اعلان مصر دولة هادئة عام 2023

منى نوال حلمى
2023 / 1 / 7

--------------------------------------------------------------------------- ------------------------------------------------------------------------------------

وتبدأ «صفحة» جديدة من «كتاب» الزمان.
«زهرة» أخرى، تطل من «بستان» الوجود تُرَى أنعرف القراءة؟. وهل نجيد فن التعامل مع الزهور؟. تمنحنا الحياة وقتا إضافيا لكى نثبت بالأدلة القاطعة أن بين ضلوعنا «قلوبًا» عاشقة خيرة عادلة ، ونستحق أن يمتد بنا العمر سنة أخرى.
كم هى «كريمة» الحياة وكم هى «بنت أصل»، صحيح تغاضت عن أفعال البشر التى تلوث «جلد» الكون بالدم وطفح الكراهية ودمامل الطمع، تسامحت مع الكذب والخوف والنفاق الذى يرفع حرارة هذا الكوكب، تناست أمراض التملك الغاشم والنزعات المستبدة لاحتلال الأرض والنساء والفقراء والكبرياء، تجاهلت ضحايا تناثرت أشلاؤهم باسم الجهاد فى سبيل الله وتحت راية صحيح الإسلام والحرص على الدين والفضيلة أو ثأرًا للشرف الذكورى.
تغاضت عن سطوة اللهجة الدينية وإرهاب المشايخ وفتاواهم السلفية المتجهمة المضادة لكل ما هو مضيء ومشرق ومحفز للحرية ، ولـ«ثقافة» الاستمتاع بالحياة ولكل ما هو محرض على سفك دماء «حضارة» الفرح.
شكرًا للحياة التى نحولها إلى «مقبرة» لا حدود لها و«سرادقات عزاء» لا تنتهى ، ومع ذلك لا تيأس من إصلاحنا.
شكرًا للحياة التى نذبح أشجارها ونسكب عليها غليان تعصبنا وحقدنا ، ولاتزال «تراهن» علينا لعدل الميزان المائل.
ماذا أكتب مع بدء عام جديد؟.
هل أرصد أحداث العام الماضي؟ . لاأحب النظر إلى الخلف والتفتيش فى جيوب الماضى.
تختلط المشاعر وتتشكل داخلى آلاف اللوحات.
أرى وطنا غير الوطن ، أتخيل رجالا غير الرجال ، نساء غير النساء ، ضحكا غير الضحك ، حزنا غير الحزن، أغنيات غير الأغنيات ، قصائد تعلن حرية كل الأشعار ، أمنيات غير الأمنيات ، أخلاقا غير الأخلاق، هدوءًا يلف الكون ، وعشقا يرفعنى إلى مجد الأشواق.
مع بداية كل عام تكبر سنوات عمرى «سنة» وتصغر أمنياتى وأوهامى أزمنة . أعاهد نفسى بألا تجرفنى الأمواج ، وأن أظل نشوانة بسباحتى بعيدا عن شواطئ الصخب والتشابه والعيون المحدقة.
كل عام «أقرر» ألا أدع سلوكيات البشر تؤذينى أو تغضبنى .
بدأ عام جديد ،وفعلا كما تعودت ، تقلصت الأحلام ، وتواضع جدا سقف رغباتى .
فعلا ، علمتنى الأزمنة المتعاقبة على التواضع ، وعدم الشرود المحلق فى سماوات المحال .
لم أعد أفكر فى الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاعلامية . لم أعد منشغلة بالمرض والموت وعدم السيطرة على خداع الأقدار . لم أعد مبالية هل يصدر كتابى الجديد - ديوان شِعر - فى معرض القاهرة 2023 ، لست مكترثة بتقلبات الطقس والبرودة فى ليال الشتاء ، ولم أعد أهتم بقنوات الاخوان والسلفية ، ووصلات البذاءة والردح الوضيع على السوشيال ميديا ، ولا بمصير العولمة الرأسمالية ، والحرب الروسية الأوكرانية .
ألم أقل أننى تعلمت التواضع ، والنزول بسقف الأحلام ؟؟.
انكمشت تطلعاتى فى عام 2023، ووصلت الى الحلم بالهدوء ، واعلان مصر دولة هادئة قبل نهاية هذا العام . هل هذا ممكن ؟؟. أم أتواضع أكثر ، وأكثر ، وأعتبر الصخب والضوضاء من المعالم المصرية ، التى نرممها ، ونستتثمر فيها ، حتى لا تضيع هويتنا ، ونكون مقصرين فى حق الأجيال القادمة ؟.
أريد الهدوء ، ولا شئ غيره ، ينغص حياتى فى بلدى ووطنى . الهدوء ... الهدوء فقط لا غير ، يا أقدم وأعرق حضارة فى التاريخ .
ألم تسمع حضارتنا التى نعيش فى خيرها حتى الآن ، عن حكمة عميقة ، نبيلة ، راقية ،
تقول : " إن الإناء الممتلىء هادىء الصوت ، بينما الإناء الفارغ يحدث صوتا عاليا ".
مغزى الحكمة ، أن هناك علاقة عكسية ، بين وجود الشىء ، والامتلاء الفعلى به ، وبين حدوث الصخب.
تنبع أهمية ، وخطورة هذا المعنى ، أنه يمتد ليشمل ليس فقط الأشياء ، ولكن البشر ، والحضارات أيضاً.
فالإناء الممتلىء هادىء الصوت.
والإنسان الممتلىء هادىء الصوت..
والحضارات الممتلئة هادئة الصوت..
وحين نتأمل حالنا – خاصة فى الأونة الخيرة – تصدمنا حقيقة سافرة الوجه ، أننا مجتمعات شديدة الصخب..
هناك كمية من "الزعيق" تحاصر حياتنا لا يبررها أى منطق ، سوى أننا أصبحنا نعانى بدرجة مرعبة من " الخواء " الفكرى والروحى.
إن " الخواء " يولد عدم الثقة. ويفجر عدم الثقة – بدوره – أشكالا مختلفة من التوتر. ويكون الصخب فى الحوار ، وفى السلوك ، ضرورة نفسية لتفريغ شحنات التوتر ، وأيضا للتعويض عما هو غائب ، ونفتقد إليه داخلنا . كما أن الصخب –بحكم طبيعته التى تثير التشويش – يمنع صوت العقل الهادىء من الأشتراك فى المجادلة ، وكشف الحجج الواهية أو المفتعلة لأصحاب النبرة الزاعقة ، وبالتالى يكون خير ميكانزم دفاع عن وجود هش ، مهتز لا يتحمل النقاش المنطقى الجاد.
إن الخواء ، كما أنه لا يستقيم مع الهدوء ، لا يستقيم أيضا مع التواضع . إن السنبلة الممتلئة بالقمح تكون فى وضع انحناء ، بينما تأخذ السنبلة الفارغة وضع الوقوف.
الإنسان (أو المجتمع) الممتلىء محصن ضد حماقة الاعتقاد ،أنه خير الناس ، وخير المجتمعات ، ولا يهاب التعايش مع "الآخر" على قدم المساواة .
وعلى العكس ، فإن الإنسان ( أو المجتمع ) الخاوى لا يعرف إلا العلاقة العمودية ، التى تقوم بين " أعلى " و " أدنى " . وبالطبع يكون "الآخر" أيا كان ، هو " الأدنى" الذى يحتاج إلى التقويم ، والتصحيح.
وفى معاداة "الخواء" للتعايش السوى مع " الآخر" ، فإن أصحابه يلهثون – فى المقابل – لإيجاد أى شىء يمكن أن يتملكهم ، ويستقطب طاقتهم ، وغالبا ما يكون هذا الشىء هو التعصب لزعيم سياسى أو نجمة سينمائية أو عصر من العصور التاريخية الماضية ، أو لاعب كرة قدم ، أو نمط صارم من ملذات العيش. المهم أن هذه كلها وسائل هروب لتفادى المواجهة المباشرة ، والحاسمة لحقيقة الخواء الداخلى .
عندما أقول أن أحلامى انكمشت ، واقتصرت على اعلان مصر دولة هادئة ، خالية من الصخب والضوضاء والميكرفونات ، فأنا أعنى مقياسا رئيسيا من مقاييس التقدم الأخلاقى والحضارى ، وتفعيل صارم رادع لحقوق البشر فى الهدوء المحيط بهم طوال الأربع وعشرين ساعة ، ليلا ونهارا ، لى مدى كل الأيام والشهور ، وعلى مدار العام .
سأترك كبرى الأحلام والأمنيات ، لغيرى ، من الناس . أما أنا فسأكتفى بالهدوء .
حينئذ ، اذا انتفت الضوضاء والصخب والميكرفونات ، وحل الهدوء ، ربما أستطيع التفكير بشكل أفضل ، وربما أحلم بأشياء أخرى .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي