قطار آخن 18

علي دريوسي
2022 / 10 / 19

لم يتلفظ إبراهيم بشيء، هاله ما يرى أمامه، بقي مدهوشاً، أخطأ الكاتب البريطاني "روديارد كبلينغ" حين قال أن "الشرق هو الشرق والغرب هو الغرب - ولن يلتقيا أبداً"، كذب الكتّاب ولو صدقوا، في التَنَوُّع يكمن الاِرتقاء الحضاري، ها هو الشرقي البائس العنيد إبراهيم يلتقي مع المؤخرة الغربية غير المُحَجَّبة وجهاً وجه، لكن العلاقة بين الشرق والغرب لا تكمن بالجنس وقضايا المرأة وحسب، الكرسي الشرقي الإسلامي قد يلتقي ويتقابل ويتواصل مع الكرسي الغربي المسيحي أدبياً وإنساياً، والدليل على ذلك هو ذاك النصب التذكاري لكرسيين من الغرانيت في ساحة بيتهوفن في مدينة فايمر الألمانية، النصب الذي يجمع بين الأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته والشاعر الفارسي حافظ الشيرازي. جاء في كتاب "الديوان الشرقي-الغربي" عام 1819 للأديب فون غوته: "من يعرف نفسه والآخرين، سيعترف أنّه لم يعد بالإمكان فصل بلاد الصباح/الشرق عن بلاد المساء/ الغرب". لا يمكن لأحد أن ينسى بأن العالم الغربي قد حصل على الكثير مما يملكه عن طريق الشرق: دينه، فنه، علومه، ثقافته العلمية، حضارته حتى حبوبه وثماره. هذا ما يعترف به ـ على سبيل المثال ـ الكاتب الألماني الأيقونة "كارل فريدريش ماي" في روايته الشهيرة "الأرض وأمير الجن". ثقافة الاِعتراف بالآخر مسألة راقية وصعبة المنال. القدرة على الإنصاف، إنصاف الآخر واِستيفاءه حقّه، حتى لو كنت لا تتفق معه معرفياً أو إنسانياً، هي مَهَارة عملية/معرفية، هي فنّ ثقافيّ لا يُتقِنه إلّا الأحرارَ الأقوياء، الواثقين من خطاهم وقدراتهم المعرفية التي لا تنضب. ومع هذا يُمكن للإنسان أن يتدرب على اكتساب هذه المهارة إذا توفرت فيه الاستعداديَّة للتعلم ولإبداء بعض التواضع بمعرفته لذاته.
**

مشت الشرطية خطوتين عشوائيتين، أصبحت على مسافة كافية من مؤخرة الممرضة الشهية، سحبت هراوتها ولامست بها نضارة هضبة اِمرأة، براحة يدها اليسرى صفعتها على الفلقة اليسرى من مؤخرتها ممازحةً، ضحك المساء، رأت الشرطية ابتسامة إبراهيم، رأت دهشته وشهوته لدخول طقوس اللعبة، قالت له كأنها في مشهد مسرحي:

ـ أنت كالثعبان!
ـ لماذا!؟ دعينا نكمل سهرتنا دون مشاكل، طباعك استفزازية مثل الروس، هل حقاً أن أباك ألمانيَ الوطن والولادة؟
ـ لأن الثعبان يرفع رأسه فقط للتجسس على أعداءهِ أو ضحاياه، وإلا فإنه يزحف بطريقةٍ ساذجة، هو وحده من يظنها ذكية. هذا ما تفعله معنا يا إبراهيم.
ـ أنت عنيفة بعض الشيء.
ـ ماذا تعني بالعنف؟
ـ العنف هو استخدام القوَّة اللسانية استخداماً غير مشروع.
ـ كأنك مستاء، منفعل وغاضب وترغب سراً بالانتقام مني دون أن تستطيع.
ـ ليس لدي فكرة الانتقام حتى بالحد الأدنى، لكن تأكدي تماماً أنني أملك القوة والشجاعة لتنفيذها لو كانت موجودة !
ـ في الواقع وددت أن أعرف إن كانت مؤخرة سابينه تعجبك أم لا؟
ـ قسماً بقطار آخن لو سُئلتُ ما هي التحفة الفنية التي تعتبرها الأفضل في هذا الصالون الرائع؟ لأجبتُ على الفور: تلك هناك. وأشار بأصبع يده إلى مؤخرة الممرضة.
ـ إذاً تصافينا. قالت الشرطية ببهجة انتصار. ثم أضافت:
ـ هل لديكم في الشرق أعمال فنية ومنحوتات لعراة في الحدائق والساحات؟
ـ لا ليس لدينا! من الأمور المهمة التي نفتقدها في مجتمعنا الشرقي هي ندرة النصب التذكارية لرجالات الفكر ونسائه، لمؤخرات النساء ومقدمات الرجال في الساحات والحدائق العامة، نعم، وجودها هو إضافة ثقافية وحضارية وجمالية للبلد.

لعن الشرطية والممرضة في سره وهو يبربر: جهزي حقائبكِ يا ممرضة، رتبي قلبكِ، عطركِ الثمين وسجائرك وملابسك الرقيقة، الليلة سنغادر أبكر، الليلة سأعلمُك الصلاة دون حجاب.

حاولت سابينه تخميد الحوار والتحكم بدفة قيادة السهرة من جديد، قالت كوسيط صلح:
ـ لقد جاء دورك لتخلع عنك ثياب المنزل وترتدي ثياباً تليق بسهرتنا، مَنْ الشخصية التي تشتهي أن تكونها هذا المساء؟
ـ أنا! لا، لا أرغب، أخجل مما تقوليه، هل جننت؟
ـ اسكت، ستكون راضياً، تعال معنا، نريك غرفة اللباس، لتتقمص ما يناسبك من أدوار. الحياة تستحق أن تُعاش وتُفهم.
**

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي