قطار آخن 53 الفصل الأخير

علي دريوسي
2023 / 1 / 18

أخيراً، بعد مضي ست سنوات على إقامة إبراهيم في إنكلترة، بعد مضي أكثر من سبعين شهراً على عزلته وانشغاله ببحوثه المكثفة، جاء موعد تتويجه بدرجة الدكتوراه، تماماً في اليوم الذي كان يدافع فيه عن نتائج إطروحة الدكتوراه التي أذهلت أعضاء لجنة التحكيم، تماماً في ذلك التوقيت وقع ما لم ينتظره العالم أبداً!

كان حدثاً جَلَلاً، ضربة معلم فلقت خارطة الاتحاد الأوروبي وفاقت في خطورتها وعظمتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، انفجارات أسطورية متعاقبة هزّت ورجرجت أركان نفق المانش، اشتعلت حرائق هائلة، تفحَّمت جميع القطارات والآليات المسافرة في ظلمة النفق، خلال دقائق معدودة على أصابع اليد الواحدة تمزق جسد النفق، اِنهار عن بكرة أبيه، صار أشلاءً واختفى في أغوار البحر الهائج في غمضة عين، انشطر البحر إلى جزءين وتلاشى النفق الأوروبي العظيم في الجوف النهم، غاب في الظلمات وكأن شيئاً لم يكن يوماً.

**

في تلك اللحظة كانت كلمات الأمير في سياق إحدى نقاشاته الرافضة لفكرة الاتحاد الأوروبي كما هو عليه، هي أول ما خطر على بال إبراهيم:

"من يحاول الاختباء خلف ضجيج كلماته، عليه أن يحذر الصمت المطلق".

كان الأمير يرى بأن أوروبا اليوم تتكون من العديد من قطع بانوراما المتباينة كما الحال في أحجية صور مقطّعة، وقد تم الضغط على هذه القطع غير المتجانسة بالقوة وتحجيمها في هيكل خاطئ من قبل الحكومات القوية، وهكذا ـ وبحسب رأي الأمير ـ يجب على الإنسان العاقل أن يفكك الصورة الكبيرة المزيفة إلى مكوناتها الأولية، وأن يتأمل جميع الأجزاء الفردية بهدوء وروية مع التقدير لخصوصية وجمال وأهمية كل جزء، ثم إعادة ترتيب وبناء الصورة الأكبر بعناية وهدوء ومنطقية وعدالة.

**

التقارير الهندسية التحقيقية والآراء السياسية التحليلية التي صدرت لاحقاً بتكليف وتمويل من الحكومات المعنية بيّنت بأن وراء الأكمة ما وراءها، خلف كارثة انهيار النفق ثمة عمل إرهابي عبقري مائز خُطّط له على مدى سنوات وتم تنفيذه في ورشات صيانة القطارات المخصصة للأغراض العسكرية، الفرضية التي دعمّها وساندها أساتذة التصميم الهندسي وعلم المعادن ومقاومتها في جامعات بريطانيا وألمانيا وفرنسا.

ثمة حزوز متتالية في الأعمدة الرئيسية لنقل القوى والعزوم يُعتقد أنها تطورت إلى كسور بوتيرة تسارعية مخطّط لها مسبقاً، شرعت هذه في التبلور والظهور في الوقت ذاته في قطارين مسافرين باتجاهين متعاكسين، كان كل منهما يجر خلفه خمس وثلاثين عربة شحن متخمة بالأسلحة الفتاكة والذخيرة القاتلة والمواد القابلة للانفجار في كل ثانية، كان أحد القطارين قادماً من فرنسا بعد أن تمّ في مخابرها فحص شحنات الأسلحة المعدة للتصدير إلى بلدان العالم الفقيرة رغم غناها بالموارد الطبيعية، والآخر كان في طريقه لإجراء الفحوصات والاختبارات اللازمة.

بفعل الذخيرة والمواد الكيميائية التي كانا ينقلانها انقلب السحر على الساحر وانزلق القطاران عن مساريهما لحظة وصولهما إلى منتصف القناة وانفجرا بوحشية لا يمكن تخيلها، الانفجار الأول سبّبَ انفجار قطارٍ ثان وثالث ورابع في آن واحد، وتصادف الحدث هذا مع مرور قطار الشرق السريع السياحي الذي كان محمّلاً بمئات المشايخ والأئمة المسلمين القادمين من المملكة العربية السعوية لعقد مؤتمرهم السنوي المعتاد في العاصمة لندن.

**

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي