|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
جواد كاظم غلوم
2022 / 11 / 24
لذّة المعرفة وزيادتها والتعلّم لا حدود لها ولا يوقفها الهرَم او الشيخوخة فمازال طالب العلم لا يشبع من نهل المعارف والعلوم مهما بلغ من العمر عتيّا ، ويقال في امثالنا السائرة بأن اثنين من البشر لا يشبعان ابدا وهما طالب المال وطالب العلم ولكن شتان بين من يريد الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المال بحيث اذا امتلك الارض كلها ينظر الى السماء طامعا مثل حال بعض سياسيينا الذين نظروا الى بلادنا مرتعا للنهب والسرقة حتى اصبح السحت الحرام مرادهم الاول والأخير ويبقى طالب العلم عالما مادام مواظبا على إغناء عقله وإثراء روحه وهذا هو الكنز الذي لا ينضب مهما افتقر الجيب وشحّت الأرصدة فإذا اكتفى وقال اني علمتُ كلّ شيء وتوقف عن تحصيلهِ ؛ عُدّ جاهلا والعلم لا يعرف المسافات ترانا نطلبه ولو كان في الصين كما يقول رسولنا الكريم محمد (ص) فالحديث الشريف لا يعني فقط بُعد الصين عن ديارنا فحسب وانما بُعدها التاريخي والحضاري واختلاف قيمها وعاداتها وتقاليدها الأجتماعية والفكرية ايضا ؛ ولقاح العقول لا يقف عند حدود سواء كانت تلك الحدود جغرافيةً او عِرقية فكم من اجدادنا السلف الصالح من ركب البحار وطوى الصحاري وذرع السهول وطاف الوديان والبراري من اجل ان يظفر بقول سليم ونظرية علمية ورأي سديد ويكتشف اشياء جديدة في الاسفار مثلما فعل رحّالتنا وجابوا الآفاق لنهل العلم وتغذية الفكر مما اثمر هذا الجهد على تكوين حضارتنا الاسلامية التي كانت حقا نتاج عقول أمم عديدة انضوت كلها تحت راية الاسلام المعتدل الواسع الصدر ولأن طلب العلم لايقف عند عمرٍ محدد بدءا من المهد الى اللحد فقد اثارت انتباهي مؤخرا سيدة اسمها ” نولا أوكس ” من ولاية كانساس الاميركية بلغت الهزيع الأخير من العمر لكنها أصرّت ان تواصل دراستها بالرغم من انها تجاوزت المئة عام ، فحصلت على البكالوريوس وهي في الخامسة والتسعين ونالت الماجستير في الثامنة والتسعين وتسعى الان على نيل الدكتوراه في اختصاصها ” التاريخ ” وكم تشعر بالفخر حينما تعتلي منصة المناقشة في رسالة الماجستير التي حصلت عليها بامتياز وهي تجهز الان على الحصول على اعلى درجة علمية وهي الدكتوراه لتتفرغ بعدها للتأليف في مجال تحليل الاحداث التاريخية للإفادة منها لرسم سياسة المستقبل وابتكار نظريات جديدة وفهم الحوادث التاريخية وابراز مغزاها لتكون درسا ملموسا واضحا لرؤى المستقبل فبالاضافة الى طموحها الذي لاينقطع في مجال اختصاصها وعزمها المتواصل على اكمال دراستها في التعليم العالي فهي ايضا ساردة ممتعة تتميز بذاكرة قوية جاذبة للسامع وبارعة في اسلوب القصّ الحكائي وخصوصا الروايات التاريخية والأحداث النادرة منها غير المسموعة قبلا هذه العجوز المثابرة ليس لديها وقت متأخر فات أوانه وكأنها ولدت لتتعلم ولايوجد في روزنامة عمرها اوقات محددة للتوقف فهي تسعى للتحصيل الدراسي مادام قلبها يواصل نبضه على العكس من بعض اهلنا الذين مازالوا يتندرون على كل من يسعى للتعلم بقولهم الساخر بالعاميّة العراقيّة ” بعد ماشاب ودّوه للكتّاب ” وهل أدلّ على ذلك ان معظم كبارنا مازالوا في عداد الأميين بل ان جيلنا الأول تَشيع فيه الاميّة بنسبة كبيرة جدا بل وزادت هذه النسبة اكثر فأكثر في الوقت الحاضر بسبب الاهمال المتعمد وعدم ايلاء الاهتمام اللازم بتعليم الكبار مما فسح المجال للجهل ان ينتشر في شرائح واسعة من آبائنا وأمّهاتنا نظرا للكبوة الكبيرة التي تعثّر بها العراق في السنوات الاخيرة بسبب الحروب الكارثية والغزو وتفاقم المشاكل بكل اشكالها على بلادنا العزيزة وقد سمعنا مؤخرا ان هناك مساعٍ حثيثة على زجّ الكثير من أهلنا ممن فاتهم التعليم الاساسي الذين يعانون الاميّة في مدارس محو الاميّة لكنها تبقى جهودا مشكورة على قلّتها وضآلتها ترافقها محفّزات مالية لمن يبادر الى مقاعد الدراسة ليتعلم اولا الابجدية كمفتاح لأبواب أوسع وآفاقٍ أرحب متمنين النجاح لهذه البادرة الطيبة وهي بالفعل ضربة الفأس الاولى لهدم جدران الجهل الذي بدأ ينشب أظفاره في اوساط المجتمع العراقيّ وبالأخص الطبقات الفقيرة منه
جواد غلوم
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |