|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
كامل عباس
2023 / 2 / 14
الحلقة الأولى : لمحة موجزة عن تاريخ الزمن .
بدأت التساؤلات عن نشأة الكون وعلاقة الأرض به ,وعن الخلق والزمن وتأثيرهما على الانسان وعلاقته بالطبيعة والكون منذ بداية مسيرة النوع البشري على هذا الكوكب ومع تقدم تجربته تقدم تأثير العقل وما أفرزه من علم في فهمه لمستوى الاجابة على تساؤلاته. سأحاول في هذه الحلقة استعراض تأثير القوانين الفيزيائية وتحديد دورها في تفسير نشأة الكون ومعها الزمن منذ البداية وتأثير زمن نيوتن أولا ومن بعده زمن انشتتاين ثانيا . تجدر الاشارة هنا الى ميزة للعلم كانت أكبر نعمة للنوع البشري وهي ان مستوى تقدمه كان ينعكس ايجابا على الحياة بكافة اشكالها وفي مقدمتها حياة الجنس البشري , فعندما كان العلم يتقدم وينسف الفهم القديم لم يصطدم بمستوى العلم السابق , بل عمل بموضوعية لأن يكون الاصلاح أهم من الثورة حيث شكّل بناء على البناء على الضد من الثورات الاجتماعية التي قامت على الهدم أولا ومن ثم البناء ثانيا .
والآن يكاد ان يكون العلماء في علم الفلك وفي علم الفيزياء متفقين على تفسير نشأة الكون بناء على نظرية الانفجار العظيم , تعتمد فكرة النظرية على أن الكون كان بالماضي في حالة حرارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزءًا واحداَ عند نشأته. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعد عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرَدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التأمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات . وسواء صّحت هذه النظرية ام لا , فان علماء الفيزياء منذ منتصف القرن التاسع عشر استنبطوا ما يُعرف بقوانين الترموديناميك وخاصة قانونه الثاني الذي ينص على ما يلي : أي جملة مغلقة تميل نحو حالة الفوضى أو الاضطراب وهو ما يعني في حالة الكون أنه جُمِع بسرعة ودفع لينزلق بطريق ذو اتجاه واحد نحو وضعية التفكك النهائي . ان الشمس التي تحرق ببطء وقودها النووي مبعثرة الضوء والحرارة دون رجعة في أرجاء الكون , وفي النهاية سينضب وقودها وتتوقف عن الاشعاع , أي سننتهي ربما بعد ملايين من السنين الى الانسحاق العظيم وهوما يتحدث عنه "الملحدون" والمؤمنون حاليا في ما يسمونه يوم القيامة التي ستقودنا اليها الحرب العالمية الثالثة اذا بدأ الضغط من قبل الرؤساء الحمقى على الأزرار النووية .
يهمني هنا موضوعة الزمن في فكر نيوتون ومن بعده انشتاين . أما علم الفلك ومراصده فله مقام آخر.
يكاد أن يكون كتاب العالم الفيزيائي ستيفن هو كينغ – موجز تاريخ الزمن- أكثر الكتب اهمية حتى الآن في تعريف القراء غير المختصين بتاريخ الزمن. ألّف الكاتب الكتاب في الثمانينات من القرن المنصرم, ولقد ذكر في مقدمة الكتاب بما معناه : تم تحذيري بأن أي معادلة رياضية سأكتبها ستؤدي إلى تقليل عدد القراء إلى النصف. وافق هوكينغ على ذلك وعمل بنصيحة الناشر الذي استشاره قبل أن يبدأ بتأليف كتابه , بعد الطبع أصبح الكتاب من ضمن أكثر الكتب مبيعا في العالم، بيع من الكتاب أكثر من 10 ملايين نسخة في 20 عاما كما حافظ على مركزه في قائمة جريدة الصنداي تايمز للكتب الأكثر مبيعا لأكثر من 5 سنوات، ترجم الكتاب إلى 35 لغة بحلول عام 2001. ثم وصل إلى 40 لغة حاليا.
لقد وُفِق العالم الفيزيائي ستيفن في فهمه السياسي هذا الى جانب فهمه العلمي وخدم العلم والتطور, وقد أصبح واضحا للجميع أننا كبشر يولد الواحد منا في بيئة ترضعه عادات وتقاليد قديمة ومحافظة أول من أشار اليها عميد اللبرالية جون ستوارت ميل في كتيبه الشهير بحث عن الحرية حيث قال فيه حرفيا : ( لا يزال استبداد العادة في كل مكان العقبة الرئيسية في سبيل التقدم البشري , ولا غرو فان العادة منافية بطبيعتها لتلك النزعة التي تطمح الى الارتقاء عن المألوف والتي تسمى بحسب الظروف تارة روح الحرية وتارة روح الاصلاح , ....ان مبدأ التقدم سواء تجّلى في صورة حب الحرية ام في صورة حب الاصلاح , لا يفتأ منابذا لسلطان العادة او على الأقل مطالبا بخلع نيرها وصدع أغلالها , ولا يزال النزاع القائم بين هاتين القوتين مصدر الفائدة وبيت القصيد في تاريخ الإنسانية بأجمعه . )) .
يتذّكر العالَم ما فعلته العادات والتقاليد المحافظة بكثير من العلماء الذين اعدموا لأنهم عارضوا العادات القديمة ببحوث علمية وفلسفية جديدة مخالفة لرأي الأغلبية من سقراط الى افلاطون الى ارسطو الى فيثاغورث والقائمة تطول لتشمل علماء أُحرقوا وهم احياء لأنهم قالوا بأن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وان الأرض كروية وليست منبسطة كما قالت الكتب المقدسة وما يزال حتى الآن في قريتي وفي كثير من القرى المشابهة كُره شديد لي ولأمثالي كوني ملحد وكافر ويجب محاسبتي من السلطة على إلحادي الذي يقدح بالذات الالهية رغم انهم يتنعمون أكثر مني بما قدّم لهم العلم وتحديدا علم الفيزياء . ان ما قدّمه نيوتون وبعده انشتاين عن الزمن لايقل قيمة عما قدمه نيكولاس كوبرنيكوس (1473- Nicolaus Copernicus (1543- الذي أعلن أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وكان لذلك تأثيرٌ عميق في فهم الناس وبتحديه معتقداتهم الأساسية وأفكارهم القديمة .
بقي الزمن بالنسبة للقدماء شيئا غامضا ومبهما ولكن عملية ضبطه في مجالات محددة كالموسيقى والنموذج الايقاعي لتكرر الفصول وحركة الأجرام السماوية والدورة الشهرية عند النساء أجبرهم على التفكير به ولكنْ مع ضروب من السحر والشعوذة والأساطير العميقة بطريقة لم تتطرق الى الخواص العلمية كالكتلة والسرعة والحجم .لكن الدافع للوصول الى دقة أكبر لقياس الزمن كان حاجة لهم بسبب مشكلة عملية جدا تتعلق بالتجارة والابحار والملاحة , فالبّحارة يجب ان يعرفوا الزمن تماما ليتمكنوا من حساب خط الطول الذي يقفون عليه عن طريق مواقع النجوم . يسجل التاريخ أن الرائد الأول في ترسيخ الزمن هو العالم غاليلو, فأثناء جلوسه في الكنيسة وبقياس مدى تأرجح قنديل معلق مقارنة مع نبض رسغه تمّكن من اكتشاف قانون النواس وهو ان دوره مستقل عن سعة التأرجح, وهوما قاد الحرفيين وغيرهم لتصنيع الساعات الدقيقة التي تقيس الزمن وهكذا تمّهد الطريق لظهور العالم نيوتون ونظريته عن الزمن وجوهرها : ان الكائنات كلها تشترك بنفس الزمن وبنفس (الآن ) فسهم الزمن عنده خطي والأجسام المادية تتحرك في الفضاء في مسارات محددة وهي تخضع لمجموعة قوى تؤدي الى تسارعها مثل الثقالة والجاذبية وقد بقي زمن نيوتون مسيطرا على العالم أكثر من قرنين حتى جاء انشتاين وقدّم جديدا في نظريته حول الزمن , وطرح التساؤل التالي : الزمن زمن من ؟ هل هو زمني ام زمنك أم زمن الله ؟ يبدو أن تقسيمنا الوقتَ - برأي انشتاين- إلى ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ غير دقيق. لأن الوقت يتأثر بالحركة ويتأثر بالجاذبية أيضًا يجب أن توجد الأحداث واللحظات دفعة واحدة عبر مدة زمنية. ان التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهم ، ولو كان عنيدا. وتطبيقات انشتاين عن الزمن كانت في الفضاء حيث يختلف الزمن بين راكب هذا الصاروخ وراكب صاروخ آخر وان الساعة الي تدق كما تعودنا علها تِك – تاك هي في الوقع تدق: تك – تك لأن كل تك تصدر نفس الصوت, ان وعينا هو الذي يعُبر عن تكتين متتابعتين ب (تك – تاك ) ولكن فقط اذا كانت الفترة بين التكّات أقل من حوالي ثلاثة ثوان تبدو انها هي الحد الأدنى للفترة اللازمة لعقولنا كي نستوعب البيانات المنطقية القادمة وتحولها الى تجربة متحدة مفهومة وذات منعكس حقيقي كما هو ملموس في الشعر أو الموسيقى .
ختاما : يتوهم الكثيرون بأن نظرية انشتاين ألغت نظرية نيوتون وذلك غير صحيح بتاتا فما اتى به انشتاين هو فهم للجاذبية مغايرة للطريقة التي قدّمها نيوتون وتفسيره يعتمد على ما قدمه العلم من جديد في الفيزياء بحيث نبني على الجديد بما يتوافق مع القديم لخدمة التطور , انشتاين لم يلغ نظرية نيوتون وانما جعل منها حالة خاصة للنظرية العامة وأعطاها تفسيرا أكثر عمقا وشمولية . فاليوم لم نعد نفهم الجاذبية على أنها عبارة عن تجاذب بين الأجسام فقط بسبب الكتله وانما هي عبارة عن تفاعل للمادة التي تكّون الأجسام مع الزمان والمكان الذي تتواجد فيه وهذا ما يؤثر على الزمان والمكان نفسه ويجعله يتحّدب محدثا بذلك مسارات زمانية ومكانية تجعل باقي الكتل الصغيرة تسبح فيها .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |