|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
إدريس ولد القابلة
2022 / 10 / 9
بينما يتحدث "جو بايدن" عن خطر "نهاية العالم النووية" مع الغزو الروسي لأوكرانيا ، تساءل آخرون لماذا لا تكون هذه الحرب هي الوقت المناسب للمطالبة بنزع السلاح النووي وتجريد دول العالم منه. في حين أكد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن بلاده لديها "وسائل تدمير مختلفة"، وأنه لن يتردد في استخدامها إذا تعرضت "وحدة أراضي" البلاد للتهديد. ويقارن الرئيس الأمريكي الوضع الحالي بأزمة الصواريخ في1962.
في 1962 ، في خضم الحرب الباردة ، وبعد المحاولة الأمريكية لغزو كوبا ، أراد السوفييت وقتئذ تثبيت صواريخ نووية في الجزيرة ، لتقريبها من الولايات المتحدة ، وربما تكون قادرة على استخدامها ضدهم. وتصاعد التوتر بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ، مع خطر اندلاع "حريق نووي".
بمقارنة الوضع الحالي بتلك اللحظة بالذات ، يعطي "جو بايدن" إشارة إلى "فلاديمير بوتين" مفادها: إذا قررت روسيا استخدام سلاح نووي تكتيكي ، فإن الولايات المتحدة سترد على الفور وبشكل مماثل (1).
__________________
(1) – يقول الخبراء في هذا المجال، إن هناك أسلحة نووية تكتيكية ونووية استراتيجية. والأسلحة التكتيكية لها مدى أقصر من الأسلحة الاستراتيجية التي يبلغ مداها أكثر من 5000 كيلومتر. لكن الأسلحة التكتيكية (على أقل تقدير) هي بنفس قوة تلك التي استخدمت في "هيروشيما" أو "ناكازاكي" باليابان في الحرب العالمية الثانية.
____________________
ويبدو أن هذه المقارنة مع أزمة سنة 1962 تسعى بالأساس إلى خلق ضغط بهدف دفع "فلاديمير بوتين" إلى التفاوض الجدي. ومن المعلوم أن الأزمة الكوبية لم تنتهي بالحرب، لأن مفاوضات جرت بين الأمريكيين والسوفييت. ونتج عنها سحب الأسلحة النووية السوفيتية من كوبا ، وتفكيك الأسلحة النووية الأمريكية في تركيا وإيطاليا. بل ويبدو أن لسان حال "جو بايدن" يقول لـ "فلاديمير بوتين": "قد حان الوقت قد لكي نتفاوض وأن تنسحب من أوكرانيا بدون ضجيج".
لكن والحالة هذه، هل درجة التصعيد خطيرة فعلا؟
قد يكون يبدو – حسب المنطق الرياضي البحث – بقدر ما يفشل "فلاديمير بوتين" في تحقيق ما سعى إليه من شنه الحرب ضد أوكرانيا، بقدر ما يكون هذا التصعيد خطيرا جدا، علما أن القوات المسلحة الروسية تعاني حاليا سلسلة من الانتكاسات في أوكرانيا. وإذا وجد نفسه محاصرًا، فقد يرغب في محاولة توجيه ضربة أقوى باستخدام سلاح دمار شامل. في الوقت الحالي، تظهر تصريحاته قبل كل شيء، أنه مستعد لاستخدام السلاح النووي ، وأنه لا يريد الانسحاب من هذه الحرب. لذلك يحاول "فلاديمير بوتين" اليوم استغلال لصالحه المخاطر التي يمثلها استخدام الأسلحة النووية للضغط على الغربيين الذين يدعمون أوكرانيا ، ودفعهم إلى الحد من تدخلهم وعدم الذهاب أبعد مما هو الحال عليه اليوم بخصوص الدعم والمساعدة التي يقدمونهما لـ "كييف"، ولعل أدنى ما يصبو إليه حاليا هو خلق الانقسام داخل الرأي العام الغربي من خلال اللعب على وتر الخوف والهلع.
ومن المعلوم، في السنوات الأخيرة لم يتم القضاء على خطر وقوع كارثة نووية بفعل عسكري. ولهذا السبب شنت الدول غير النووية حملة كاملة لحمل الأمم المتحدة على تبني معاهدة حظر الأسلحة النووية (2). رفضت جميع القوى النووية المشاركة في ديناميكية الحظر هذه ، لكن النقاشات كانت تجري في العديد من الدول الأوروبية تحت مظلة نووية لكي تنضم إلى المعاهدة. لكن الأزمة مع أوكرانيا كسرت هذه الديناميكية وأجهضتها.
_________________
(2) - دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في يناير 2021. وهي تنطبق فقط على الدول التي وقعت وصادقت عليها ، ولم تفعل أي من القوى النووية ذلك. ومع ذلك ، فإنها تنشئ التزامات ، بما في ذلك حظر تمويل الأسلحة النووية ، مما دفع بعض المؤسسات المالية إلى سحب التمويل من شركات الأسلحة النووية أو ذات ارتباط بها.
________________
حتى الآن ، ظلت استراتيجية الردع النووي كاستراتيجية لمنع الحرب ، وهي استراتيجية سلام. لكن "فلاديمير بوتين" قلب ، رأسا عن عقب، هذه الاستراتيجية ، مما جعلها أداة قد تسمح له بشن الحرب من خلال الضغط على الرد ليكون أضعف. كان هذا الانقلاب هو الذي حطم ديناميكية نزع السلاح النووي التي برزت على المستوى الدولي من قبل. وهذا ما يفسر سبب طلب دول- مثل بولندا-اليوم امتلاك أسلحة نووية أمريكية على أراضيها. كما قامت "بيلاروسيا" ، من جانبها ، بنفس الشيء للحصول على أسلحة روسية. وهذا مسار خطير يعيد إضفاء الشرعية على امتلاك الأسلحة النووية.
فما الواجب فعله لمنع تداعيات هذا التصعيد الخطير؟
من جهة الاعتبار المطلق، على الدول التي تمتلك أسلحة نووية أن تدخل بوضوح وفورا في ديناميكية عملية نزع السلاح النووي التي وضعتها الأمم المتحدة. وبالتالي الانضمام الكلي إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية، والمضي قدما في التخلي عن أسلحتهم النووية. لكن من الجلي أن القوى النووية لا تفكر إطلاقا بهذا المنطق ولا يخطر على بالها بالمرة حاليا. اليوم، تريد الدول الاحتفاظ بالسلاح بمجرد أن يكون في متناولها وقبضتها. وبالتالي لا يمكن التعويل عليها للسير على الدرب.
لذلك، سيكون الأمر متروكا على عاتق المجتمع المدني، على المواطنين والجمعيات والمنظمات غير الحكومية المختلفة للتعبئة للضغط على الحكام والحكومات التي تحتفظ بأسلحتها النووية ، وتشجيعها على الدخول في عملية التخلص منها. هذا وحده، المتاح حاليا، وهو الذي سيجعل من الممكن الحصول على وقف التصعيد في هذا المضمار – ولكن شريطة أن يكون هذا في إطار مد وحراك عالميين ، لاسيما فيما يتعلق بمخاطر الكوارث النووية التي يمكن أن تترتب على ذلك. ففي السنوات الأخيرة ، تم القضاء على أسلحة أخرى (القنابل العنقودية والألغام المضادة للأفراد ...) ولم يكن ذلك ممكناً إلا بفضل حراك المجتمع المدني وحشد المواطنين. أما الدول ستظل ماسكة بالنواجد على أسلحة الدمار الشامل التي بحوزتها، أو ستبقى تسعى لحيازتها كلما توفرت لها الفرصة اليوم لذلك أكثر من أي وقت مضى.
فقد ظل كان "فلاديمير بوتين" يلمح، منذ شهور، إلى استعداده لاستخدام الأسلحة النووية ، وأرادها فرصة لدفع بعض الأقاليم للانفصال عن دولتها. وهذا يدخل في نطاق استراتيجية الخوف والهلع التي تتبناها اليوم موسكو بقيادة "بوتين". لكن من جهة أخرى، إن واقع الحال هذا، من شأنه أن يقدم فرصة، لجعل الحراك العالمي المدني المتحدث عن أعلاه ممكنا، لأنه عندما يكون الناس على دراية بالخطر المحدق، ويدركون فعليا أنه إذا تم استخدام تلك الأسلحة ، فسيكون ذلك كارثيًا، تتوفر إمكانية التعبئة للمطالبة بنزع السلاح الفتاك. وقد يقول الروسي "لحسن الحظ لدينا أسلحة نووية"، ولعله أول رد فعل أكثر احتمالا، لكن بمجرد التخلص من الخوف، من المحتمل جدا أن يتساءل الروسي - إذا استخدم "فلاديمير بوتين" بتنفيذ تهديده ، وقام الطرف الآخر بالرد ، فهذا بمثابة فتح بوابة مسار نهاية الإنسانية. وهذا لن يريده لا روسي ولا غيره. لكن إذا تمكن الحراك المدني العالمي من دفع الدول والحكومات لطرح إزالة الأسلحة النووية على الطاولة، فهذا يمثل الخطوة الأولى لتوسيع حراك المطالبة بإزالة الخطر على الجميع.
لكن هذه الخطوة تتطلب عزيمة فولادية في عالم تناسلت فيه الأسلحة النووية، ولازالت دول تسعى جاهدة لامتلاكها.
مر على قصف "هيروشيما وناكازاكي" باليابان بالنووي – الذي تسبب في مقتل 200 ألف شخص وأضرار بيئية لا يمكن إصلاحها- ما يناهز 8 عقود، وما زالت الأسلحة النووية تنتشر. وعلى الرغم من انعدام الأمن الكبير الذي تخلقه على كوكبنا ، فإنها تستمر في الانتشار وتضاعف قوتها التدميرية بشكل غير مسبوق.
نلاحظ اليوم انتشار عمودي وانتشار أفقي. فالقوى النووية التسع (3) ، التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية ، تشرع في إجراءات لتجديد ترسانتها ، بهدف جعلها أكثر كفاءة. وهذا هو انتشار عمودي. وتسعى الدول الجديدة إلى السيطرة على الدورة النووية بأكملها ، مثل إيران ، التي تدعي الآن أن لديها "القدرات التقنية" لتصنيع القنبلة النووية. هذا انتشار أفقي.
___________________
(3) - الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - والولايات المتحدة ، وروسيا ، والصين ، وفرنسا ، والمملكة المتحدة - وكذلك الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية.
_________________
نعم، لقد انخفض الحجم العالمي للأسلحة النووية من 70 ألف خلال الحرب الباردة ، إلى حوالي 13 ألف حاليًا ، 90 في المائة منها في حوزة الولايات المتحدة وروسيا. لكن فيما يتعلق بالأسلحة النووية ، كل ما يتطلب الأمر هو قنبلة واحدة لإحداث ضرر لا مثيل له من قبل جميع المتفجرات الأخرى المستخدمة في حالة الصراع. فالمخزونات الحالية كافية لتدمير الكوكب أكثر من مرة ، وبشكل متكرر.
فما هو تأثير الأسلحة النووية على مسار الحرب في أوكرانيا (4)؟
______________________
(4) - لا يخفى على أحد أن أوكرانيا كانت في حوزتها ترسانة نووية. وفي فجر تسعينيات القرن الماضي ، تخلت عنها ، وكانت تمثل 17 في المائة من القدرات النووية السوفيتية. في ذلك الوقت ، لم يكن الأوكرانيون ولا قادتهم يتخيلون يومًا ما أنهم سيتعرضون لغزو من جارهم الروسي. عندما تم الإعلان الاستقلال في 24 غشت 1991 ، ورثت الدولة ثالث أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم ، تتكون من أسلحة تكتيكية واستراتيجية ، أي ما يقرب من 2500 رأس حربي تكتيكي. وأكثر من 1500 رأس حربي موجودة في الصواريخ العابرة للقارات. كما كان في حوزتها حوالي أربعين قاذفة استراتيجية قادرة على إطلاق 500 صاروخ كروز. بدأت المفاوضات مع روسيا والولايات المتحدة وخلصت إلى بروتوكول لشبونة الصادر في مايو 1992. وتم اتخاذ قرار بنقل جميع الأسلحة التكتيكية إلى روسيا ، وتتبعها بقية الترسانة ، وفقًا لرسالة مذكرة بودابست في ديسمبر 1994.
_______________________
هاجمت روسيا أوكرانيا ، وهي دولة تمتلك الكثير من محطات الطاقة النووية. وفي حالة الحرب ، تكون كل هذه المنشآت عبارة عن قنابل موقوتة ، إذا تم استهدافها ، يمكن أن تدمر جزءًا من الأرض بسكانها. أوكرانيا لديها خمسة عشر مفاعلا نوويا. إذا حدث انفجار فقد يكون كارثيا، ليس على أوكرانيا فحسب، ولكن على أوروبا.
لقد قلبت هذه الحرب النموذج ( "الباراديجم" - paradigm ) الواسع الانتشار: أي نموذج الردع النووي ، الذي يقوم على الاعتقاد بأن امتلاك أسلحة نووية ، وعواقبها الكارثية التي قاسها المجتمع الدولي ، يردع الحرب. في حالة أوكرانيا ، الأمر عكس ذلك تمامًا: فبدلاً من الحفاظ على السلام ، تستخدمه روسيا لتهديد الدول التي ترغب في التدخل ، من أجل مواصلة هجماتها كما تشاء دون خوف من انتقام كبير وواسع.
في هذا السياق ، تجب الإشارة إلى دينامية نزع السلاح النووي على الصعيد الدولي. علما أنها تسارعت في يناير 2021 ، مع بدء تنفيذ معاهدة حظر الأسلحة النووية - والتي تعتبرها غير قانونية بموجب القانون الدولي وبالتالي منعت حيازتها وتصنيعها واستخدامها والتهديد باستخدامها - واعتمدت 122 دولة في الأمم المتحدة في 2017 هذه الاتفاقية.
لكن القوى النووية التسع وحلفاؤها رفضوا النظر في هذه المعاهدة وعرقوها. فقد التزمت الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة - منذ 1970 مع بدأ تنفيذ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ، التي صادقت عليها - بمواصلة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في وقت مبكر وبنزع السلاح النووي. إلا أنهم لم يفوا بوعدهم.
لكل هذا، فإن الأمر اليوم متروك للمجتمع المدني وحركات المواطنين، لإجبار قادة القوى النووية على الانخراط فعليًا في عملية نزع السلاح، فلا سبيل موثوق اليوم إلا هذا السبيل.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |