هل مازلتَ تدخّن ؟؟

جواد كاظم غلوم
2023 / 1 / 29

الا زلت ماسكا السيجارة بين أصابعك وتمتصّ دخانها ليتوغل الى رئتيك يا صديقي المدمن مثلي !!
لا بأس فما زالت هناك فسحة كبيرة من الأمل لاستعادة عذرية رئتيك ، لم يفت الأوان بعد ؛ فقد أثبتت التجارب الصحية المختبرية في انكلترا مؤخرا أن الإقلاع عن التدخين حتى بالنسبة للمسنّين ممن يتجاوزون السبعين عاما يستعيدون نقاء الرئتين وتنقية القصبات الهوائية من آثار التدخين ، فهناك من القصبات الهوائية في الرئة انزوت بعيدا كلّ تلك السنوات الطوال من مؤثرات التدخين المتواصل دون ان تتأثر بكل هذه السنين من المواد المسرطنة وغير المسرطنة التي يسببها التدخين وفلتتْ بقدراتها التي وهبها الله لها من مناعة حصينة اي أنها مندسّة ونائية بعيدا " خاتلة " كما نقولها بالدارجة العراقية ولم يصبْها أيّ ضررٍ طوال سنوات المواصلة على الإدمان .
ومع ان التدخين يعتبر من أسوأ أسلحة الدمار الشامل ، وقد أهلك من الأرواح البشرية بما يفوق ضحايا كل الحروب العالمية وغير العالمية ؛ وتأكد بما لا يقبل الشكّ انه المسبّب الرئيسي لسرطانات الرئة والبلعوم والمثانة ولوكيميا الدم وغيرها الكثير من الأمراض غير السرطانية أيضا في القلب والرئتين والشرايين .
لكن الأمل مازال قائما لو سعى الإنسان المدخّن الى سحق السيكارة بأقدامه وعزم على قتل هذه العادة القاتلة كأية حشرة سامّة ؛ وهذا ما قاله مجموعة من علماء الطبّ في بريطانيا مؤخرا وفي نهاية السنة الفائتة / 2022 ولم يتباطأ بحثهم الدؤوب رغم تفاقم الكورونا وتفرعاتها المخيفة حين عزموا على زرع الخلايا الظهارية للقصبات الهوائية وأجروا التجارب المختبرية على " 16" شخصا سبق وان أقلعوا عن التدخين واتضح ان رئاتهم لم تصب بسرطان القصبات الهوائية مع أنهم كانوا من مدمني السيجارة لأكثر من أربعة عقود .
كما دلّت بحوثنا في العراق أيضا أن التدخين يسبب سرطانات الرئة والبلعوم والمثانة البولية وسرطانات أخرى علاوة على أمراض غير سرطانية في الرئتين والشرايين والقلب وغيرها . فهناك ما لايقلّ عن ستين مادة مسرطنة في دخان السكائر وعشرات المواد المطفّرة التي تؤدي الى سرطان الرئة والتي تسمى " Mutagenic " .
إن الإصابة بسرطان الرئة معروف وبائن تماما من الدراسات الوبائية . لكن لم نكن نعرف قبلا التغيرات الجينية التي تسبب التقليل منه ؛ وما هي التغيرات الجينية في خلايا ظهار القصبات الهوائية بسبب التدخين ؟ وماذا يحدث عند ترك عادة التدخين؟
ففي بحث نشر في مجلة Nature حديثا ، قام مجموعة من العلماء في إنگلترا بزرع الخلايا الظهارية للقصبات الهوائية من 16 شخصا لم يكونوا مصابين بسرطان القصبات الهوائية بالرغم أن بعضهم كان مستمراً بالتدخين وآخرين تركوا التدخين ، وعزلوا الخلايا بحيث تكون كل خلية على حده ، ثم زرعوها وحصلوا على 632 سلالة خلوية فقاموا بدراسة تفصيلية للجينات الطافرة mutated فوجدوا أن هذه الخلايا تحوي من ألف إلى عشرة آلاف طفرة وراثية في جينات خلايا المستمرين بالتدخين وقد تصل الى حوالي 25% من الخلايا .
بعض الطفرات الوراثية لدي المستمرين بالتدخين كانت طفرات مسرطنة أكثرها وأهمها" P53 " الذي يقوم عادة بمنع الطفرات الوراثية في الخلايا بمراقبة سلامة ال DNA الجديد بعد الإنقسام . إذ انّ طفرات ال " p53 " يبدو كأنها مشتركة بين جميع الخلايا التي تحوي طفرات وربما تحدث بصورة مبكرة عند الشروع بالتدخين .
بعض الخلايا كانت تحمل طفرات في Notch 1 الذي يؤدي إلى تسريع إنقسام الخلايا . هذه الطفرات تعتبر طفرات " قائدة للسرطان Driver mutation “وتشبه تماما الطفرات في خلايا سرطان القصبات الذي يصيب المدخنين ( رغم أن الخلايا المفحوصة كانت تبدو " طبيعية " مجهريا وهؤلاء المدخنون لم يكونوا مصابين بالسرطان بعد .
في الحقيقة انّ بعض الخلايا كانت تحوي طفرتين أو حتى ثلاثة طفرات قائدة .
بالإضافة للخلايا الطافرة كانت هناك خلايا نجت من تأثير الدخان ، غير مصابة بطفرات كما أن طول تيلوميراتها Telomeres " " كان طبيعيًا أي أطول من الخلايا الطافرة .
هذه الخلايا " الناجية " يبدو أنها كانت في حالة هدوء " يعني " خاتله " كما نقولها بلهجتنا العراقية فنجت من سعير النار ؛ هذه الخلايا السليمة التي حافظت على فتوتها هي التي ستنمو من جديد وتعيد ظهار القصبات الهوائية لشبابها عند التوقف عن التدخين وتستعيد عذريتها .
ويؤكد المختصون بطب المسنين geriatrics " " أن الذين يتوقفون عن التدخين في أي سن كانوا يلاحظون تحسناً في أدائهم الصحي العام ونشاطهم حتى الواصلين الى سن التسعين سنة .
أملنا أن يستطيع شبابنا وكهولنا إعادة ترتيب حياتهم والإقلاع عن التدخين للتفرغ لبناء أنفسهم وترقية هذا الوطن بعد التخلص من مؤثرات التدخين البالغة الضرر مثلما نطهّر بلادنا من مفسديه والعابثين به مثلما تجدد الرئة شبابها بعد التخلص من التدخين .

جواد غلوم

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي