فيلم ( عائشة ) قصة مدروسة ومؤثرا حول مسائل الهجرة والبيروقراطية والانتماء ؟؟

علي المسعود
2022 / 12 / 29

فيلم "عائشة" للمخرج فرانك بيري الفيلم الروائي الثالث للمخرج المولود في دبلن . الفيلم يسرد حكاية امرأة نيجيرية تطلب اللجوء في أيرلندا ويلقي الضوء على محنة اللاجئين وكفاحهم . يبدأ الفيلم بمشهد تدريب على الرقص الأفريقي تنكسرتلك اللحظة الممتعة حين يقتحم موظفوا الهجرة مركز حجز اللاجئين ويطردوا عائلة افريقية عنوة لغرض ترحيلها بعد رفض طلبهم وسط صراخ الاطفال وتوسل النساء وإصرار رفيقتهم في السكن عائشة في توديعهم . عائشة أوساجي أمرأة مسلمة متدينة ( تظهر في مشهد وهي تقوم باداء صلاتها) هربت من بلدها نيجيريا وتعيش في أيرلندا منذ ما يزيد قليلا عن عام تعمل كمساعدة في صالون لتصفيف الشعر في دبلن كي ترسل الأموال إلى والدتها (روزماري إيميكاغبون) المختبئة في لاغوس . عائشة فرت من البلاد بعد مقتل والدها وشقيقها وتعرضها للاعتداء الجنسي من قبل رجال أقرضوا المال الى الأب لدفع تكاليف تعليمها الجامعي . لكن هذه التفاصيل لا تأتي إلا بشكل مقتضب وهي تلتقي بمحاميها (لوركان كرانيتش) وتستعد للمقابلة التي ستقرر وضعها وأهليتها لإحضار والدتها إلى أيرلندا وتوضح للسلطات الأيرلندية التهديدات والاعتداء اللذان تعرضت لهما هي نفسها في ذلك الهجوم وطلبت اللجوء حتى لاتتعرض للقتل أذا أعيدت إلى نيجيريا وهو قرار سيتم اتخاذه في مقابلة مهمة للغاية بعد ستة أسابيع من الآن .
المقدمة الافتتاحية للفيلم تؤكد على أن سيناريو بيري يستند إلى التجارب الحقيقية ل "طالبي الحماية الدولية لجمهورية أيرلندا" . تقدم الممثلة ليتيتيا رايت أداء متميزا وتنجح في رسم صورة المرأة الغاضبة وفي نفس الوقت المسيطرة على أنفعالاتها مع الاعنزاز بكرامتها وهي تحاول الحصول على إلاقامة ومن ثم إحضار والدتها المسنة المريضة التي لا تزال تعيش في خطر . يتم التعامل مع عائشة مثل سجينة ، تعامل فظ وقاسي من قبل موظفوا الهجرة في مركز الحجز. في المقابل تجد نعاطف من قبل شاب أيرلندي يعمل حارس أمن جديد يدعى كونور ( أداء جميل ولطيف من جوش أوكونور) . تظهر عائشة مغلقة وحذرة ومترددة بشدة أتجاة االعلاقات الخاصة ، ربما تخشى عائشة (التي هي نفسها منفصلة عن زوج مسيء) التورط مع رجل قد لا يتخلص أبدا من الشك في أنها ببساطة بحاجة إليه للبقاء في البلاد . بالاضافة الى إنها ترفض فكرة أن تكون في موضع شفقة لشخص وحيد للغاية على الرغم من أن كونور شخص يتميز بطيبته وبشفافيته . ليس الكثير في حياة بطل الرواية يسير على ما يرام . خطوتان إلى الأمام وثلاث خطوات إلى الوراء . ونكتشف من خلال المكالمات الهاتفية بأن العودة الى إلى الوطن يشكل تهديد بالقتلوسوف يكون مصيرها المحتوم القتل بشكل مؤكد إذا عادت إلى وطنها . لمحة الأمل الوحيدة لعائشة هي حارس الأمن الأبيض كونور (جوش أوكونور) الذي هو الآخرمنبوذ . هو شاب هادئ يتعافى من إدمان مع سجل لسجين سابق ويحل على وظيفة كرجل أمن شفت ليلي في مركز الحجز .
يطلب من الموظفين عدم التحدث إلى طالبي اللجوء، لكن كونوريتخطى تلك القيود ويقوم بإيماءات صداقة تجاه عائشة ، ويتسلل إلى المطبخ لاستخدام المكروويف المحظورعليها ومن أجلها. يبدأ معها في الدردشة في الحافلة ومن ثم وإلى العمل ، وينفتحان على استحياء على بعضهما البعض حتى مع احتفاظ عائشة ببعض المسافة . عائشة تميل في علاقتها إلى النساء الأفريقيات الأكبر سنا في مكان الإقامة في النزل وتتقاسم معهنً المخاوف والألم . عائشة تنكسر روحها بسبب التصرفات التافهة لمدير مسكنها الذي يتصرف انتقاما من جرأتها في استخدام الميكروويف لتسخين طعامها الحلال ، يصفها مسؤول مركز الحجز العنصري (ستيوارت غراهام) في مقر إقامتها بأنها متمردة ولا تنصاع الى الاوامر عندما تحتج على ترحيل العائلة التي تشاركها غرفتها ومرة أخرى عندما يعلم أنها كانت تستخدم الميكروويف ضد اللوائح لتسخين وجباتها. وتزيد من حقده ونقمته عند شراءها اللحوم الحلال الخاصة بها ومشيرة إلى أن الطعام الذي توفره المنشأة غير مقبول . يقوم ينقلها بعيدا عن أصدقائها ووظيفتها ومحاميها إلى منشأة في عمق ريف مقاطعة ويكلو وهي عبارة عن مجموعة الحاويات المصممة في وحدات سكنية بدائية وتحرم عائشة من عملها في الصالون .
فيلم عائشة دراما مكثفة ومؤثرة من الكاتب والمخرج الأيرلندي فرانك بيري والتي يشير فيها الى قلقا متزايدا في أيرلندا أتجاه اللاجئين القادمين إليها ، إنها دراما للتعاطف والحياة يقدمها لنا اثنين من الفنانين ذوي الكفاءات العالية جدا في ألاداء وهما جوش أوكونور وليتيتيا رايت . بالنسبة لعائشة أوساجي فإن الترحيل دائما ما يكون في ذهنها وتعيش في خوف دائم لكونها عالقة في متاهة من الروتين والبيروقراطية الذي يفضحه الفيلم . الكاتب و المخرج فرانك بيري يستكشف محنة أولئك الذين هربوا من ظروف خطيرة ولجأوا إلى أوروبا بحثاً عن الامان . في النهاية وبعد إنتظار دام عامين وبعد تقديم قضيتها المرفوضة للاستئناف ، تظهر تلميحا من الإحباط الغاضب في تصريحاتها مع الأعتزاز بكرامتها ، قائلة" إنها جاءت إلى أيرلندا من أجل السلامة وليس للحصول على صدقة" . شخصية عائشة التي تشير إلى شجاعتها الهادئة وعزيمتها بالإضافة إلى يأسها وعزلتها ولا سيما في لقطات رائعة لحافلتها ، تبدو وكأنها في عالم آخر أثناء تجولها على طول الطرق الريفية وسط التلال الخضراء.
عملية طلب اللجوء في أيرلندا هي طاحونة طويلة من الإهانات التراكمية والروتين المحبوك إنها عملية مجردة من الإنسانية ، ولكنها فشلت حتى الآن في سحق روح عائشة (ليتيتيا رايت)، تبدو دراما فرانك بيري الحساسة مؤثرة للغاية .المخرج ( فرانك بيري ) متخصص في الدراما الواقعية الاجتماعية التي تعتمد على خلفيته في صناعة الأفلام الوثائقية والمجتمعية. وتتضح هذه الجذور هنا في فيلم ( عائشة ) وبحثه في نظام الحماية المثير للجدل في أيرلندا، نظام الحماية محبط للمعنويات بقدر ما هو تجريد من الإنسانية. حيث يتم إيواء طالبي اللجوء في بيوت الشباب أو الفنادق الرثة ومعظمها مؤسسات ربحية يديرها مقاولون من القطاع الخاص في حين يتم التحكم في النظام العام من قبل وزارة العدل . يتم نقل الأشخاص عشوائيًا أو يتم رفض قضيتهم ويتم إعادتهم إلى بلدانهم دون سابق إنذار أو ربما العيش في مكان ما لسنوات تنتظر أن تتم النظر في قضيتك والبت فيها مطلوب الكثير من عائشة لإثبات أنها تستحق القبول في بلد من أجل العيش . ، تقيم عائشة في نزل حكومي الذي يوفر الخدمات المباشرة لعائشة، مثل غيرها من طالبي اللجوء في أيرلندا من السكن والطعام وبدل أسبوعي متواضع. وتشير المشاهد في السكن الى روح مجتمعية دافئة بين طالبي اللجوء أنفسهم ، ولكن هناك شعور كامن بعدم الارتياح طالبو اللجوء وهم تحت رحمة رجال الأمن الذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم مع العاملين في النزل. هؤلاء الرجال غير مدربين وتجنيدهم ضعيف .
فيلم " عائشة " هو انعكاس حقيقي لكراهية الأجانب والعنصرية جنبًا إلى جنب في الدول الغربية لإبقاء اللاجئين الذين يخشون على حياتهم في بلدانهم الخاصة بهم في حالة من النسيان القاسي . نجح الكاتب والمخرج الأيرلندي فرانك بيري في الكشف عن معاملة بلاده القاسية للاجئين من خلال أحدث أعماله الدرامية الواقعية الاجتماعية وهو نظرة حزينة وصادقة على التجريد من الإنسانية المتأصل في تحويل الصراع البشري إلى شاغل بيروقراطي بحت . عائشة عمل فني قوي عمّيق المستوى ومتعاطف مع اللاجئين ، ولا سيما النساء اللائي يقاتلن الآن من أجل البقاء ويتوسلن الدول ذات الفضاء الآمن في جميع أنحاء العالم للسماح لهم فقط بالعيش . حتى عند الإجابة على أسئلة البيروقراطيين الذين يحملون مصيرها في أيديهم . يتضمن نص وسيناريو بيري على اقتصاد مذهل في الحوار ، لذلك عندما يتحدث الأشخاص في هذا الفيلم يكون لديهم ما يقولونه . يمكنك أن تقول إن عائشة تحجم عن ذلك – أحيانا بدافع الخوف وأحيانا لأن قول الحقيقة الكاملة سيكون مؤلما للغاية لذا تختار عائشة كل كلمة بعناية .
على مدار الفيلم ، يتم نقلها مرتين وتضطر إلى التخلي عن وظيفتها بدوام جزئي ، وتصدم بوفاة أمها التي كانت تامل بان يلتم شملها مع إبنتها ، ويقال لها إنها لا تستطيع حضور الجنازة ما لم تلغي طلبها وتبقى في نيجيريا بشكل دائم ، تنعكس أحزان عائشة في عينيها وتحفر على وجهها وجع دفين لكنها تحافظ على عزم هادئ طوال الوقت . وبغض النظر عما إذا كان مسموحا لها بالبقاء في البلاد أم لا ترفض عائشة أن تفقد كرامتها خلال تقديمها طلب اللجوء. تتعرض عائشة لسلسلة من الانتكاسات حيث تم رفض طلبها لكنها مثابرة .
النهج الذي اتبعته أوروبا الغربية في التعامل مع أزمة المهاجرين واحدا من أكثر إخفاقاتها الأخلاقية إثارة للاشمئزاز في هذه الألفية . كان نظام الحماية المباشر لإيواء طالبي اللجوء مصدرا للجدل لمدة عقدين من الزمن . ومع ذلك، كان لهذا الموضوع دور محدود في الدراما السينمائية أو التلفزيونية. عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان تريبيكا في نيويورك قبل الانتقال إلى مهرجان لندن السينمائي . وتحدث المخرج فرانك بيري قائلاً : "نحن بحاجة إلى نظام لطالبي اللجوء أكثر وعيا بحقوق الإنسان بكرامة وبرعاية طبية وكل حقوق الإنسان الأساسية التي حددتها الأمم المتحدة ". أمضى المخرج فرانك أربع سنوات في القيام بالمهمة الضخمة المتمثلة في البحث في نظام العدالة في أيرلندا والآلاف من طالبي اللجوء العالقين ، واجتمع مع المنظمات والأشخاص المتأثرين مباشرة بسياسات الهجرة في البلاد ، و نجح في رسم صورة حقيقية جدا لما تبدو عليه الحياة بالنسبة لحوالي 7000 طالب لجوء في أيرلندا اليوم يعيشون في طي النسيان في بلد جديد وفي ظروف صعبة وغير قادرين على السفر ولا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم البقاء أو الذهاب . تطور مفهوم الفيلم عضويا من مشروع المخرج فرانك بيري السابق الذي استكشف فيه النظام الجنائي الأيرلندي . وهنا علم أن نظام السجون الأيرلندي تديره نفس الإدارة الحكومية للهجرة ألا وهي وزارة العدل . بدأ هذا مشروعا بحثيا مدته أربع سنوات نظر فيه بيري في الحكم المباشر المثير للجدل ، وهو نظام "مراكز الإقامة" لطالبي اللجوء التي تديرها شركات ربحية بموجب عقد مع الحكومة الأيرلندية . يلعب دور البطولة إلى جانب رايت جوش أوكونور الذي يلعب شخصية كونور هيلي ، وهو سجين سابق يطور صداقة وثيقة مع عائشة. اكتسب أوكونور شهرة كبيرة من خلال مشاركته في الموسم الرابع لمسلسل التاج ومنذ ذلك الحين صنع اسما لنفسه كواحد من المواهب الصاعدة في المملكة المتحدة . ونجح في هذا الفيلم بأن تكون الكيمياء بينه وبين اللاجئة عائشة رائعة حين يكافح كلاهما للعثور على الكلمات التي يقولها لبعضهما عند لقاءهما . ولكن على الرغم من أنهم غالبا ما يكافحون من أجل مشاركة أفكارهم بوضوح مع بعضهم البعض ، إلا أن كلاهما يشتركان في خلفيات مأساوية مختلفة .
في الختام : قد تكون عائشة دراسة شخصية محددة، لكن الموضوعات العالمية للنزوح والحزن تجعله فيلما قويا يمكن للكثيرين أن يرتبطوا به، ويأمل صناع هذا الفيلم في أن يكون أضافة الى الحملة التي تقوم بها المنظمات الانسانية في أيرلندا التي كانت ناجحة للغاية للمطالبة بإنهاء هذا النظام الفظيع والقمعي حقا .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي