|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
مظهر محمد صالح
2023 / 2 / 10
1- تمهيد
بين الفلسفة والادب يرى Derrida فيلسوف المدرسة التفكيكية الفرنسية بان الفلسفة التقليدية من افلاطون الى يومنا هذا تطورت ضمن الفكر الثنائي: الروح والجسد ، المحسوس والمعقول ، الطبيعة والثقافة ، الكلام والكتابة ، الباطنية والخارجية ، الحضور والغياب ، الواقع والمظهر ، المذكر والمؤنث …..وفي خضم تناولي لمؤلف فلسفي عنوانه : مدخل الى تاريخ المفاهيم -من عصر النهضة الى الفكر المعاصر ( من فرانسيس بيكون الى عمو نويل ليفيناس) ، نجد ان الدكتور الاب هاني بيوس حنا في كتابه اعلاه الصادر في العام 2022 ، يؤشر الى الفكر الثنائي Dualism بات يشكل من كل تلك التعارضات الثنائية مجموعة قيم تؤدي الى تخفيض قيمة احدى مصطلحي الثنائية بشكل منهجي . وعند مقارنة ذلك مع
المفكر الانساني حسين العادلي ، كقدرة فكرية مشرقية شديدة الحداثة نراه يمسك بملامح واصول المدرسة التفكيكية المشرقية oriental deconstructionism ان جاز التعبير في كتاباته ويومياته اللاهبة التي تشخص العقل الشرقي في الكلام والكتابة . اذ يتولى العادلي عملية انتاج الاختلاف difference كما يسميها الاب هاني بيوس حنا في كتابه الفلسفي آنفا، وهي العملية التي تكشف اختلاف المفاهيم .فالاختلاف (كما يقول الاب ) هو مصدر وديناميكية الفكر الفلسفي . فالثنائية التي يقدمها العادلي في يومياته الفكرية التي سنراها لاحقاً تقوم على ارضية ثقافية افرزها المجتمع الشرقي مثلما هي في المجتمع الغربي .اذ تتاصل كل ثقافة في عالم فكر وميتافيزيقيا خاصة بتلك الثقافة نفسها . لذلك يتمثل التفكيك في الكشف عن تلك المتعارضات (اي تفكيكها )من خلال البرهنة على منطقيتها .وحسب Derrida فان تفكيك النظام لايعني تدميره . ولاسيما بعد ان اولت الفلسفة التقليدية الكلام اهتمامًا مفرطاً تحت مظلة : اقتراب الفكر من نفسه ولكن على حساب الكتابة نفسها ، الا ان Derrida يوكد ان الكتابة هي تمثيل مشتق من ذلك ، وان اسبقية الكلام على الكتابة التي يطلق عليها بالمركزية الصوتية ( اللوغوسية) جاءت من محاولة بعض الفلاسفة دراسة العلاقة بين النص والمعنى ليتحدوا باسبقية الكلام ،بكون الكتابة ماهي الا صورة رمزية ،بل انها صورة الصوت او الكلام .
هنا يقف Derrida ايضاً كما يقول الاب هاني بيوس حنا ضد المركزية الصوتية او ( اللوغوسية) :
بان العقل يوجد بمعزل عن التغيرات اللغوية .
2- لما تقدم ،يذهب المفكر حسين العادلي في ثنائيته التفكيكية المشرقية متناولًا على سبيل القول فكرة
بالقول:
• عَلامَة النُضْج (الحِكمَة)، فاستَدِل بها على الحِلْم والسَّفَه.
• عَلامَة الغِنى (العَفاف) لا الثروة، عَلامَة الفَقر (الطّمَع) لا العَوَز.
• (السّكُوت) عَلامَة خَوفٍ وحَاجة، قبل أن يكون عَلامَة قَناعةٍ ورِضَى.
• (الحَياء) عَلامَة الرِّفعَة، (التَهَتُّك) عَلامَة الضِّعَة، وحياة دونما حَياءٍ (جِيفة).
• عَلامَات (العَجْز) ثلاث: التّمنّي، التَشاؤم، والإتّكال.
• كما عَلامَة (الزَّريبَة) العَلَف، فعَلامَة (العبودية) الطَمَع. (إطمَع) تُستَعبَد.
• عَلامَات (القائد) ثلاث: الحِكمة، الإقدَام، والتّضحِية، ودونها العَجز.
• سِياسة بلا قِيَم (طَريق) بلا عَلامَات.
3- فالاختلاف والتباين وديناميكيتهما تضعني حقا كي احاكي شي من الكتابة التفكيكية المشرقية في موضوع (العلامة) كي احدث نفسي بالقول:
ربما ترادف (العلامة) مفردة السمة او الامارة …. وهي جميعها رموز لافعال تقود الى نمط او تشكيل كلام الجماعات البشرية وتصرفاتها بدلالات ومؤشرات تعبر عن سلوكياتها وتضمها العلامات او السمات او الاشارات.
فالعلامات هي شفرات الحياة ومغالق ابهاماتها …فأحكم الناس واقدرهم هو من يستطيع فتح العلامات او تفكيك شفراتها …وهي اشارات تخفي سلوكًا كامنا ومحتملًا لا محالة … فلا يخفى علاماته قسراً الا من يبيت امرا …فهكذا هي الحياة تقدم شفراتها عبر مغالق هي رموزها ،والعاقل التفكيكي هو من يحمل مفاتيحها .
4- كما يذهب العادلي في ملامح مدرسته التفكيكية المشرقية في تناول ظاهرة مجتمعية شديدة التاثير في حياة ونفاد القدرات الانسانية وهي
بالقول :
• جُودَة (العَقل) بالأسئِلة، وتَلَفه بتأبيد الأجوِبة.
• (السَّفَاهَة) تَتلِف الجَدوى، (التَّفاهَة) تَتلِف المَعنى، وبهما يُتلَف (العُمر) حَسَرَات!!
• مَنبَع (التَّلَف) الإهمَال، الإهمَال تَقصِير وتَفرِيط وإِغفَال.
• (المِتلاف) ثلاثة: الجَشِع، الشَّحِيح، والسَّفيه.
• في (التّجَارة) تكون الأمَانة (سَريعة) التَّلَف، وفي (السّياسة) تكون الإستِقامَة (قَابِلة) للتَّلَف!!
• (مَوانِع) تَلَف النَّاس ثلاثة: القِيَم، القَانون، والقُدوَة.
• (تَلَف) العَامَّة بِفَسَاد الخَاصَّة.
• كما تَتلَف (الدّوَلة) بالحُكم الجَائِر، تَتلَف بالحُكم الخَائِر.
5- فاذا كانت البنيوية كما يراها الفيلسوف اللغوي الروسي رومان جاكبسون تستخدم اللغة كاداة تعليل لدراسة علاقات التعارض والتكافؤ ،سواء صوتًا او كتابة كبنية لتشكل نظاما من الاشارات التي تكونها ، فان الفرق بين البنيوية والتفكيكية ينتهي الى مكامن الفرق في ماهية المعرفة لدى كل جانب فبالنسبة إلى التفكيكين يرون المعرفة على أنها أمر حسي ومعنوي يتم إدراكه من قبل القارئ والمُتلقي للمعلومة، ويتم تحليلها بناءً على تجاربه الخاصة وثقافته، أما بالنسبة إلى البنيويين فيرون المعرفة على أنها أمر مادي يمكن تحليله وضبطه بقواعد يتقبلها العقل ويعمل على كشف حقيقتها.
ولكن تبقى التفكيكية المشرقية من جانبنا عند تناول موضوع (( التلف)) مما يقول العادلي في اظهار قوة الاختلاف بين الكلام والنص هي تجسيد لما بعد البنيوية post structuralism منوهين بهذا الشان ان ثمة اختلاف في مسارات الحياة بين الاستقامة والتلف نفسه .فتلف الحياة وجودتها ياتي سراعاً من الصراع نحو ثبات استقامتها قبل ان تستنفد طاقاتها ، فكثرة الطرق على الاخاديد الملتوية دون جدوى (تتلف ) استقرار انبات الارض وتقوض توازناتها وسكونها بمطارق فاقدة الاستقامة. فالاستقامة والتلف مشروعان متلازمان يتسابقان سراعا نحو نهاية الشوط دون فوز يذكر بالضرورة في عالم اكتض بدروب كثرت التواءاتها .
ختاما: حقا انها الحياة في اوجه العاطفة والحكمة والجموح والسكون والحب والكراهية وهي تسير وتتبدل في كل لحظة الى مستوى مختلف يحمل ثناءيات الاختلاف كلها وبلون اخر وطعم اخر وشخوص اختفت وشخوص ظهرت على مسرح التعاطي بين البشر …انها قصة الانسان في التبدل والتطور والتقدم والتقهقر حتى تضع الحياة اوزارها .
(انتهى)