|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
بلال سمير الصدّر
2022 / 12 / 3
بونجور بعدة لغات...استيقظ ايها الحب وخذ ملاحظاتك
فقط في العالم الثالث يموت 40 الف طفل في كل يوم،400 الف شخص بالايدز
هذه المقدمة عن العالم الثالث-الارجنتين من دول العالم الثالث-توحي بأن الفيلم كوزمولوجي
يحاول اليسو سوبيلا في هذا الفيلم المتدفق بالمشاعر أن يقدم رسالة عن الحب بين البشر،بوصفه اللغة التي من الممكن ان يؤسس عليها التفاهم في عالم اليوم المليء بالمشاحنات والبغضاء والشأن السياسي.
ايرنستو الشاعر،يلتقي بصديقه ريكاردو بعد عشرين أو خمسة وعشرين عاما،ويكتشف ايرنستو أن ريكاردو تزوج صديقته من الماضي(آنا)،وهذا اللقاء يفتح قصة حب من الماضي العميق جدا.
ثم يدور السرد بشكل سردي استرجاعي ،خاليا هذه المرة من الاحالات والاسقاطات الحلمية على نمط الواقعية السحرية والسوريالية التي الفناها عند المخرج،بحيث بدا السرد تقاطعات وتوضيحات ولقطات من الماضي تسرد مسار الحاضر،على ان هناك تقاطعات ايضا في هذا الحاضر تعمل على الاثبات اللحظي للزمن،حين يلتقي ايرنستو الشاعر الخمسيني بالفتاة الشابة عازفة التشيلو .....Cuban
من انت...؟!
انا فقط رجل حزين ينهك كلماته....
ما يحدث الان شيء مزدوج،الحنين الى الماضي ومحاولة اعادة هذا الماضي،وكلمة الحنين تذكرنا طبعا باندريه تاركوفسكي،بحيث من الممكن القول ان حنين تاركوفسكي هو من افضل الافلام في تاريخ السينما التي عالجت هذا الموضوع.
الحنين في الفيلم هو المسيطر على كل شيء،على الفعل نفسه،وهذا يجعلنا نخوض مرة اخرى-ولاضير في ذلك-في معضلة الزمان وعلاقته بالحنين وقدرته على القسوة...أو بالاحرى هل الزمن قاسي جدا...؟!
هل يجب ان يكون هناك مخزن للحب-غير الذاكرة-مكان لحفظ كل ذلك الحب ...غرفة للحب أوشيء مشابه
ويصاحب كل تلك التساؤلات تأملات شعرية هادئة...بحيث يتوقف الفيلم لسرد الشعر طويلا.
من المعروف ان الشخصية المفضلة عند اليسو سوبيلا هي الشاعر الحالم الذي يرى ما لايراه الآخرون،والنتيجة فيلم شاعري عن تدفق الذكريات والزمن والخوف من مرور الزمن...الذكريات ذات الطابع الشعري الاصيل.
في يدي احضرت اليك اشارات قديمة ....
هذه يدي كما هي اليوم،وليست يدي القديمة....
أنا اعطي ما استطيع وانا لا اشعر بالعار من الشاعر...انا والكثير من وحدتي...انت وما تمتين اليه
هل من الممكن محو الذاكرة...هل من الممكن القول ان الانسان ليس سوى حصيلة ماضيه؟
في كل مرة يعلموننا فيها فقدان الذاكرة ويهددون بمحو سكر المعاناة
أنا مقتنع ان منطقتي لاتشبه منطقة الآخرين ابدا...في منطقتي هناك جلجلة الغياب...جذوع المستقبل...ضواحي الصباح....الحنين يلتقط الذكريات ولكن اي ذكريات...؟!
انها الذكريات الثورية الراديكالية...التجارب التي لاتنسى والمشاعر التي لاتنسى،بحيث تبقي الذهن والذاكرة في حالة من الجهل التام سوى من هذا التدفق-ميلان كونديرا-وفي الحقيقة لايخضع الانسان للنسيان التام بل من المستحيل ان نحقق أمنية شعرية نطق بها الشاعر
ليس هناك من غرفة للتذكر ولكنها ضرورية حتى نرمي الضغائن خلف الحدود...
لابد ان يمتلك الانسان شيئا من الماضي...شيئا من تجربة عميقة في السعادة أو عميقة في الحزن ستخلف من ورائها انبعاث تدفق شعري الى الابد...نحن لانستطيع ان نمحي الماضي بجرة قلم واحدة،فالزمن يسير قسريا بالنسبة للانسان ولايمكنه التوقف عند لحظة معينة حدثت ذات مرة،ولايستطيع ايضا اعادتها،وبالتالي سيعيش الانسان حالة قلق مزدوج هذه المرة لأن وعي الكينونة نحو الموت تجعل الانسان في حالة قلق دائم من الحالة المؤقتة التي يعيش فيها خاصة ان يعيش امكانيات الفناء في كل لحظة كما يرى هيدجر.
ولكن الماضي-وهذه رؤية لنا-يخلق حالة من قلق عدم الامكانية متعلق بخيار وحيد حدث ذات مرة في الماضي.
الشاعر يلتقي بالجيل الجديد عازفة التشيلو،وعازفة التشيلو الشابة تعطيه الامكانية المتاحة فعليا...المتاحة كخيار ربما يكون قسري ايضا...الخيار هو ان تعيش في اللحظة
ما هي اللحظة...كيف نتمسك باللحظة...؟!
اجمل ما في الفيلم هو تتبع الحوار...الحوار شعري جميل تقول عازفة التشيلو:جزيرتي تنوي بناء جنة
الجنة خرجت من ايدينا،الجنة غير موجودة...ما الذي ستفعله الآن...؟
الآن...الآن هي الكلمة التي اهتم بها اكثر من اي شيء...الان انا هنا
انا حزينة عندما على ضفة النهر اغلق عيني واتمنى اني كنت في كوبا من خلال البحر
الآن،الآن،انا هنا،أنا سعيدة بكوني معك...الآن انا كل كينونتي
الآن هو كل ما املك،الآن هو كل ما اريد المستقبل غير قادر على خداعي
هذا مايدعى في الحقيقة الزمن...الزمن بين الماضي واللحظة...الفرق بين الحاضر واللحظة...الفرق بين الحنين واللحظة...؟!
الزمن يعود على نمط اغنية شعبية من الستينات استخدمها المخرج كمحدد للزمن الذي تدور فيه تلك القصة في الماضي،السردية ليست اشكالية على الاطلاق ولاتعتمد على التداخل الزمني بل سرد واضح تقليدي جميل على اية حال...لكن السؤال الأهم:
هل من الممكن تكرار قصة الحب بين ايرنستو وآنا التي حدثت ذات مرة بالماضي...
نحن نمتلك القدرة على تدفق الذكريات فهناك شيء في الطبيعة الانسانية يدعى بالحنين،لكن امكانية التكرار غير متاحة ببساطة لأن عامل الزمن القسري سوف يتدخل وسوف يكون هذا التدخل حاسما تماما.
الفيلم مقبول بشكل أو بشكل آخر على ان الانسان ليس سوى حصيلة ماضيه،وهذا يعني ان المزاج له دور كبير في كتابة النص النقدي أو الشعري فلا يمكن فصل النص عن الكاتب أبدا...النص خاضع لظروف ومعطيات معينة ذات علاقة مباشرة بالكاتب،فلا يمكن ان نعامل النص كبنية خارج معطيات الكاتب هذا من الناحية البنيوية،أما من ناحية ان النص يمتلك عددا غير محدود من المعاني فهذا ممكن ايضا من الناحية التفكيكية،ولكن يمكن فصله أو الغاؤه اذا توصلنا فقط الى قصدية الكاتب.
الانسان ليس سوى حصيلة ماضيه...في احدى تأملات ايرنستو الشعرية :
ماذا لو كان الاله امرأة...إذا كان الله امرأة فهي لن تكون بعيدة جدا في الجنة
سوف تنتظرنا على باب الجحيم بايدي مفتوحة
الهي لو كنت امرأة للأبد ومنذ الأزل فما هي الفضيحة التي سوف تكون...ما هي المغامرة،العظمة،الاستحالة، الاستثنائية ...التجديف
لماذا اقحمت الفقرة اعلاه الى الفيلم....
معاملة الفقرة اعلاه كبنية نصية تحمل الشيء الكثير من الارتباك،إلا إذا اردنا ان نفهم النص على علاته،كما انه يحمل الكثير من المتناقضات والمسكوت عنه ولكن...يجب ان نبحث عن القصدية الكتابية وليس قصدية الوعي عند الظواهريين.
لندع تلك الفقرة في حال سبيلها...لنتعامل معها وكانها صورة شعرية هدفها تكوين جمالي مجرد للفيلم....حتى ظهور لوحة بيكاسو الشهيرة(غرانيكا) من خلف شخصين يبدو انهما متأصلين في الماضي في هذه اللحظة أكثر من الحاضر أو حتى المستقبل.
على انه من الممكن القول ايضا أن اي لوحة فنية تمتلك امكانية تخليد لحظة الى الابد،فيدخل من معناها ايضا النحت في الزمن....
23/07/2022
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
1 - مقال مهم |
العدد: 858514 |
Ahamd Hassen |
2022 / 12 / 4 - 15:19 |
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |