كأس العالم 2022 وحقوق الإنسان: فرجة وغنيمة مبنية على مآسي الآلاف من البشر

إدريس ولد القابلة
2022 / 11 / 18

حل كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 ، وما زال سجل قطر بشأن حقوق العمال الأجانب مثار اهتمام وتدقيق. وهذا وغم أن قطر كانت قد أعلنت مرارا على عملية إصلاح واسعة ووعدت بالتصدي للاستغلال الواسع النطاق للعمال ومراجعة قوانينها وممارساتها بما يتماشى مع المعايير الدولية للعمل، ومع ذلك ظل العمال عرضةً لانتهاكات جسيمة، لاسيما العمل بالسخرة والقيود على حرية التنقل.

ويُعتقد أن الكثير من العمال قد لقوا حتفهم خلال الاستعدادات لكأس العالم 2022 في قطر. ولا يزال مئات الآلاف من العمال يعملون هناك مقابل دولار في الساعة. علما أن الفيفا ستغترف مليارات الدولارات، ورغم ذلك تلكأ في تعويض هؤلاء العمال أو عائلاتهم. وهذا ما دفع العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والرياضيين عبر العالم إلى مساندة ودعم حمالات الضغط على الفيفا لتعويض هؤلاء العمال وعائلاتهم بالقدر الذي تدين لهم به.

وقد سبق لمنظمة العمل الدولية، في نوفمبر 2021، أن انتقدت "وفيات بلا تفسير" لعمال أجانب في قطر. إذ اتهمت قطر بعدم الإبلاغ عن كل الوفيات المرتبطة بالعمل، متحدثة عن "وفيات بلا تفسير" طالت عمالا كانوا بـ "صحة جيدة". كما أكدت إن قطر لا تحقق في الوفيات المرتبطة بالعمل ولا تبلغ عنها على نحو دقيق.

ويشكل الأجانب غالبية سكان قطر التي تواجه اتهامات بشأن انتهاك حقوق العمال لديها قبل استضافة بطولة كأس العالم. وذكرت المنظمة أن البيانات التي جمعتها مراكز تديرها الحكومة لعلاج الإصابات والإسعاف في 2020 كشفت أن 50 عاملاً توفوا وأكثر من 500 تعرضوا لإصابات بالغة. كما جاء في تقريرها أن "معظم الإصابات في صفوف العمال المهاجرين من بنغلادش والهند ونيبال، لا سيما من يعملون في قطاع البناء والإنشاءات. وتمثلت الأسباب الأكثر شيوعاً للإصابات الخطيرة في السقوط من أماكن مرتفعة والحوادث المرورية، يليها تساقط الأشياء في مواقع العمل". وذكرت المنظمة أن الأعداد قد تكون أعلى، لكن السلطات لا تصنف كافة الوفيات المرتبطة بالعمل على هذا النحو، ويشمل ذلك وفيات بلا تفسير لعمال أصحاء ووفيات مرتبطة بالحرارة. آنذاك أكدت قطر أن نظام العمل لا يزال في حاجة لمزيد من الجهود، وذكرت أنها تراجع توصيات منظمة العمل الدولية. وهذا عندما انتقدت منظمة العفو الدولية مجددا قطر، لتقاعسها عن التحقيق بشأن آلاف الوفيات غير المفسرة.

وكان تحليل لصحيفة "الغارديان" قد خلص إلى أن 6500 عامل مهاجراً من جنوب آسيا توفوا في قطر منذ عام 2010. وأعلن رئيس منظمة العمل الدولية تحذيرا بخصوص أن بيانات وفاة العمال في قطر كثيراً ما تعلن بدون الدّقة المطلوبة.

وقالت منظمة العمل "أعداد (الغارديان) تشمل جميع الوفيات بين المهاجرين... بدون التمييز بين من كانوا من العمال المهاجرين أم من المهاجرين عموماً، ناهيك عن أن تكون هذه الوفيات ناتجة عن إصابات عمل". وأجرت قطر عدة إصلاحات في أوضاع العمال في الأعوام الماضية تشمل تشديد قواعد مصممة لحماية العمال من الحرارة ورفع الحد الأدنى للأجور.

ورغم بعض الإصلاحات ظل الواقع اليومي للعديد من العمال الأجانب في قطر قاسياً، على الرغم من التغييرات القانونية التي أُدخلت منذ 2017. كما دعت الاتحادات الخمسة لكرة القدم في دول الشمال الأوروبي إلى حملة لدفع قطر والفيفا لتحسين ظروف العمال الأجانب في الإمارة الخليجية.

فقد سجلت العمالة الأجنبية في قطر زيادة سريعة بدءاً من عام 2010 الذي مُنحت فيه قطر حق استضافة بطولة كأس العالم لعام 2022. فنتيجة لأسباب، من بينها الطفرة التي أعقبت ذلك العام في أعمال البناء والتشييد، قفز عدد سكان البلاد من 1,6 مليون نسمة في ديسمبر 2010 إلى 2,7 مليون نسمة في أكتوبر 2018. ويمثل العمال الأجانب 95 بالمئة من القوة العاملة في قطر، وهم يفدون إليها من بعض أكثر بلدان العالم فقراً، ويعملون في قطاعات مثل البناء والفنادق والخدمة في المنازل. لكن مع التزايد السريع لأعداد العمال الذين يفدون للاستفادة من الفرص الاقتصادية، سقط المزيد منهم ضحايا لنظام العمل الذي ظل يتسم بالاستغلال في قطر.

ومنذ أن أُوكلت لقطر مهمة تنظيم بطولة كأس العالم، كان هناك توثيق مُكثَّف لما يتعرض له العمال الأجانب الذين يتقاضون أجوراً زهيدة من إساءة واستغلال يُعدَّان، في بعض الأحيان، عملاً بالسخرة، واتجاراً بالبشر. فعلى سبيل المثال، أفادت صحيفة “الغارديان” في أكتوبر 2013 بأن 44 عاملاً "نيبالياً" لقوا حتفهم في قطر في فترة لا تتجاوز الشهرين، بينما وثَّقت تقارير منظمة العفو الدولية في عامي 2013 و 2016 استغلالاً واسع النطاق للعمال في قطاع التشييد والبناء، بما في ذلك العمل بالسخرة كما هو الحال، مثلاً، في أعمال بناء “ملعب خليفة الدولي” في الدوحة. وفي 2014، أفاد "مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق المهاجرين" كذلك بأن "الاستغلال متفشٍ، وكثيراً ما عمل الوافدون دون أجر، ويعيشون في ظروف دون المستوى"، ودعا إلى إلغاء نظام الكفالة المعمول به في البلاد آنذاك.

وبالرغم من بعض الإصلاحات ، ظل مثل هذا الاستغلال للعمال مستمراً على نطاق واسع. ففي سبتمبر 2018، نشرت منظمة العفو الدولية نتائجَ تقصٍ لأعمال شركة هندسية تدعى "ميركوري مينا" تركت عشرات العمال مفلسين، وقد تقطعت بهم السبل في قطر، وشعروا في نهاية الأمر بأنهم مُضطرون للعودة إلى بلادهم مثقلين بالديون؛ وهذا رغم أن لهم آلاف الدولارات من الأجور والمستحقات. وكان العمال يشاركون في تشييد بنية أساسية حيوية تخدم المدينة والملعب اللذين سيستضيفان المباراتين الافتتاحية والنهائية لبطولة كأس العالم لعام 2022. وفي حالة أخرى في مايو 2018، ظل 1200 عامل دون أجر لعدة أشهر، وعاشوا أسابيع دون مياه جارية أو كهرباء.

وسلطت منظمات حقوقية، في تقرير حول أوضاع العمال الأجانب في الفنادق القطرية قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، متحدثة عن حالات إجهاد وعدم دفع أجور. وبينما قال الاتحاد الدولي لكرة القدم والمنظمون القطريون إنهم شرعوا في "إجراءات عناية واجبة غير مسبوقة" بشأن فنادق كأس العالم، رأت منظمة "إيكويديم" - ومقرها لندن - إن العمال من إفريقيا وآسيا تعرضوا "لاستغلال جسيم في العمل وانتهاكات لحقوق الإنسان".

وقد سعت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة إلى إدخال تحسينات على أوضاع عمال الفنادق الذين تم إحضارهم إلى قطر من جميع أنحاء العالم. وأعلنت إحدى الشركات عن توظيف ألفي مكسيكي للعمل في المطاعم والمطابخ والتنظيف وقطاعات الضيافة الأخرى. وأقرت المنظمة أن عمال الفنادق من بنغلاديش ودول أخرى في جنوب آسيا اشتكوا من أنهم يكسبون أقل من الأشخاص من الدول العربية مقابل القيام بنفس العمل. ونبهت المنظمات الحقوقية ومنظمة العمل الدولية مرارا، بوجوب إحداث مراقبة أكثر صرامة للأوضاع ومزيد من اللجان العمالية حتى يتم التعامل مع الشكاوى.

وواجهت قطر هذه الانتقادات بشأن ظروف العمال المهاجرين، بالقول بإصرارها على أنها توصلت إلى إدخال تحسينات كبيرة ، بما في ذلك فرض حد أدنى للأجور وتخفيف جوانب كثيرة من نظام الكفالة الذي أعطى أصحاب العمل سلطات على حقوق العمال في تغيير وظائفهم وحتى مغادرة البلاد. ومن جهته، قال رئيس شركة" أكور" العملاقة للفنادق التي وظفت 13 ألف شخص في قطر لكأس العالم، إن الشركة ستحاول إيجاد وظائف لجميع الموظفين في بلدان أخرى بعد البطولة.

وسلطت منظمة حقوقية في تقرير أصدرته في يوليوز 2022 الضوء على أوضاع العمال الأجانب في الفنادق القطرية قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، متحدثة عن حالات إجهاد وعدم دفع أجور.

وأكدت "هيومن رايتس ووتش" في إحدى تقاريرها إن على "الاتحاد الدولي لكرة القدم" والسلطات القطرية الاستفادة من أنظمة تعويض العمال الوافدين القائمة في البلاد لإنشاء برنامج تعويض شامل للعمال الذين عانوا من أضرار جسيمة، بما في ذلك الوفيات والإصابات وسرقة الأجور.

عندما منحت الفيفا قطر حقوق استضافة "كأس العالم 2022" في 2010، لم تفرض شروطا تُلزم قطر بتحسين تدابير حماية العمال رغم سجلها الحافل بالانتهاكات الحقوقية. بالتالي، وثّقت جماعات حقوق الإنسان والصحفيون مرارا وتكرارا انتهاكات جسيمة ضد العمال الوافدين في قطر أثناء توظيفهم في توفير البنية التحتية الأساسية للبطولة. في السنوات الأخيرة، أنشأت السلطات القطرية العديد من أنظمة التعويض للتخفيف من هذه المشاكل الراسخة، لكن الأنظمة لم تُغطِ جميع العمال أو لم تُعالج الانتهاكات في السنوات التي سبقت بدايتها، فمعظمها بدأ بعد 2018.

وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن قطر قامت بتعويض بعض العمال الوافدين الذين كانوا ضحايا لانتهاكات جسيمة، لكن بالنسبة للكثيرين، أنشِأت هذه البرامج بعد فوات الأوان ولا تزال بحاجة إلى تطوير. وعلى الفيفا والسلطات القطرية الالتزام علنا بتقديم التعويضات للعمال وعائلاتهم الذين عانوا من أضرار جسيمة أثناء جعل كأس العالم ممكنا علما أن هذه البرامج غير كافية بحد ذاتها لمعالجة حجم الانتهاكات.

أطلقت السلطات القطرية، بما في ذلك "اللجنة العليا للمشاريع والإرث"، وهي الهيئة المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ البنية التحتية لكأس العالم، العديد من المبادرات، بما في ذلك "نظام حماية الأجور" بوزارة العمل و"لجان تسوية المنازعات العمالية" و"صندوق دعم وتأمين العمال" (صندوق دعم العمال)، و مع ذلك، لا تزال هناك فجوات كبيرة. تعويضات هذه البرامج محدودة بسبب إقرارها متأخرا أو ضيق نطاقها أو تنفيذها الخاطئ. رغم العديد من مبادرات الإصلاح الواعدة، وثّقت "هيومن رايتس ووتش" استمرار انتهاكات الأجور على نطاق واسع، حتى في 2022، العام الذي ستجري فيه البطولة. وتقاعست السلطات القطرية أيضا عن التحقيق في أسباب وفاة آلاف العمال الوافدين، والتي يُعزى عدد كبير منها إلى "أسباب طبيعية". بالتالي، فإن حجم انتهاكات حقوق الإنسان التي لم يتم التعويض عنها في قطر منذ 2010 كبير وكبير جدا. إن قطر مُلزمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بمنع انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع وضمان الإنصاف عن كل انتهاك يقع على أراضيها. وفي عنق الفيفا أيضا التزامات واضحة بموجب قوانينها ومسؤولياتها بموجب "مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان" لمعالجة الانتهاكات التي ساهمت فيها. وبالتالي فمن الضروري للفيفا وقطر تعويض العمال الوافدين عن الانتهاكات التي عانوا منها. وإن لم يقوما بذلك، فسيتذكر ملايين الناس عبر العالم كأس العالم 2022 لإرثه الأسود في التقاعس عن معالجة الانتهاكات العمالية وانتهاكات حقوق الإنسان، لأنه سيكون فرجة وغنيمة مبنية على مآسي الآلاف من البشر وعلى مرأى العيان في واضحة النهار.

وهذا لأن ما سبق القيام به في هذا المضمار كان مجرد "ماكياج" للتقليل من بشاعة الأمر، لأن الوصول إلى البرامج التي تعوّض العمال عن الأضرار الجسيمة ظل مقيّدا . نعم، لقد تم إنشاء البرامج المعنية فقط في السنوات الأخيرة. فقد بدأ العمل بصندوق دعم العمال في 2020، ودخل نظام السداد الشامل للجنة العليا حيز التنفيذ في 2017، وبدأت اللجنة العليا بتشجيع المتعاقدين معها على اعتماد التأمين على الحياة للعمال الوافدين فقط منذ 2019، مما يعني أن عرمرم من العمال الوافدين الذين عملوا في قطر وتعرضوا للانتهاكات قبل وجود هذه البرامج لم يتمكنوا من الاستفادة منها. بالإضافة إلى ذلك، كان وصول العمال الوافدين إلى هذه البرامج محدودا، إما بسبب نطاقها الضيق أو ضعف التنفيذ. وتوظف مشاريع اللجنة العليا أقل من 2 في المائة من إجمالي القوى العاملة الوافدة في قطر، مع امتداد محدود إلى العاملين من خارج اللجنة العليا الذين يتم توظيفهم عن طريق مقاولين.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي