2023 ... عام جديد يؤكد القسم لأمى بألا أتزوج الا - القلم -

منى نوال حلمى
2023 / 1 / 2

2023 .... عام جديد يؤكد القسم لأمى بألا أتزوج الا " القلم "
-------------------------------------------------------------------


حزم عام 2022 حقائبه ، ارتدى بالطو المطر ، أشعل سيجارته الأخيرة ، أطفأها فى حنايا قلبى ، ودون وداع رحل .
لم يودعنى عام 2022 ، الوداع الذى يليق بامرأة لا تعترف بمرورالأعوام ، ولا تطوى أوراق سنوات العمر . عاشت قبل اختراع الزمن ، وتموت على هوامش الوقت .
لم يخبرنى كيف أعيش عاما آخر ، فى عالم أضيق من مساحة جسدى ، أخلاقه تفسد مذاق قهوتى . قوانينه تخدش حيائى ، رجاله لا يصلحون لعدل مزاجى ، ونساؤه كافرات بحكمتى .
عام آخر مع عالم ، يرسل البعثات الى الخارج لتعليم للنساء قبل أن يولدن ، كيف يصبحن ملكات جمال ، وربات بيوت ، ودمى اعلانات .
مات عام من العمر ، وأنا على قيد حياة ، أجبرتنى على أن أحمل اسم الأب ، واسم الزوج . جرمتنى وكفرتنى ، وفى النيابة العامة فتحت تحقيقا وحاكمتنى ، عندما أعلنت أننى أريد أن أحمل اسم أمى .
لم يقل لى ماذا أفعل ، مع حضارة عالمية تنفق المبالغ الخيالية ، لتخترع الحديث والأكثر فعالية ، لكسر أجنحتى ، ولتجعلنى أشك أن اللبن الذى رضعته من ثدى أمى ، كان منتهى الصلاحية .
ذهب عام 2022 ، دون وديعة فى البنك ، تعوضنى عن ارتفاع أسعار الفرح والحنان ،
تنسينى أن الجيوب والبطون المنتفخة هى التى تصنع مكانة الانسان ، وأن تمردى وأثاث ذكرياتى وتفردى فى المزاد ، يباع بأرخص الأثمان .
سافر عام 2022 ، هكذا بكل بساطة ، كما سافر أحبائى الى التراب ، ولم يترك لى نصيحة أو مشورة ، أتكئ عليها ، بينما أواصل السير فوق الأرض .
وهل كنت أنتظر مشورة ، أو أتوقع نصيحة ؟؟. هو يدرك جيدا ، أننى لم أستشر أحدا ، حينما قررت رسم ملامحى ، ونحت اسمى واختيار عنوان اقامتى الدائم . يعلم أننى امرأة حمقاء ، لا تستمع الى المواعظ والنصائح ، ديكتاتورية الهوى لا تؤمن بالتشاور وحرية التعبير عن اختلاف الآراء .
وها أنا ، أقف وحدى مع بدايات عام جديد ، أمتطى الحصان الأدهم الرشيق ، لا يؤمن بالمستحيل ، اختارنى رفيقته فارسة الصهيل . أعدنى للقفز فوق الحواجز ، لا يبالى بالاعتراف
والمديح ، لا يعنيه الفوز بالجوائز ............ " القلم ".
ماتت أمى " نوال " ، ولم تورثنى شيئا ، الا " القلم " الأسود ، والشعر الأبيض . تقول لى :
" ربما تريدين يوما أن تغيرى لون شعرك الأبيض ... ولكن اياك ..... اياك يوما أن تغيرى لون القلم ".
أدركت أنها منحتنى كل الأشياء فى الوجود . أليس الأسود والأبيض ، هما أصل كل الألوان ؟؟. سمعت كلام أمى ، وصنعت منه عنقودا من الياسمين الذى تحبه ، ووضعته حول عنقى ، لأتذكر أنه " دين " ، يجب أن أسدده قبل أن ألقاها .
فى بدايات عام جديد ، أهدى كلماتى لمنْ وهبتنى معنى حياتى ، علمتنى الاستغناء عن ملذات ، تذل وتكسر عظام الناس .
هى صومعة اعتكافى ، وشرنقة الأمان ، تشبع جوعى ، تروى ظمأى ، تقوينى ، تؤنسنى ، تعزينى حينما لا يفيد العزاء ، تعوضنى عن سرقة البيت ، والوطن ، والسطو المسلح على عمرى القصير .
كلما التقيتها ، تزفنى على رجل يعيش على جزيرة ، وسيم الفكر والملامح والخلق والطباع ، لا يفض غشاء بكارتى . لمساته على جسدى ، نبوءات حضارية تلقاها مع مد البحر . تنفره فكرة أن يعول امرأة ، ديانته عدالة توزيع الخبز والفن والفرح ، يجيد الرقص والغِناء وصنع الفطائر .
" الكتابة " بيتى المحصن ضد الاحتلال والمصادرة . توقيعى على جدران الكون ، لا أحد يستطيع تزويره أو تقليده .
لا أفصل ملابس لأطفال ، يحملون اسم الأب ، ويلقون باسم الأم فى سلة السخرية والعار. والهدية فى عيدها ، لا تنسيها أن عمرها قد ضاع بين روائح غرف النوم والمطبخ والحفاضات .
أنا أفصل «كلمات» ألبسها ، فيتعرى الكذب ، وينفضح الظلم .
لا أشك أننى كتبت أول قصائدى ، وأنا فى رحم أمى . ولا تزال القصيدة الأولى هناك ، تتسائل وهى ضائعة ، تائهة أين اختفت أمى ؟.
حينما كنت أرفض الطعام فى طفولتى ، وأبكى ، تسرع أمى وتحضر لى ما يسكتنى ويجفف دموعى ... القلم والأوراق ، وليس عروسة لأبتلع أمومة مقدسة ، لا أحبها ولا أقدسها. أو لعبة تمهدنى لأصبح على ذمة ذكر ، يخبرنى أن " طاعته واجب شرعى " .
رائع كل ما قاله الفيلسوف نيتشه ، وأروعه : " لا أعترف الا بالكتابات التى خطها الانسان بدمه "، وكأنه يجلس فوق أصابعى ، شاهدا على نزيف ، الكاتبة الأعلى .
تشعرنى " الكتابة " أننى " الهة " ، أصنع بمشيئتى المعجزات ، أو " نبية " مسيرة بالوحى والالهام ، وتفعل الخارق من الأشياء . ورغم وجاهة الفكرة ، لا أطمع فى أتباع ، يؤدون طقوس الايمان ، ويقدمون قرابين الولاء .
" الكتابة " ، تنهينى وتبدأنى . هى موتى وقيامتى .
عودنى " القلم " ، أن يترك كل النساء ، فى ليلة رأس السنة ، يأتينى بالورود ، والنبيذ والقصائد ... يمنحنى قُبلة الزمن الجديد ، ويسمعنى أغنيات أحب صحبتها فى هذه الليلة ... " هذه هى حياتى " ، و " أنا ما أنا " لشيرلى باسى ، وأغنية " اذا لم أغنى أغنية أخرى " لمات مونرو . أما فريد حبيب العمر ، يتناثر صوته وألحانه كالبخور المعتق فى " أول همسة " ، و " عِش أنت انى مت بعدك ".
مع بدايات عام جديد ، أحتضن مؤلفاتى الحاملة اسمى ، وأجدد القسم لأمى " نوال " ، بألا أتزوج الا " القلم " راحتى وعنائى ، حتى الثمالة اليقظة يسكرنى ارتشافه ...... وألا أرضى بسواه ، ليغزل كفنى ، ويستقبل عزائى .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي