قطار آخن 20

علي دريوسي
2022 / 10 / 24

ـ سأريك ما يمكن لك أن ترتديه قبل أن أتركك في هذه الغرفة وحيداً، ينبغي أن أساعد هنيلوري في المطبخ.
ـ هل أنت جادة فعلاً فيما تقولين؟
ـ بالتأكيد. انظر، هنا ثلاثة أزواج من الأحذية، مقاسها يناسب مقاس قدمك تماماً، أسود وأبيض وأزرق رمادي، هنا طقم كحلي مع كرافيت وقميص أبيض، هنا جِلباب عربي مع شال خفيف، هنا ثياب مضيف طائرة، هنا زي ضابط بحري وهنا الملابس الكاملة من الجلد الأصلي لسائق موتور جبلي وهنا ...

ـ هذا يكفي. قاطعها إبراهيم.
ـ لك أن تتقمص ما تشاء من شخصيات، لكن أرجو منك أن تسرع قليلاً.
ـ دقائق قليلة وأكون معكم.
ـ متشوقة لأرى ذوقك.
أحاطت أصابع يدها اليسرى برقبته، وقفت على رؤوس أصابعها، احتضنته، فضّت عذرية شفتيه بلسانها، ثم هدأت.
ـ باي باي، شاتسي (كنزي). همست الممرضة بعد أن صفعته برفق على مؤخرته الرياضية.
ـ باي، شاتس.
**

تَعَرَّى من ثِيابهِ، نظر إلى نفسه في المرآة:
هلْ ما زالَ تَغَضُّن الْوَجْهِ لدى رجال الشرق جذّاباً ومثيراً لاهتمام الأنثى؟
هلْ ما زالَ الرجل يعتز بشاربيه؟
هلْ ما زالت المرأة ترى في شاربيه الحماية والرجولة؟
هلْ ما زالَ الرجل يفتخر بالشعر الكَثّ على صدره؟
هلْ ما زالت المرأة ترى في شعر صدره مصدراً للإثارة؟
هلْ أصبحت النارجيلة رمزاً للمساواة بين المرأة والرجل في الشرق؟
ابتسم إبراهيم لوجهه في المرآة وهمهم:
ـ أوه .. شد ما تكلمت مع نفسي في هذين اليومين، أكثر مما تكلمت معها في أشهر عشرة.
**

في مراهقته كان يرغب أن يصير ضابطاً مهندساً في البحرية، وسامته وشخصيته تتناسبان مع هذا العمل، اللون الأبيض هو من ألوانه المُفضَّلة، النساء تعشق الحذاء الأبيض وهو يعشق النساء، السفر مع السفينة متعة بالنسبة له، ثم أن ضابط البحرية أقل الضباط عنجهية وأكثر الفئات العسكرية حباً للحياة، لم يرغب يوماً أن يكون ضابطاً في سلاح الجوّ رغم الشعار الشرقي الشوفيني "سماؤنا لنا حرام على غيرنا"، لم يصدّق شعاراتهم في حياته، حكام الشرق يكذبون حتى على أطفالهم، يهددون بحرق بلدانهم وقتل شعوبهم، لا يهددون وحسب، بل يحرقون الشجر والضرع ويقتلون الشعب ثم ينهبون كل ما يقع بين أياديهم.

شعار أكاديمية ضباط الجيش في ألمانيا مستمد من كلمات الروائي الألماني "تيودور فونتانه": "سُمُوُّ أشكال الحياة هو أن تخدم بِحُرِّية".

مُنِحَتْ المرأة الأقوى في العالم وأكثرهن نفوذاً، والحاصلة على شهادة الدكتوراه الفعلية في الفيزياء أربع عشرة شهادة دكتوراه فخرية أو أكثر، بالإضافة إلى عشرات الجوائز والتكريمات، ومع هذا فإنها بقيت تُخاطب في المحاضر الرسمية فقط بالسيدة المستشارة، أحياناً بالسيدة ميركل، دون مقدمات أو مؤخرات، ودون مقولة "ميركل أو نحرق البلد".

**
مَدّ إبراهيم يده اليمنى إلى الخزانة، أخرج منها بِذْلَة ضابط البحرية، ارتداها على مهل، البنطلون أولاَ ثم القميص، لبس جراباً من الحرير ثم وضع حذاء الجلد الأبيض في قدميه، أحاط رقبته بربطة العنق السوداء، عقدها عند حلقه في ثوان معدودات، زرّر القميص الأبيض طويل الأكمام، ارتدى الجاكِتّة، سوّى النجمة العسكرية على كتفه، وضع القُبَّعَة على رأسه، نظر في المرآة إلى صورة الضابط الأبيض وجلجلت ضحكته الرعدية، أدار قرص الهاتف الوهمي وطلب رقماً خاصاً، رفع قدمه اليمنى وخَبَطَ أرْضَ الغرفة، قدم التحية لنفسه وللقائد الوهم:

ـ تمام يا سيدي، سفينتي جاهزة للرحلة الغريبة، نعم يا سيدي، لا تقلق.

ـ قسماً بقطار آخن سأكون اليوم للمرأتين ضابط السفينة المحترم والرجل النبيل، سأمتِّعهن على ظهر سفينتي، ستكونان مسرورتين حتى التعب اللذيد، سأكون اليوم "ريتشارد جير" الثاني، مع فارق وحيد هو مكان الولادة، أنا ابن الشرق وهو ابن فيلادلفيا الأمريكية، ولما لا؟ فأنا أشبهه بعض الشيء، على الأقل حين كان شاباً، حتى أن قامتي أكثر امتشاقاً من قامته ولعلني أشدُّ بأساً وأعظم قوّةً منه.

سجائر غارغويل وأعواد الثقاب ورائحة النساء في كل زاوية، فتحَ إبراهيم الباب المطّل على بلكون صغير، دخل هواء بارد إلى رئتيه، أنعشه، ما زالت تمطر في الخارج، أشعل سيجارة، شّمّ دخانها، استنشقه بعمق عائداً بذاكرته للوراء، غالباً ما يرتبط إحساس الشّمّ الفعلي بقوة مع العواطف والذكريات والدوافع الهرمونية. رمى عقب السِّيجارة على أرض البلكون الرطبة بانفعال، انطفأ من تلقاء ذاته، أغلق الباب، لعن الشرق والغرب في سره، سوّى ياقة قميصه ومشى بخطوات واثقة متجهاً إلى صالون الاحتفال، وهو في الكوريدور وصله من المطبخ صفير إعجاب وحماس، زعقت السيدتان، الممرضة والشرطية، بصوتٍ سيكسي:
ـ واوووو... برافو إبراهيم، مدهش!
ثم أردفت الشرطية هنيلوري:
ـ تبدو ببذلتك البيضاء كتاجر مخدرات أميركي في قمة الوسامة.
عقّبت الممرضة سابينه:
ـ بل يبدو كالأخ التوأم "ريتشارد جير"، خذ مكانك في الصالون، دقائق وتجهز مائدة الاحتفال.
**

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي