|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
علي دريوسي
2022 / 10 / 30
ـ الخراطيم جاهزة للسحب!
تناولت الممرضة خرطومها، سحبت منه بعض سعادة، نَفثت مخروط دُخَّانٍ من عينيها ثم غرقت في نوبة ضحك وهي توصي إبراهيم أن يسترخي على أريكته كحَبْل اِرْتَخَى من ثقل الغسيل، أن يباعد ما بين فخذيه ويدفع بصدره للإمام حين يبدأ بسحب هرمون السعادة من الخرطوم، أن يَنْفُث الدخَّان بين النَفث والنَفث، من أذنيه، من خصيتيه، من مؤخرته ومن أنفه دون أن تؤلمه الذكريات أو يعذبه الخوف من السكتات القلبية والدماغية، وكيف ينبغي عليه أن يصعد إلى قطار السعادة بروية ورقي كي يسافر مع نديمتيه آمناً وبطيئاً وطويلاً.
ـ اسحبْ السعادة إلى داخلك الحزين ودعْ شفتيك تُهندس مستويَ دُخَّانٍ من فرح، تقطعُ به مخروطاتنا الشَبِقة. قالت الشرطية بلهجة آمرة!
سحب إبراهيم هواء من قِنّينة السعادة، فاحت الرائحة، كَوَّرَ شفتيه، نفث الدُخّان بتواتر زمني قصير على شكل خطوطٍ مستقيمة متوازية تعلو بعضها البعض، تداخلت الخطوط، شكّلَت مستوياً يشبه متوازي أضلاع بزوايا حادة ومنفرجة، طار المستوي، بحث في الفضاء عن حالات تقاطع وتزاوح، شَّمّ رائحةَ اشتياق آتية من مخروطيّ دُخّان في رحلة بحثهما عن حالة عناق ثم اختراق، مخروطين أبدعتهما تَكْويرات شفاه الشرطية والممرضة، لامسَ المتوازي مخروط الممرضة بحنان، دخل فيه، قطعه برفق، فرح مخروطها، اِغْتَمَّ مخروط الشرطية، حالة الحب مع مخروط الممرضة بعثت في نفسه الحُزْن، اِضْمَحَلَّ وانحلَّ شيئاً فشيئاً حتى تلاشى، أخذت الشرطية نفس كوكايين أعمق، نفخت من فمها عطرَ سعادة باتجاه وجه الضابط، قرأ المستوي رسالة الغَضَب والغَيْظ، قرأ فيها عن حاجة مخروطها لحالة اختراق ثم عناق، رائحته حركت مشاعره، مال إليه، دخل فيه، اخترقه، قطعه ثم عانقه.
أيها المستوي، إذا ما تورطت في حالة عشق بين أمواج الكوكايين، فلا تقل للناس: مخروطها في قلبي، بل قل: أنا في قلب المخروط.
**
كلمة "بانهوف" بالألمانية تعني "محطة قطار" باللغة العربية.
حين لا يفهم الألماني شيئاً ما يقول: "لم أفهم سوى بانهوف"!
"لم أفهم سوى محطة قطار" هو تعبير اِصطلاحي ويعني: قل واشرح بقدر ما تريد فأنا لا أريد أن أَفْهَمَكَ.
أصل العبارة غير واضح تماماً، في عام 1923 استخدم النائب البرلماني والنقابي "إميل هيللَين"، من الحزب الشيوعي في ألمانيا الذي تأسس في عام 1918، في إحدى الجلسات العامة الوحدة العبارية التالية:
"... نعم، حضراتكم لا تريدون أن تسمعوا شيئاً عندما يأتي الحديث عن مثل هذه الأمور، لأنكم تسمعون حينئذ دائماً: محطة قطار".
فيما بعد ورد استخدام العبارة مكتوبةً في روايات "هانز فالادا"، في العقد الرابع من القرن العشرين، مثلاً في كتابه "ذئب بين الذئاب": "هل قلت شيئاً؟ أنا أفهم دائماً بانهوف".
الشخص المنشغل في سفرته التي تبدأ من محطة قطار كنقطة انطلاق للرحلة، لا يستطيع أن يفكر في أي شيء آخر وليس لديه القدرة على الإصغاء بتركيز. كما خَمَّنَ "كونراد دودِن" في قاموسه الشهير والشامل للغة الألمانية. وهكذا تصير محطة القطار رمزاً للإجازة والراحة وزيارة بيت العائلة وخاصة بالنسبة للجنود.
**
الحفاظ على التقاليد الإيجابية للمجتمع الشرقي لا يعني بتاتاً الزواج من شريك مسلم أو التمَسُّك بالإسلام.
"الله محبة، ومن يبقى في المحبة، يبقى في الله ويبقى الله فيه". الألماني "كارل فريدريش ماي" في روايته "الأرض وأمير الجن".
قد يكون الاِرتباط غير المشروط مع شريك غربي يحب الحياة ضرورةً لا غنى عنها.
الرجل الشرقي في الغُربة بدون اِمرأة من وطن الغُربة أعرج!
والمرأة الشرقية في الغُربة بدون رجل من الغُربة عمياء.
الحياة، بشقيها المهني والخاص، مع الإنسان الغربي أكثر إغناءً للعقل وصفاءً للروح. يتطوَّر الغربي ويتطوَّر دون رادع أو تأملات ماضوية لا قيمة لها.
الحياة مع الشرقي تشوبها البطالة، الإحباط، النفاق، الفقر الروحي واللون الواحد. الشرقي كائن مُثْبِط، لا يمكن للغربي أن يتعلم منه، غريب الأطوار، حقود، لئيم، طمّاع، أناني.
الشرقي متخلف حتى العظم ، متخلف بكل المعاني حتى في أفضل الظروف، هذه حقيقة بديهية، متخلف في القانون، في الأدب، في السياسة، في الحب، في العلم ومتخلف حتى في إظهار مشاعره.
لا يعيش الشرقي في مؤخرة التاريخ، بل في ثقبها، يعيش الانفصام في كل دقائق الأمور، حتى في العلاقة بين الأهل مع أولادهم وعلاقة هؤلاء مع أقاربهم وأصدقاء أهاليهم، يعيش الانفصام والانقسام بأنواعه ومراحله بغض النظر عن جغرافية المكان حيث يسكن، في الشرق أم في الغرب لا فرق.
لكن الأمر لا يعني ترك الأمور على عواهنها.
**
ـ توقف عن رضاعة الخرطوم قبل أن تصبحا إِخْوَة من الرضاعة! يكفيك ما تناولته لهذا اليوم. قالت الشرطية.
ـ معكِ حق، صرتُ أرى الله يسعل دخاناً.
ـ أحسبك في لحظة تحشيشك العالية، هنيئاً لك، لقد اجتزت ربع الامتحان الأول. قالت الممرضة.
ـ اِجلس على الأريكة، ليلنا طويل، اِجلس ولا تفكر إلا بالأشياء الحلوة، بالنجاح، بالحب، بالسفر وبالحياة.
- سأفعل ما تشائين، أثقُ بكِ دون سبب، أشعر بقوة عجيبة لم أشعر بها من قبل، أحتاج فقط قطعة شوكولاتة.
ـ صحيح، ما تحتاج إليه في هذه اللحظة هو شوكولاتة وسيجارة وبعض الإرادة، هي العادة في هذا الدار، كوكايين ثم يأتي غارغويل، إذا تأزمت الحالة يأتي دور الشاي البارد. قالت الممرضة ثم أردفت:
ـ خذ ما ترغب واعطنا ما نرغب! هذه مذاقها طيب، دعها تسيل في فمك.
ـ سابينه أستاذتنا في هذا الكار، اِعمل بنصيحتها ولن تندم. الممارسة ستجعل منك مع الزمن "المعلم" الذي يتقن مهنته.
ـ انتظرنا يا إبراهيم، دقائق معدودات ونعود إليك.
**
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |