اعادة فهم العاطفة .. أرقى ما نملك

منى نوال حلمى
2023 / 2 / 11

------------------------------------------------------
14 فبراير هو اليوم الذى يجمع احتفالات العالم ، حول الحب . وربما يتسائل البعض ، هل لدى العالم من طاقة على الحب والاحتفال به ، وكوكب الأرض غارق فى المشكلات والحروب ،
والزلازل المدمرة ، وزيادة استهلاك أدوية الاكتئاب والتعاسة ، والأمراض المستعصية ، والموت الغادر المفاجئ ، والتنغيص اليومى من المتاجرين بالأديان ، المستثمرين فى البشر ، نساء ورجالا وأطفالا ؟؟؟؟.
لكن فى الحقيقة أن المعادلة طردية عكسية ، بمعنى أنه كلما غرقنا فى المآسى ، كلما ازدادت حاجتنا الى الحب ، وبالتالى الاحتفال به .
وقد لاحظت أن عدد الناس الذين يتشككون فى الحب ، أو لنكن أكثر رحابة ، ونقول يتشككون فى عاطفة الانسان ، ووجدان البشر ، يزدادون . ولا أعتقد أن زيادة عددهم ، نابعة حقا من تشككهم فى العاطفة ودورها النبيل فى حياتنا ، وفى اثراء عقولنا ، بقدر ما هو رد فعل عنيف لفشلهم الذاتى فى ايجاد الحب المثمر ، والعاطفة التى تشبعهم وترويهم وتسعدهم .
فالانسان امرأة أو رجلا ، عندما يفشل فى تنمية الحب ، والعثور على العاطفة المناسبة له أو لها ، فان أسهل حل هو الكفر بالشئ كليا ، ومحاولة نفيه والغائه . طبعا والهدف واضح ، أن ينسى فشله الخاص ، وأن يتفادى الاعتراف بمسئوليته الشخصية ، فى عدم عثوره على العاطفة السعيدة.
وأنا لا ألوم مثل هؤلاء الأشخاص ، ولا أحاول الحكم عليهم ، بقدر ما أريد أن أفهم ، وأن ألمس أصل الأشياء ، وجذور الحقيقة .
ان أغلب الأغانى والأفلام واللوحات والقصائد وغيرها من الفنون ، مستلهمة من الحب ، بكل عذاباته وحلاوته .
واذا أنكرنا العاطفة الوجدانية التى نسميها الحب بين المرأة والرجل ، فهذا معناه أننا نزيل أجمل ثمار الحضارة البشرية .
الحب عاطفة ذكية ، لها " عقلها " الخاص ، ولها قاموسها الخاص ، وتمتلك أنواعا فريدة من " الرادارات " التى تلتقط أصغر التفاصيل .
وبالتالى ، يكون من المنطق ، ومن الطبيعى أن يأتى الحب أو العطفة الوجدانية ، لمنْ تتميز قلوبهم بالطيبة والنبل والذكاء والحيوية والشغف العاطفى .
لكن ما أكثر الناس ، الذين يحصدون المال ، والمناصب ، والشهادات ، ورضاء الناس ،
لكن عواطفهم ، ميتة ، وقلوبهم باردة ، غارقون فى الحماقات ، عطاؤهم شحيح ، أو
منعدم ، مشاعرهم خشنة ، أحلامهم تخاصم العدالة ، لاشئ بداخلهم ، الا التعصب ،
والفراغ ، والخواء ، والأنانية .
على مر العصور ، يتم " تهميش " ، دور العواطف . بل وتحقيرها .
وهذه جريمة أولى . أما الجريمة الثانية ، فهى الصاق صفة " العاطفية " ، على المرأة ،
فى اشارة الى أنها " هوجاء " ، " مضطربة " الانفعالات . كثير من الوظائف ، مازالت تُحجب ،
عن المرأة ، اعتمادا على أنها " عاطفية "، لا يمكن الاعتماد على " عقلها " .
يؤكد الواقع ، أن العمل " الفريد " ، " المتميز " ، هو بالتحديد ، العمل المتكامل ،
الذى آلف بين العقل ، والعاطفة .
ان " الابداع " ، نفسه ، بالتعريف الدقيق ، هو " ذاتية " الانسان ، فى قالب جمالى ،
ممتع . بمعنى آخر ، هو كيفية تحويل ذاتية فرد واحد ، ألا وهى ذاتية المبدع ، الى " عمل " ،
يمس ذوات الآخرين .
كما سبق ذكرنا أن جميع أنواع الفنون ، تُفصل من قماشة العواطف ، والمشاعر ، والأحاسيس .
وهى تجذبنا ، وتسحرنا ، بشكل أكبر ، وأجمل ، مليون مرة ، من المحاضرات ، والدروس ،
التى عادة ، تخلو من صوت العواطف .
ان العاطفة السليمة ، فى العقول السليمة . والعقول السوية ، تثمر العواطف
السوية . والحضارة السليمة ، السوية ، تحتاج الى العقل ، والعاطفة معا ، حتى تتوازن ،
وحتى لا يأتى تطورها ، كيانا ، ماسخا ، مشوها ، عاجزا ، عن اسعاد البشر ، كما هو الحال ،
فى عالمنا المعاصر .
أليس من المألوف ، أن يرضى المحامى ، بالدفاع عن موكله ، الذى تتشابك كل
الأدلة العقلية المادية ، لترسله الى المشنقة ، وتكون فعلا قضية خاسرة ؟؟ لكن المحامى ،
يتبنى القضية ، مفسرا : " أشعر أن موكلى برئ ... شئ بداخلى ينبئنى أنه لم يرتكب
الجريمة ". هذا الشئ الداخلى ، هو صوت " العاطفة " السليمة ، السوية ، التى لم تكتف ،
بالدلائل العقلية ، ولديها رأى آخر فى القضية . وفعلا ، يجد المحامى ، بعض التفاصيل
المنسية ، أو بعض التناقضات فى مجرى الأحداث ، وأقوال شهود الاثبات ، التى تؤكد
صدق عاطفته ، وتنقذ بريئا من الاعدام . وكم من الأبرياء ، أنقذتهم العواطف ، بمعن الحب الذى بدونه ينعدم الشغف ، ونضل الحقيقة ، ونتوه وسط ضباب لا نهاية له .
فالعاطفة الوجدانية أو الحب ، ليس مطلوبا فقط بين الرجل والمرأة . ولكنه مطلوب فى كل شئ نفعله ، حتى يحسه الآخرون ، ويستفيدون به .
وما أكثر التجارب التى تمر بنا ، تجبرنا على الانصات ، الى قلوبنا .
اذا كان العقل ، السليم ، السوى ، يقرأ سطور القصيدة . فان العاطفة السليمة ،
السوية ، تقرأ ما بين السطور . اذا كان العقل السليم ، السوى ، هو الطريق . فالعاطفة
السليمة ، السوية ، هى الطاقة الايجابية المشعة ، التى تضئ هذا الطريق .
والحب ، هو تلك الطاقة الايجابية المشعة ، التى تفتح كل الأبواب المغلقة ، والنوافذ الموصدة . وحين يحتفل العام ب 14 فبراير ، فهو يجدد الايمان برسالة الحب والعطفة الوجدانية فى حياتنا .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي