حيوان طبيعي 1996(كيم كي دك):نقطة اللاعقل

بلال سمير الصدّر
2023 / 2 / 3

هو الفيلم الثاني في مسيرة كيم كي دك الذي وكأنه لازال ضمن تصنيف كائناته،فشخصياته لازالت من نوع خاص،وكانها في مستوى متوسط بين الانسان العادي الطبيعي وبين البلاهة او الحمق،ولكن لايبدو هذا التوسط بالنسبة لنا صحيحا أو دقيقا جدا...أو ربما هناك وجهة نظر أخرى من الممكن طرحها في خضم هذا الموضوع...
(أوين جهاي)،مغترب كوري في فرنسا ورسام منبوذ يرسم لوحات لايرغب أحد في شرائها،وهو يسرق اللوحات التي يقوم زملائه برسمها ليبيعها في الشارع العام كصدقة لمتشرد أكثر منها تجارة حقيقية،وفوق ذلك فهو متهم بالحيوانية وقلة الذوق.
يضرب أحد زملائه ويستخدم دمه كلون لإضفاء لمسته الابداعية الخاصة على احدى اللوحات التي يرى بأنه ينقصها اللون الأحمر.
.منذ البداية كان كيم كي دك متطرفا،واستخدامه الدائم لنفس العناصر المنحصرة بالقسوة،فهذا لايعني أبدا بأنه كان يكرر نفسه،بل هو يستخدم نفس العناصر ولكن ضمن ابداع جديد،ورؤية وحبكة ابداعية مختلفة وجديدة.
هل شخصيات كيم كي دك شخصيات مجنونة...؟
لايمكن انكار أن شخصيات دك تعاني من اضطراب عصبي عنيف،لكنها تبقى في النقطة الفاصلة بين الجنون وبين اللاعقل،تلك النقطة التي كانت سمة-أو ربما ابتدعها-نرفال أو نيتشة أو آرتو أو سلفادور دالي...
منذ مستهل القرن التاسع عشر كان هناك قيمة كبيرة لدرجة القداسة لتلك النقطة،نقطة اللاعقل،كثيمة انسانية شكلت فيما بعد مدارس فنية وفلسفية كبرى.
اللاعقل،لايتعلق بمصداقية الشيء الذي تم الاتفاق عليه،وهو بالأساس ثيمة عامة لمسرح اللامعقول بحيث يتعلق بمصداقية الشيء نفسه...
هو يتعلق بمنظومة قلب القيم التي هي ليست خاصة بنيتشة وحده...الشكل الفني غير المألوف الذي اصبح ثيمة فنية(انقلابية) بحد ذاته،على شاكلة مسرح القسوة والسوريالية ومسرح اللامعقول.
من خلال عنوان الفيلم،تكتسب الشخصية نوعا من الحيوانية،نوعا من شيء أقرب الى الجنون...نوعا من شخصية انسانية لازالت في طور التكوين الحضاري...ما يفعله كيم كي دك ليس تمثيلا أبدا لمسرح القسوة،انها اعادة الانسان في خضم حضارته المزيفة الى عنصر التكوين الأول...الشكل البدائي الأولي للإنسان.
يتعرف(أوين جهاي) عتلى كولين،وهي فتاة تعرض نفسها كتمثال في الساحة التي يبيع فيها اللوحات وتنشأ علاقة حب بينهما-مفتعلة في أحداثها-وتنتهي بالشكل الطبيعي،أي الجنس الخالي من أية محاذير،وهناك جرعات كبيرة من هذا النوع من الممكن التغاضي عنها بسهولة في هذا الفيلم...
ولكن كيم كي دك يؤكد على الحضور الجنسي في كل افلامه،ليس كلقطة لتصوير علاقة حب عابرة فقط،بل ليقول ايضا أن كل شيء في هذه الحياة مختلط بالقسوة حتى الحب.
الجنس ليس مقدمة للعبور نحو الموت،بل هو محرك اساسي للإنسان ولكل انسان،والحضارة لن تنفي ذلك،بل استغلت هذه النقطة لتخلق انسان يلهث بقوة نحو الجنس.
الثيمة ليست عابرة في الفيلم ولا يمكن التغاضي عنها...ببساطة هي جزأ لا يتجزأ ...انها الجذر الانساني الطبيعي للانسان مع حدوث بعض التداخلات.
يتعرف أوين جهاي على هونغ شان،ليشكلا بعد ذلك عصابة من نوع التحت أرضية،وسنغض النظر عن الحديث عن الحبكة،لأن هذه الحبكة ناقصة وغير مقنعة،وفيها الكثير من لافتعال مع محاولة صنع فيلم تجاري مدموج مع العناصر المألوفة لسينما كيم كي دك.
أثناء جماع هونغ مع عاهرة،هناك قسوة،ولكن هذه الحركة تعبر عن غضب داخلي مرتبط بالذكرى الأليمة لسنوات الحرب...أنها ليست الحدود الفاصلة بين الموت والجنس...انها القسوة المرتبطة بالذكرى الأليمة ...محاكمة الانسان من خلال ارتباطه بالقسوة مع الآخر.
الدعارة امتهان،والحرب امتهان،ونحن لانستطيع ان نغض النظر عن تصرف لنضفي عليه نوعا من البراءة المرتبطة بقسوة الذكريات...
ولكن...ماذا لو يتحول الفيلم الى حرب شعواء حول الانثى...
كولين-المختلطة الاعراق-تضرب بقسوة من قبل عشيقها والتي سرعان ما ستقتله بسمكة متجمدة مدببة تطعنها في قلبه،ولايجد اوين جهاي طريقة ليخلص صديقته سوى بقتل صديقة هونغ شان.
بينما هونغ يعشق رولا التي ساعدته ذات مرة في القطار وهي تعمل في التعري ولا تلتفت اليه اصلا،بحيث اصبح هونغ يقيم علاقة حب مع عرض اباحي للعراء....
بدا أوين جهاي ذو نزعة انانية اقرب الى الانسان في مرحلة التكوين،أي مرحلة التحضر،وحتى هونغ غير بريء من الانسانية وعقدة الامتلاك لأن رولا تعشق ايمي حد الجنون.
وحتى رئيس العصابة التي انضم اليها كم من أوين وهانغ يقتل نتيجة امتلاك احد اتباعه لحبيبته....
‘ذا،الجنس لم يخرج كمحظور من دائرة الحجز عند كيم كي دك،بل هو نكوص نحو الطبيعة...نحو الانسان نحو الانسان بوجهه الأول إذا تركت له الحرية في اطلاق سجاياه على طبيعتها...
استطاع كلاهما النجاة-غير المصدقة-من موت مبالغ فيه ولا يمكن الفكاك منه،ولكنهما لم يستطيعا الهرب من موت سهل جدا،موت منقلب على نفسه لأن المصدر هنا هو الأنثى...رولا التي قتلتهما انتقاما لحبيبها.
على الرغم من ان قتل أوين لإيمي لم يكن مجانيا بل هدفه هو الصاق التهمة بصديقه،ولكنه قتل هو الآخر،والنتيجة كانت واحدة...قتل على يد انثى
أوين جهاي من ناحية،او من ناحية أخرى فرض عليه من قبل المجتمع التوقف عن الاندماج،حاصة ايضا بأنه يمتلك نزعة واضحة من اللاعقل منعته من التماهي مع الشخصية البشرية الطبيعية...
ان كان ما حدث ل اوين هو نتيجة الواقع،أو نتيجة المجتمع،أو حتى نتيجة القدر معمي البصيرة،فاعتقد أن ما مر به اوين جهاي قادر على جعل شخص،أي شخص بالنكوص نحو حالة اقل حضارية من حالته الحالية.
01/10/2022

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي