيث قدّرت الحكومة ميزانية الدّولة لسنة 2023 بنحو 22,4 مليار دولارا، منها قُروض داخلية بقية ثلاثة مليارات دولارا، وقروض خارجية بقيمة 4,7 مليار دولارا، ليرتفع الحجم الإجمالي للدّيْن العمومي إلى أكثر من 34 مليار دولارا، تُمثل الدّيون الخارجية حوالي 65% منها، فيما لم يوافق صندوق النقد الدّولي مبدئيا سوى على 1,9 مليار دولار، وعلى الحكومة أن تسدّ عجز الميزانية بقروض جديدة، فضلا عن تسديد القُرُوض السابقة وفوائدها...
كان شعار "مقاومة الفساد" من الدّوافع التي جعلت شرائح هامة من المواطنين تدعم المسار الذي أطْلَقَهُ قيس سعَيّد يوم 25 تموز/يوليو 2021، ويأمل أن تستعيد الدّولة حوالي أربعة مليارات دولارا من الأموال المنهوبة خلال فترة حُكم زين العابدين بن علي، وأربعة مليارات دولارا أخرى من الأموال التي تم نهبها خلال فترة حُكم الإخوان المسلمين، من 2012 إلى 2021...
على مستوى الحريات السياسية، تمكن النظام الحاكم في مصر، كما في تونس من قَضْم المُكتسبات الدّيمقراطية، ليَتَقَلَّصَ حَيِّز حرية الرأي والتعبير وحرية العمل النقابي والقانوني والفَنِّي، ما أدّى إلى تَوسيع رقعة المًعارضة وتضييق رقعة الدّعم للرئيسَيْن عبد الفتّاح السِّيسِي وقَيْس سعَيّد، لأنهما لم يُقَدّما برامج ومُخطّطات للحدّ من البطالة والفقر والتّداين الخارجي...
يتهدّد تونس ومصر شبح العجز عن سداد الدُّيُون، ويتميز وضع تونس بضُعف إنتاج الطّاقة (مقارنة بمصر) وفساد عملية الترخيص بالتنقيب، كما يتميز بخطورة البعد الاقتصادي، حيث يتهدد الإفلاس الدولة، في ظل تدهْوُرِ المالية العامة وإدارة المؤسسات العمومية وأدوات الإنتاج والبنية التحتية، وهو ما تُشير له وثائق الاتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات الأُجَراء) الذي يعبر عن رفضه شروط صندوق النقد الدولي...
تعود جذور تدهور الوضع العام في تونس إلى أسباب سياسية واقتصادية، ولا يقتصر الحل على تغيير نظام التمثيل (برلماني أو رئاسي)، ولكن يتطلّب العلاج تغيير التوجه السياسي والاقتصادي، وتوسيع الحوار والمشاركة في اتخاذ القرار.
بريطانيا- إضرابات سنة 2022
قدّم مكتب الإحصاء الوطني البريطاني بيانات عن نزاعات العمل سنة 2022، وأعلن "ضياع ما يقرب من 2,5 مليون يوم عمل بسبب الإضرابات ونزاعات العمل"، حيث أدى ارتفاع تكلفة المعيشة إلى إضراب العاملين للحفاظ على مستويات الأجور، وشكلت إضرابات سنة 2022، أعلى رقم منذ سنة 1989، عندما "ضاعت 4,1 ملايين يوم عمل"، بسبب الإضرابات.
نَفَذَ العاملون في مختلف القطاعات (النقل والتعليم والصحة والخدمات إلخ) عدّة إضرابات في الأشهر الأخيرة، بمشاركة أعداد قياسية من العاملين، بسبب انخفاض مستوى الأجور التي انهارت قيمتها بسبب التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود، ما جعل من هذه الإضرابات أكبر توقف منسق للعمل منذ عشر سنوات، وتعتزم العديد من النقابات تنفيذ إضرابات أخرى، بسبب رفض الحكومة الحوار حول النتائج السلبية للتضخم وزيادة الأسعار على مستوى عيش الأُجَراء، ورفض الحكومة زيادة رواتب موظّفِي القطاع العام، بل تعتزم تشديد الشروط القانونية لجَعْلِ الإضراب أكثر صعوبة في القطاعات الرئيسية، وتدّعي الحكومة أن الزيادات المطلوبة في الأجور لا يمكن تحملها وأن التضخم المستمر سوف لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة.
أوكرانيا رهينة المصارف الأمريكية
تُخَطّط العديد من المؤسسات المالية، كالمصارف وصناديق التّحوّط وشركات المُضاربة لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، وللأرباح التي يمكن أن تجنيها، وبدأت حكومة أوكرانيا الفاسدة مُحادثات بهذا الشأن مع مجموعات مالية أمريكية، منها صندوق المضاربة "بلاكروك" ومصرف "جي بي مورغان"، وَوَقَّعَ كبار المسؤولين المصرفيين مذكرة تفاهم مع الرئيس الأوكراني "زيلينسكي"، بهدف تشجيع رأس المال الخاص على المشاركة في إعادة الإعمار، والتقى بعضهم بالرئيس الأوكراني في كييف لمناقشة إنشاء صندوق أسهم خاصة بقيمة 20-30 مليار دولار، وإنشاء مصرف خاص بإعادة إعمار أوكرانيا، تديره شركات مُقَوَّمَة في بورصة وول ستريت يستثمر في النفط والبنية التحتية للطرق والقطاعات الأخرى المتضررة من الحرب.
يناقش مصرف جي بي مورغان الأمريكي، منذ أيلول/سبتمبر 2022، مع الحكومة الأوكرانية "إعادة بناء القطاعات ذات الأولوية"، كما التقى رئيس الصندوق الانتهازي "بلاك روك" بالرئيس الأوكراني زيلينسكي لمناقشة الاستثمارات اللازمة لإعادة إعمار أوكرانيا، وفقًا لبيان صحفي صادر عن الرئاسة الأوكرانية بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2022.
قدر البنك العالمي والحكومة الأوكرانية، في كانون الأول/ديسمبر 2022، المبلغ الضروري لإعادة إعمار البلاد بـ 350 مليار دولار، وَحَذَّرَ البنك العالمي من أن الفاتورة، المرتفعة للغاية حاليا، قد ترتفع في الأشهر المقبلة، ويقدر البنك العالمي الأضرار المادية بقرابة مائة مليار دولار، والخسائر في قطاعات النقل والتجارة والصناعة بمئات المليارات من الدولارات.
الدولار سلاح أمريكي فَتّاك
يُعاني العاملون والفُقَراء من نتائج الأزمة الإقتصادية لسنة 2008/2009، ومن نتائج جائحة "كوفيد – 19" ومن موجة غلاء الأسعار (خصوصًا الطاقة والغذاء) والتضخم الحالية، ويتعلّل رأس المال بالحرب في أوكرانيا لتبرير الإرتفاع المُجْحِف للأسعار، فيما لم يُواكب دخل الكادحين والأُجَراء والفُقراء أسعار المواد الأساسية والضّرورية...
استغلّت الولايات المتحدة الأزمة، واستخدمت عملَتها وأدواتها المالية لتعزيز هيمنتها ونهبها لثروات البلدان الفقيرة، عبر رفع سعر الفائدة من قِبَل الاحتياطي الإتحادي الأمريكي، ما يرفع سعر الدّولار، مقابل عملات الدّول الفقيرة المُثْقَلَة بالدّيون، ويُخفّض نسبة التضخم بأمريكا، وعلى سبيل المثال، فقدت عملة سريلانكا نحو 80% من قيمتها منذ منتصف أيار/مايو 2022، بالتوازي مع انخفاض مستوى احتياطي العملات الأجنبية إلى درجة إعلان الحكومة تخلُّفها عن سداد الدّيون، ما خلق أزمة سياسية واقتصادية أدّت إلى الإطاحة بالحكومة، ويتهدّد العجز حكومات عربية عديدة، منها مصر وتونس ولبنان والأردن، وحكومات أخرى في إفريقيا وآسيا. أما في الدّول الصناعية فإن التضخم وعجز الميزان التجاري يُهدّد بركود اقتصادات قوية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، واليابان وكوريا الجنوبية، على سبيل المثال) فيما ارتفعت دُيُون دول جنوب أوروبا (إسبانيا والبرتغال وإيطاليا واليونان).
أدّى رفع سعر الفائدة بالولايات المتحدة إلى هجرة رؤوس الأموال نحو الولايات المتحدة، ليُصبح الدّولار ملاذًا كالذّهب، فيما انخفضت جاذبية اليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني والين الياباني. أما البلدان الفقيرة فإنها استنزفت احتياطيات العملة الأجنبية، بفعل توريد الطاقة والغذاء والدّواء، وبفعل ارتفاع قيمة الدّيون الخارجية وفوائدها، بارتفاع قيمة الدّولار، فتضطر إلى التّقشُّف ورفع الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي، ما يُؤدّي إلى تدهور ظروف حياة المواطنين واحتجاجاتهم المَشْرُوعة...
تُشكل الصين استثناءً من بين الاقتصادات الرأسمالية الصناعية، إذ تمكنت من تقليل آثار جائحة كوفيد-19 على النشاط الإقتصادي، وحقق ميزانها التجاري فائضًا، رغم الحصار الأمريكي و"العقوبات"، لأن الصين، خلافًا لأوروبا، تتخذ قراراتها السيادية باستقلالية تامة عن الولايات المتحدة، وتفرض قيودًا على هجرة رؤوس الأموال، كما أن الصين تمتلك أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية، وتستثمر في الإقتصاد الحقيقي، بدل الإعتماد على اقتصاد الرّيع والمضاربة، ولا تستورد سوى الطاقة وبعض التقنيات، ولا تخضع عملتها لارتفاع أو انخفاض الدّولار، وأدّى الإستثمار في الإقتصاد الحقيقي إلى تطوير قطاعات الإنتاج الفلاحي والصناعي والتكنولوجي، ولم تعد مُجرّد مُنتج للسلع الرخيصة التي تُساهم في استباب السّلم الإجتماعي في الدّول الغنية، وتمكّنت الصين من تصنيع أجهزة ذات جودة عالية، كالألواح الشمسية والحواسيب وأجهزة الهاتف...
ترتكز الهيمنة الأمريكية على القوة العسكرية وهيمنة الدّولار واحتكار التكنولوجيا المتطورة، لكن ارتفاع حجم المبادلات بين الصين وروسيا وبعض البلدان الأخرى، مثل مجموعة بريكس وإيران ومجمل البلدان التي تُحاصرها الولايات المتحدة، لتدفع أمريكا هذه الدول للتحالف وإنشاء مجموعة مُقومة لهيمنتها العسكرية والمالية، حيث تستخدم الولايات المتحدة عملتها كسلاح يُمكّنها من فرض العقوبات ومصادرة احتياطيات الدّول، منها سبعة مليارات دولار من أموال أفغانستان المودعة في مصارف أمريكية، وتجميد نحو 300 مليار دولارا من احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي، وكذلك أموال إيران وفنزويلا والعراق وليبيا...
أدّى التصرف الأمريكي الأرعن إلى الحيطة من الدّولار، وإلى تزايد التبادل بالعملات المحلية، أو بعملات أخرى، فطلبت روسيا من الدّول الأوروبية تسديد ثمن الغاز بالرُّوبل، واتفقت الصين والهند أو الصين وروسيا أو روسيا وإيران على استخدام العملات المحلية، كما اتفقت كل من ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وسنغافورة والفلبين على ربط أنظمة الدفع الإلكتروني فيها بالعملات المحلية، ما يُخفّض من التبادل بالدّولار، ومن حصته من الاحتياطي العالمي من النقد الأجنبي، ومن التبادل التجاري والتحويلات المالية العالمية، مقابل زيادة حصّة الذهب والعملات الأخرى المدعومة بالذهب، ولكن المَسار طويل لأن معظم الثروات والأُصُول العالمية وأسعار المواد الأولية والطاقة والحبوب مُقَوَّمَة بالدّولار...
هل هي بداية النهاية لهيمنة الدّولار؟
أدّى رفع أسعار الفائدة بالولايات المتحدة، سنة 1979، إلى مشاكل مالية كبيرة بدول أمريكا الجنوبية، بما فيها البرازيل، وبعد ثلاثة عُقُود، خلال أزمة 2008/2009، تمكّنت الولايات المتحدة من دعم مصارفها وشركاتها والحفاظ على استقرار الأسعار بالأسواق المالية، بفضل قوة الدولار، لكن تغيير الحكومات بأمريكا الجنوبية ووجود حكومات تعمل على التنسيق السياسي والإقتصادي وتجسيد التكامل الإقليمي بتنمية الإستثمارات والتجارة بالعملات المحلية أو بوحدة نقدية يتم الإتفاق عليها بين بَلَدَيْن أو أكثَرَ، وتطوير مناطق التجارة الحرة، لتشمل التكامل النقدي قبل إنشاء عملة مُشتركة لأمريكا الجنوبية...
يمكن التفاؤل بإضعاف مكانة الدّولار، ولو إن ذلك يتم بِبُطْءٍ شديد، بفعل تعدّد المبادرات البديلة، وشمولها بلدانًا تخضع أنظمتها السياسية للإمبريالية الأمريكية، مثل السعودية أو بلدان جنوب آسيا، فضلاً عن الصين وروسيا وإيران والبرازيل والأرجنتين...
مؤسسة بيل ومليندا غيتس
استثمارات مُجْزِيَة في قطاع الصحة
أعلنت شركة فايزر يوم الثلاثاء 31 كانون الثاني/يناير 2023، عن إيرادات قياسية بقيمة 100,3 مليار دولارا، وأرباحًا صافية بقيمة 31,4 مليار دولارا، سنة 2022، بفضل مبيعات لقاحات "كوفيد-19" التي تم فَرْضُ جرعات متتالية منها على المليارات من سكان العالم، وبلغت قيمة مبيعات فيزر منها 56 مليار دولارا، أي أكثر من نصف إيراداتها الإجمالية.
اشترت مؤسسة بيل غيتس أسهم شركة بيونتيك، شريكة فايزر في ابتكار وبيع لقاح كوفيد-19، قبل بضعة أشهر من الإعلان عن انتشار الجائحة بسعر 18,10 دولارًا للسهم في أيلول/سبتمبر 2019، ثم باعت الأسهم بعد ذلك بقيمة 300 دولار للسهم الواحد مُحقّقَةً ربحًا بنحو 260 مليون دولار عن كل سهم، أي أكثر من 15 ضعف استثمارها الأولي، كما باعت مؤسسة بيل وبليندا غيتس مليونَيْ سهمًا إضافيًّا قبل الربع الثالث من سنة 2021، ثم باعت 1,4 مليون سهمًا من حصّتها في الشركة الألمانية (CureVac ) وكسبت 50 مليون دولارًا أخرى، وبذلك حصل بيل غيتس على أرباح بمئات الملايين من الدّولارات من استثمار مؤسسته في شركة بيونتيك شريك فايزر، ولما اقترب موعد توقف الحكومة الأمريكية عن التوزيع المجاني للحقنات ( 11 أيار/مايو 2023) ووضع حَدٍّ لمجانية الاختبارات والتطعيم والعلاج، أصبح بيل غيتس يُشَكِّكُ عَلَنًا في فعالية ونجاعة اللّقاح الذي مكّنَهُ من زيادة ثروته، ويهدف بيل غيتس كَسْبَ بعض المصداقية بعدما انتقد البرلمان الأوروبي افتقار شركة فايزر للشفافية فيما يتعلق بعقود شراء لقاح كوفيد-19 أثناء الوباء. من جهة أخرى سوف تفقد شركة فايزر، سنة 2025 حماية براءات الاختراع لبعض الأدوية الأكثر مبيعًا، وفق وكالة رويترز يوم الثلاثاء 07 شباط/فبراير 2023، لذلك زادت استثماراتها في عمليات الاستحواذ، حيث أنفقت حوالي 25 مليار دولار لشراء شركات ( Biohaven Pharmaceutical ) و ( Arena Pharmaceuticals ) و ( Global Blood Therapeutics )...
مشاريع مؤسّسة " بيل وملينداغيتس" لتقويض السيادة الغذائية
لقد تم استخدام الغذاء عبر تاريخ البشرية كأداة فعالة للسيطرة على عدد السكان، وتُعْتَبَرُ إعادة ضبط الغذاء من قِبَلِ مجموعات الأعمال الزراعية القوية، جُزْءًا من خطّة لإعادة تنظيم الإمدادات الغذائية في العالم تحت ستار أزمة الغذاء، كما تتخفّى شركات الأغذية الزراعية الكبيرة بِظِلِّ جمعيات أو مؤسسات ( fundation )، ومنها مؤسسة روكفلر، التي تبرر السيطرة على الأراضي الزراعية في إفريقيا (أو في أي مكان آخر)، أي مُصادرة الأرض، بدعم من الحكومات المَحَلِّيّة، تحت ستار "تحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا" ويهدف هذا التّحالف إلى احتكار الإمدادات الغذائية في العالم، وفق 200 منظمة شجبت مثل هذه المخطّطات لأنها مُجَرّد تبرير لتجريد المزارعين الأفارقة من أراضيهم.
تتلقى المؤسسات الأمريكية الدّعم من الحكومة الإتحادية الأمريكية، عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( يو إس آيد) التي يتمثل دورها في مساعدة حكومة الولايات المتحدة على تعزيز هيمنتها على العالم، أما المؤسسات التي تدعي أنها "مستقلة" و "إنسانية غير هادفة للربح" فما هي في الواقع سوى مجرد أدوات للسيطرة التي أنشأتها الشركات الإحتكارية والدول الإمبريالية، كما تمثل أداةً لمَرْكَزَة مِلْكِيّة الأراضي الزراعية وحَصْرِها في قِلّة من الشركات النافذة، وعلى سبيل المثال، استغل بيل غيتس، انتشار وباء كوفيد – 19، سنة 2020، وحالة الانهيار الإقتصاد والإنتاج التي تسببت في إفلاس أكثر من مائة ألف شركة أمريكية، مما أدى إلى إغراق مليار شخص في الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ليشتري الأراضي والشركات الصغيرة بمبالغ رمزية، وليصبح بذلك أكبر مالك للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة، سنة 2021، وأضاف إلى ثروته 20 مليار دولار لتبلغ 133 مليار دول، وأصبح بيل غيتس أكبر مالك للأراضي الزراعية في الولايات المتحدة وكان لمؤسسته تأثير كبير في تحول نظام الغذاء، بالشراكة مع شركات كبيرة مثل باير وكارغيل وسينغنتا ويونليفر وغيرها، وكذلك مع شركات لا علاقة لها بالزراعة والغذاء، مثل غوغل، ومع منظمات تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية مثل "يو إس آيد"، أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و 40 حكومة في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا ... أما الذريعة الرسمية فهي "البحث عن حلول لـ" التكيف مع تغير المناخ "، وتجدر الإشارة إلى دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( يو إس آيد) المثمثل في مساعدة حكومة الولايات المتحدة على تعزيز هيمنتها في العالم، كما تجدر الإشارة إلى المؤسسات التي تدعي أنها "مستقلة" و "إنسانية غير هادفة للربح" وما هي في الواقع سوى أدوات للسيطرة التي أنشأتها الاحتكارات (شركات الإحتكارية) والحكومات الإمبريالية.
سمحت ثروة بيل غيتس بزيادة سلطته على سكان العالم من خلال شراء الأصول في الشركات العامة المخصخصة في عدة مجالات: الصحة والتعليم والأمن والسجون والاتصالات وما إلى ذلك، ولبيل غيتس ومؤسّسته خُبراء ومستشارون ماليون نصحوه بالسيطرة على إنتاج الغذاء، لتعزيز سلطته وثروته، فاشترى ما يقرب من مليون هكتار في الولايات المتحدة، كجزء من خطته، التي بدأت منذ سنة 1994، للسيطرة على احتياطيات الغذاء العالمية، وفقًا لموقع ( The Land Report 2022 ) بالتعاون مع العديد من حكومات العالم التي تدعمها بالتمويلات وبالمِنَح، وبالشراكة مع أكبر الشركات متعددة الجنسيات في العالم، ومنها كوكاكولا ويونليفر وفليب موريس وآمازون وباير وغيرها، وبذه الشراكات مع الحكومات والشركات العابرة للقارات، أصبح مؤسسة بيل ومليندا غيتس المنظمة الأكثر ثراءً في العالم، وتتمتع بقوة هائلة لتدمير خطط تنوع المحاصيل واللامركزية والاستدامة، والقضاء على صغار المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة والتنظيم الذاتي، ومحاولاتهم الحفاظ على البذور المحلية وتبادلها وتطويرها، وبذلك أعادت مؤسسة Gares تجديد أدوات الاستعمار من خلال فرض الزراعة الصناعية، التي تستخدم التقنيات المتطورة، من خلال منظمات تُسَمِّ نفسها "غير حكومية"، وهي فروع من الشركات العابرة للقارات التي فَرَضَت الزراعة الأحادية المعتمدة على المواد الكيميائية، ذات التنظيم المَرْكَزِي الذي يُحَوِّلُ المُزارعين إلى مُجَرّد أدوات تنفيذ، ويتركهم في أسفل درجات السُّلّم الإجتماعي، كما نجحت الشركات متعددة الجنسيات في بناء سلسلة توريد للمواد الكيميائية والبذور في إفريقيا، بتواطؤ من الحكومات التي أجبرت المزارعين الأفارقة على استبدال محاصيلهم التقليدية المغذية، مثل الذرة الرفيعة والدخن والبطاطا الحلوة وغيرها، بمحاصيل ذات نسبة عالية من العوائد، مثل فول الصويا والذرة التي تستفيد منها شركات التصنيع والمتاجرة بالغذاء (بدل المُنْتِجِين من الفلاحين الصغار) وتساهم في إفقار صغار المزارعين الأفارقة، مما ساهم في زيادة عدد الأفارقة الذين يعانون من الجوع الشديد بين عامي 2006 و 2020 بنسبة 30%، وفي استعباد المزارعين وسكان الريف وتجريدهم من أراضيهم بذريعة عدم امتلاكهم وثائق ملكيتها، لتستحوذ عليها الشركات التي فرضت التقنيات الحديثة، إلى جانب مخطط "الثورة الخضراء" لمؤسسة بيل ومليندا غيتس الذي فَرَضَ مدخلات التكنولوجيا الفائقة والآلات الزراعية، والجداول الزمنية الصارمة والقيود الشديدة والائتمانات التي زادت من ثروات ومن نفوذ شركات عابرة للقارات مثل مونسانتو أو كارغيل، شركاء مؤسسة غيتس، واستغلت هذه الشركات والمنظمات، ومنها "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" من أزمات الغذاء وأزمات المناخ، لتعزيز مكانة الزراعة الصناعية ذات التقنية العالية التي تزيد من تدهور المحيط ومن إفقار المزارعين...
إن "الثورة الخضراء" التي دعا إليها كبار الرأسماليين مثل غيتس وروكفلر هي عائق أمام تحسين الزراعة والسيادة الغذائية، لأن المحاصيل المعدلة وراثيًا ليست حلًا لنقص الغذاء أو الفقر المنتشر في الريف، ولا للمشاكل البيئية، بل على العكس من ذلك، فإن "الثورة الخضراء" وفق نستختها التي روجتها مؤسسة غيتس، تؤدي إلى الإضرار بالأمن الغذائي، بسبب نزع ملكية صغار المزارعين عن طريق إغراقهم بالديون، بعد اضطرارهم إلى شراء المدخلات المستوردة.
لقد دمرت أدوات "الثورة الخضراء"، مثل المحاصيل المعدلة وراثيًا والمبيدات الحشرية والأسمدة الكيماوية، الابتكارات الزراعية، والتبادل الحر للمعرفة وللبذور بين المزارعين، مما ساعد، على مَرّ العصور، في الحفاظ على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي.
تقوم الشركات متعددة الجنسيات، مثل باير وكارغيل، شُركاء مؤسسة غيتس، بنهب وخصخصة مخزون بذور المزارعين المحليين في جميع أنحاء العالم ، من خلال تسجيل براءات الاختراع، كما أن هؤلاء الشركاء قادرون على ترويج وجهة نظرهم وتشويه خصومهم وضحاياهم، وعلى سبيل المثل استثمرت مؤسسةغيتس 250 مليون دولارا سنة 2020، في شكل منح لوسائل الإعلام (NBC / Universal ، و CNN ، و Aljazira ، و NPR ، و BBC ، و Le Monde ، و The Guardian ، و Der Spiegel ، وما إلى ذلك) ، للحصول على تغطية إعلامية مواتية لـها، ولبرامجها المتعددة التي تمتد من الصحة العامة إلى الاقتصاد والسياسة الزراعية، حيث تسمح ثروة غيتس وَسَطْوَتُه الإعلامية والمالية بالاستثمار في الضغط على الحكومات التي تريد تنظيم انتشار الكائنات المعدلة وراثيًا، وجندت مؤسسة بيل ومليندا غيتس 65 عالما تتمثل مهمتهم في تشويه سمعة المعارضين للكائنات المعدلة وراثيا، وقد مولت، منذ عام 2016، تقارير، صادرة عن الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، تدعم تعميم التعديل الجيني (الوراثي)، وتم تنفيذ وإصدار هذه البحوث بالشراكة مع الجيش الأمريكي، من خلال وكالة أبحاث الدفاع الأمريكية، كما يستثمر غيتس في الشركات التي تصنع دجاجًا وبيضًا اصطناعيا، وغيرها من الشركات التي تصنع الطعام من الحشرات، وتدعي مؤسسة غيتس أن اللحوم الاصطناعية هي "مستقبل الغذاء".
يستثمر غيتس كذلك ( مع بلومبرغ وزوكربيرغ وغيرهما) في الشركات التي تمتلك براءات اختراع لأكثر من 100 حيوان بديل، معدّل وراثيا، من الدجاج إلى الأسماك ومجموعة متنوعة من الأطعمة والمكونات المُصنَّعة في المختبر، مثل "تايزون فودز" و "كارغيل" و"بيوند ميت"، فيما تُبَيِّنُ التحليلات المعملية أن اللحوم الاصطناعية الخاصة بشركة "آي فودز" تحتوي على مستويات من الغليفوسات أعلى بـ 11 مرة من منافسيها، كما يتم اختبار العديد من اللقاحات والأدوية والمنتجات الغذائية الاصطناعية من قبل مؤسسة بيل وميليندا غيتس في إفريقيا والهند، بمباركة منظمات الأمم المتحدة التي تتلقى تمويلًا من مؤسسة غيتس والشركات التي تتحكم في الأراضي الزراعية والبذور والغذاء في العالم، بالإضافة إلى مجالات أخرى مثل الاتصال والصحة وما إلى ذلك.
إن ما يسمى بالأغذية المدعمة هي حلول تقنية وهمية لمشاكل اجتماعية واقتصادية معقدة، يتطلب فَضُّها بابتكار الحلول الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، مثل استغلال الأرض والموارد الطبيعية بشكل أفضل على المدى الطويل.
ترافقت "ثورة" بيل غيتس "الخضراء" مع مشاكل أخرى مثل تدهور التربة على المدى الطويل وتزايد عدم المساواة وارتفاع مديونية المزارعين، وعلاوة على ذلك، لم ينتظر المزارعون بيل غيتس أو مونسانتو للتفكير في حلول للآفات، إذ توجد بذور مقاومة لتغيير المناخ، يتم تطويرها من قبل المزارعين ويتم تداولها في أسواق البذور غير الرسمية، بينما تريد مؤسسة غيتس الحد من ابتكار المحاصيل وحصر البحث والإبتكار في مختبرات الشركات الكبرى.
تساهم هذه المبادرات الرأسمالية، باسم العمل الإنساني أو الخيري أو باسم المنظمات غير الحكومية، في الخصخصة والتحكم في الغذاء، وتسجيل براءات الاختراع للبذور والمحاصيل، وتعزيز احتكار أسواق البذور والأسمدة، وهي خطط وبرامج ضارة بمستقبل الغذاء وبالمُحيط وبمستقبل البشر...
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |