![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
الطاهر المعز
2023 / 2 / 3
للرأسمالية مبدأ واحد هو الإستثمار للحصول على أقصى حدّ من الربح، فلماذا تُرسل الدّول الرأسمالية المتقدمة، من أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمعدات الحديثة إلى أوكرانيا؟ لسببين على الأقل: أولهما الموقع الإستراتيجي لأوكرانيا التي تقع على حدود "العدو الروسي" وثانيهما لأن الأراضي الأوكرانية غنية بالمعادن بالإضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، فالتيتانيوم، على سبيل المثال، معدن نادر موجود في أوكرانيا، لذلك سيكون هناك "عائد على الاستثمار" الرأسمالي في الأسلحة والدّعم لحكومة أوكرانيا، حارسة المصالح الأمريكية.
التيتانيوم معدن مهم في الصناعة وخاصة في قطاع الطيران والفضاء لأنه يجعل من الممكن الجمع بين الصلابة العالية وخفّة الوزن، في بناء السّفن والطائرات والمُعدّات ذات الإستخدام المدني والعسكري، وتكمن قيمة التيتانيوم في صعوبة الحصول عليه وتنقيته التي تتطلب (التنقية) تخصيبه قبل استخدامه في التكنولوجيا العالية، ليبقى في النهاية جزء صغير فقط من الخام المعالج، تمامًا كما اليورانيوم، ما يزيد من أهمية وقيمة التيتانيوم في الصناعة بشكل عام والصناعة العسكرية بشكل خاص.
توجد رواسب التيتانيوم في أوكرانيا وروسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، لكن الطّلب يفوق حجم الكميات الموجودة في العالم، إذْ لا توجد رواسب كثيفة، لكنه موجود في الخامات، حيث يتم استخراج إلمنيت، وهو خام لإنتاج التيتانيوم، في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ويتم نقل المواد الخام المستخرجة إلى أوكرانيا لتتم معالجتها، ثم تخصيبها وإرسالها إلى روسيا لتصنيع التيتانيوم وقطع غيار الطائرات، وإذا كانت المواد الخام تحتوي على كميات ضعيفة من التيتانيوم ( أقل من 10% )، فإن استخراجه على نطاق صناعي غير مربح، وكان الإتحاد السوفييتي قد جعل من أوكرانيا دولة صناعية متطورة، واستثمر في مساحات كبيرة من إنتاج الموارد الطبيعية والفحم والمعادن والعناصر المشعة للطاقة النووية...
أدى انطلاق الحرب في أوكرانيا إلى توقف إنتاج التيتانيوم على الأراضي الأوكرانية، بينما يتواصل الإنتاج في روسيا حيث لا يوجد سوى منتج واحد يقوم بِبَيْع التيتانيوم إلى الدول الغربية، وقطعت الحرب هذه السلسلة، من الإنتاج في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، والنقل إلى أوكرانيا، للمعالجة قبل إرساله إلى روسيا...
أعلنت شركة Boeing الأمريكية، في آذار/مارس 2022، تعليق مشتريات التيتانيوم من روسيا وإغلاق مكاتبها الفنية في هذا البلد، إثر قرار مُقاطعة روسيا، ما أدّى إلى ارتفاع الخسائر الصافية لشركة "بوينغ"، خلال في ثلاثة أرباع سنة2022، بمقدار 78 مرة، لتصل إلى 4,3 مليار دولار، بسبب انهيار التعاون الاقتصادي مع روسيا.
كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها شحنات الأسلحة الهجومية إلى أوكرانيا، فإذا فازت أوكرانيا، تُسيطر الولايات المتحدة على الاحتياطيات الضخمة من المعادن ومنها التيتانيوم، وتستغلها لصناعة الطائرات العسكرية والذخيرة، لأن التيتانيوم هو واحد من 35 من المعادن الحيوية لاقتصاد الولايات المتحدة والصناعة العسكرية، والتي تستورد 90% من احتياجاتها المعدنية.
تقترح بعض الدول الأعضاء في الناتو (بولندا والمجر ورومانيا) تقاسم الأراضي الأوكرانية، بحجة إنشاء "مناطق محايدة"، وهي نوع من "المنطقة العازلة"، منزوعة السلاح رسميًا بين حدودها وروسيا، لتبرير تقسيم أوكرانيا ولإرضاء مطلب روسيا بضمان أمنها، لكن قرارات الحرب والسّلم لا تُتَّخَذُ في وارسو ولا في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بل في مبنى "البنتاغون"، بين جنرالات الحرب ومُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية. أما الدّمار وارتفاع عدد الضّحايا فَيُصَنَّفُ ضمن "التّأثيرات الجانبية" !!!