تأثير السياسة والمال في كرة القدم

الطاهر المعز
2022 / 12 / 27

قاربت قيمة رعاية النشاط "غير الرّبْحي" (ثقافة أو رياضة أو ترفيه) سنة 2020 بأوروبا 25,70 مليار يورو، حظي ميدان الرياضة بنحو 85% من هذا المبلغ واستحوذت الأنْدِيَة الأوروبية الكبرى لكرة القدم على 50% من المبلغ الإجمالي، وتمثل هذه الأندية الكبيرة مجالاً هامًّا للإستثمار الإقتصادي والسّياسي الذي يُجَسِّدُهُ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وأظْهَرت بعض الأحداث إن هذا الترابط مُضِرّ بالرياضة ومُفيد لرأس المال...
كان الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (يُوفَا) قد قَرَّرَ إجراء الدّور النهائي للأندية البطلة لموسم 2021/2022 بمدينة سانت بطرسبرغ (روسيا)، وأن تكون شركة "غازبروم" الروسية العامة هي الراعي الرئيسي، ولكن انطلقت الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر شباط/فبراير 2022، وانْضَمَّت الحكومات الأوروبية إلى مواقف الولايات المتحدة التي فرضت مُقاطعة روسيا وحصارها واعتبار الشركات الروسية (مثل شركة غازبروم) منبوذة، واعتبَرَ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أنه مُلْزَمٌ ومُلْتَزِمٌ بتطبيق القرارات السياسية في مجال الرياضة، فَقَرّر مُقاطعة الرياضة والرّياضيين الرّوس، ونَقْل مكان إِجْراء المباراة النهائية للنوادي البطلة، بين ليفربول وريال مدريد، إلى باريس (28 أيار/مايو 2022) وفسخ اتفاقية الرعاية مع غازبروم، وتسبب هذا التأثير المباشر للسياسات الدولية الأوروبية على كرة القدم في أضرار كبيرة، ومنها على سبيل المثال، إن نقل مكان المباراة والتنظيم المُسْتعجل والسيئ لهذا الحدث الرياضي الهام، كان أحد أسباب حدوث اشتباكات بين آلاف المتفرجين الذين اشتروا تذاكر مرتفعة الثمن، وتكبدوا عناء السفر من بريطانيا، لم يتمكنوا من دخول الملعب، بل واجهتهم الشرطة الفرنسية بوابل من الهراوات والغازات السّامّة، وأصابت مئات المتفرجين، وتم نقل العشرات منهم إلى المستشفى، ودافعت الحكومة الفرنسية عن وزير داخليتها الذي أصدر أوامر القمع، ولم يُصْدِر القضاء الفرنسي أي قرار أو عقوبة ضد الحكومة الفرنسية، أو ضد ضُبّاط الشرطة الذين أصدروا الأوامر...
في الجانب المالي، تحالفَ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مع شركات الرّهانات، للضغط على الحكومات لكي تُصدِر قوانين تَسْمح برعاية شركات المضاربة والرهانات، في أوروبا وخارجها، لأندية كرة القدم، لزيادة إيرادات الأندية وتوسيع حجم الإهتمام بالمباريات الرياضية، من خلال المراهنة على النتائج، رغم معارضة الرأي العام، بحسب استطلاعات الرأي، فلا يزال معظم مُحبِّي ومُتابعي الرياضة في أوروبا يعتبرون هذا التحالف بين كرة القدم والشركات الكبرى والقوى المالية والقوى السياسية غير مُجْدِي، بل مُضِرّ بالرياضة التي أصبحت تجارة مربحة للغاية (بزنس) وتبتعد عن أهدافها الأصلية، وبالعودة إلى "التّأثيرات الجانبية" للحرب في أوكرانيا، فقد اضطر الملياردير الروسي "رومان أبراهاموفيتش"، المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، إلى بيع نادي "مانشستر سيتي" الذي كان يمتلكه، إثر عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا ورعاياها، والتدخل المباشر للحكومات الأوروبية في تَسْيِير الأندية الرياضية التي تحولت من جمعيات تسهر على تربية الأطفال والشّبان وصَقْل مواهبهم، إلى شركات ذات صبغة رياضة، وكانت مباراة نهائي الأندية الأوروبية لموسم 2021/2022 بين ليفربول وريال مدريد، بمثابة مواجهة بين فريقين يجسدان حاليا "السوق الحرة" في مجال الرياضة، ومن المعروف إن لكل منهما روابط سياسية قوية، مع اليسار الإنغليزي (ليفربول) ومع اليمين الإسباني (ريال مدريد)، لكن الناديين يلتزمان منذ أكثر من ثلاثة عُقُود بإيديولوجية "السوق الحرة" والنيوليبرالية، لأن كرة القدم والرياضة عمومًا، أصبحت نشاطًا تجاريا كبيرًا ومجالاً لتداول مبالغ كبيرة من المال، وتتجاوز عائدات هذين الناديين مجتمعة مليار يورو، ولدى كل منهما اتفاقيات "رِعاية"، أي عُقُود تجارية مربحة للغاية مع شركات متعددة الجنسيات ...
الرياضة، قطاع اقتصادي وتجاري
شهدت الرياضة، تغييرات هيكلية كبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية، لتتحول كرة القدم من الرياضة الشعبية الأولى، رياضة الطبقة العاملة والفُقراء، إلى مجال للإستثمارات المُرْبِحَة، بالإضافة إلى استخدام التظاهرات الرياضية من قِبَل الأنظمة الدّكتاتورية والدّيمقراطية على حدّ السّواء.
أصبحت نوادي كرة القدم مملوكة لشركات استثمارية، تقع مقرّاتها بلندن أو نيويورك، فتحوّلت بذلك لعبة كرة القدم من لعبة الجماهير إلى سوق استثمارات، استفاد منه بضع عشرات أو مئات من اللاعبين، من إجمالي عشرات الآلاف في أوروبا ومئات الآلاف في العالم، لتُشَكِّلَ هذه القِلّة من اللاعبين واجهةً للدّعاية وإعلانات التّسْوِيق، فيما تُصبح الرياضة شأنًا ثانويًّا مُهَمَّشًا...
اهتم شُيُوخ النفط بنوادي كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، فاشترت مَشْيَخَة قَطَر نادي "باريس سان جرمان" سنة 2011 (بعد تعيينها لتنظيم نهائيات بطولة العالم لكرة القدم 2022) وأنفق جهاز قَطَر الإستثماري أموالاً طائلة على شراء اللاعبين من البرازيل والأرجنتين وإسبانيا، كما اشترى نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان نادي "مانشستر سيتي" سنة 2008 ليصبح أحد أغنى أندية العالم، واشترى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (عبر الصندوق السيادي السّعودي، صندوق الاستثمارات العامة) نادي "نيوكاسل يونايتد" الإنغليزي، وتهدف هذه الإستثمارات الحصول على الألقاب التي ترفع من قيمة النوادي في سوق الإشهار التجاري وكذلك السياسي، ما يُساهم في تلميع صورة مالكيها، ما يُؤَكّدُ صحّة ما كتبه الكاتب الأميركي "شون هاميل"، بأنّ كرة القدم "أصبحت نشاطًا ضَخْمًا، وبلغت مرحلة ما بعد الاحتراف، منذ اجتاحتها عمليات الرعاية والاستثمار، بإيعاز وحماية من الجهات الرسمية"، حيث طَرَحَ الإتحاد الدولي لكرة القدم مُقْتَرَح تنظيم كأس العالم كل سنتين بدلاً من أربع سنوات، بمشاركة عدد أكْبَرَ من المنتخبات، بهدف جَنْيِ أرباح إضافية، وغَزْو أسواق جديدة في البلدان ذات الكثافة السّكّانية المُرْتفعة، من خلال تنظيم جولات حول العالم وتوسيع دائرة البث التلفزيوني وزيادة عدد متاجر بيع المُعدّات والقُمصان، واستغلال "إيجابيات" العولمة وحُرِّية تنقّل السّلع والأموال... وما ينطبق على النّوادي ينطبق كذلك على اللاّعبين المُنْتَمِين إلى "النُّخْبَة"، من ذوي الرواتب والحوافز المُرتفعة الذين اجتذبوا اهتمام مجلة "فوربس" الأمريكية (مجلة كبار الأثرياء) التي نشرت تقريراً عن أرباح مشاهير الرياضيين سنة 2022 التي تشكّل حصة الإشهار و"الرعاية" (أي خارج إطار العُقُود مع النّوادي) الجزء الأكبر منها، وفاقت حصة عشرة رياضيين مليار دولارا سنويا خلال السنوات الماضية، من الإشهار والرعاية والعُقُود، خارج إطار المباريات، أي خارج الملعب...

حوار مع الكاتبة الفلسطينية د. عدوية السوالمة حول دور الاعلام والسوشيال ميديا وتأثيره على وضع المرأة، اجرت
بانوراما فنية بمناسبة الثامن من اذار - مارس يوم المرأة العالمي من اعمال وتصميم الفنانة نسرين شابا