دور الدّين في السلطة السياسية، وفرضه على الآخر المُخالف.

ازهر عبدالله طوالبه
2022 / 9 / 25

يُمكن فصل الدّين عن الدّولة والسياسة، إلّا أنّهُ لا يُمكِن التّعاملَ معهُ بالرَّفض الكامِل. فالدّين لا يُمكِن فصلهُ عنِ المُجتمَع بقرارٍ أو موقِف. فبالنَّظرِ إلى الجذر الإجتماعيّ للدّينِ وفهمه، فإنَّهُ يتّضِح لنا بأنَّهُ في عهدِ الرّق والعبوديّة كانَ الحاكِم/أو الملك إله، وفي عهدِ الإقطاع صارَ الحاكِم والملِك "الحاكِم باسمِ الإله". وأمّا الآن فالأمرُ واضِح للعيان، وهو أنَّ المؤسسة الدّينيّة لا تتوقَّف عن خدمةِ الحاكِم، وتوظيف كُلّ إمكانيّاتها للسّعي نحو تحقيق مآربه على الرّغم مِن أبعد ما يكون عنهُ الحاكِم ؛ الدّين.

وعلى ذلك، ففيما يتعلَّق بالإديان، والتغيُّراتِ التي تطرأ على "مفاهيمها" لتكونَ صالِحة لكلِّ زمانٍ ومكان، يجِب علينا أن نقِف لنرى حقيقتنا على أكمَل وجه، وأن نضعّ حدًّا لتهرُّبنا الدّائمِ مِن كُلّ ما نخشى مُواجهته، ومِن كُلّ ما يُنغِّص علينا عيشَنا تحتَ أغطِيةٍ دينيّة لا تمُت للأديانِ الحقيقيّة بأيّ صِلة، وما أهدافها إلّا تحقيق مآربٍ سُلطويّة سياسيّة على حسابِ الدّين والمُنتَمينَ لهُ.

هذا وقتٌ لا مفرَّ فيهِ مِن أن نعي بأنّ حركة التّاريخ لن تتوقَّف، وأنَّ المهمّ الآن، هو الحاضِر والنَّظر للمُستقبَل، استِنادًا على البِناء على الماضي دونما أن نتبنّاهُ بكاملِ غُجرهِ وبُجرِه ؛ تجنُّبًا مِن أن يُبنى مُستقبل دينيّ على أساسٍ ماضٍ دينيّ مُعوَج لا يُمكِن تقويمه.



المؤسّسة الدّينيّة أفضَل مَن يخدِم السُلطة: ما يحدُث في إيران نموذجًا.

إنّ أغلَب مَن ينتَمونَ للتيّارات الدينّة "المُتصلّبة" لا يفهمونَ حقيقة الدّين ؛ لذا، تجِدهم يُحارِبونَ كُلّ تيّارٍ دينيّ تجديديّ حداثيّ. فيعتَقدونَ (اعتِقادًا جازِمًا) بأنَّ كُلّ شأنٍ مِن شؤون الدّين بيدهم، ويُريدونَ أن يقولونَ ويُسمَع قولهم ومِن ثمّ ينصاع لهُ، طوعًا، كُلّ مَن يسمَعهُ، دونما أن يقدِم على ولو مُحاولة للتّفكيرِ بما يقولون . فهُم في غالبيّتهم لا يؤمِنونَ بما يؤمِن بهِ المنطق الحديث، وهو مفهوم "الحركة والتطور". إذ كانَ مِن الأجدَر سبرَ أغوار التطوّر وفهم آليّة سيرِ حركته . فدراسة نواميس التطوُّر اولى بالعنايةِ من إمطارِ بني البشَر بوابلٍ من السبّ والشتم في المواعظِ الرّنانة، التي لا تُبدِع بشيءٍ بقدرِ إبداعها في الجوانبِ الإستهلاكيّة، بل في العقدينِ الأخرين، أبدَعتِ بقتلِ الأرواح وسفك الدِّماء، تحتَ حُججٍ واهية.

وبالتّالي، فإنَّ حساسيّة الكثير من الألفاظِ أصبحَت حِجابًا سميكًا عن كشفهم للكثيرِ مِن الحقائق الدّينيّة التي لا بُدّ وأن تكونَ صالحةً لكُلِّ زمانٍ ومكان، ومِن أهمّها ؛ التّفكير والفِكر، خاصةً المُختلفانِ، إلى حدٍّ بعيد، مع منهجيّاتِ - إن كانَ لهُم منهجيّات- الفكرِ والتّفكيرِ للتيّاراتِ آنفة الذّكر.

إنّ حُريّةِ "الفكرِ والتفكير" هي مِن المُسلّماتِ في أيِّ مجتمع، إذ لا شكَّ بأنّ العقيدة في أغلبِ المُجتمعات، واحِدة، إلّا أنّ باب النِّقاش مفتوحٌ للجميع، وأنّ تبادُل الآراء هو مِن أبرَز الدّلائل على الرُّقيّ في الفكرِ والتّفكير في أيّ شأن، لا سيَّما الشّأن الدّينيّ، وهذا دون أن يكونَ هُناكَ ضغينةً أو حِقدًا بينَ المُختلفين . إذ يجِب أن يبقى هذا الأمر في دائرةِ الإختلاف دونما أن يمتدّ إلى دائرةٍ "الخِلاف". كما ويجِب أن تكونَ القاعِد المُسيّرة هي " ألّا نؤمِنَ بفكَرة أنَّهُ إن لم تكُن معي ؛ فأنتَ ضدّي..وإن لَم تكُن مِن المؤمنينَ بأفكاري ؛ فأنتَ كافر" . فلا استباديّه للأفكار وفرضها، كما وأنّها لا تُشدَّد، ولل يجوزَ أن تحمِل ولو ذرّة عُنصريّة في العقائدِ ؛ وذلكَ لأنّ هذا، وبالضّرورة، سؤدّي إلى المشاكِل،وبالضّرورة أيضًا ستولَّد عنها العُنف.


والعُنف الذي نشّهدهُ في كُلّ بقاعِ الدُّول الإسلاميّة، تحتَ ذريعَة فرضِ "الوصاية" وترسيخِ العقيدة الإسلاميّة، هو عنفٌ مُنقطعِ النّظير، وهو افضل دليلٍ على أنّ مُعظَم القيادات الدّينيّة تنتَهج نهجًا مُخالِفًا للدّينِ الذي تعتَنِقهُ، وتروم تطبيقه . فعلى سبيلِ المِثال، فإنَّ ما يحدُث في ‎#إيران، جراء قتل فتاة " مهسا أميني" على يدِ ما يُسمّى ب"شُرطة الأداب"، يُثبِت لنا بأنَّنا في الشَّرق، أبناءَ مُجتمعاتٍ تعشَق الوِصاية، على إطلاقِها، ولا تكُف -أي المُجتمعات- عن السّعي نحو إيجادِ مُبرِّرات لها، حتى وإن كانَت هذه المُبرّرات "مُبرِّرات دينيّة" نحوّرها ونؤلها كيفما نشاء، خاصةً، وأنَّنا متلهّثونَ لكلِّ ما هو دينيّ.

وهُنا، أرى بإنَّ كُلّ هذه الأحداثِ، وبكُلِّ تفاصيلها الدّقيقة، تؤكِّد ما قالتهُ "دافين مِينوي" في كِتابها "أكتُب لكُم مِن طهران" والذي كتبتهُ بعدَ عقدٍ مِن الزّمن على الثورة، بأنَّ أهمّ ما في الأمرِ اليوم " أنّنا اعتَرفنا بالأخطاء التي ارتكبناها، وأنّهُ وقت الإستماع لمطالبِ الشَّعب، وأنَّهُ أوان الثورة على الثورة".

تلكَ الثورة التب قامَت على دِماء والتي بدأت نِهايتها على دِماء، وهذ ما لا يُمكِن أن يكونَ أمرًا مِن صُلبِ الدّين . إذ أنّهُ ليسَ مِن المعقولِ أن يكون الدّين، أيّ دين، يُمارِس هذه الغِلظة على البشَر، ويُسلِبَ منهُم حُريّتهم، ويقوٍّضهُم، وهو الذي ما كانَ ليكون موجدًا لولا الحِفاظ عليهم. إذ أنّ مِن أهمّ مقاصد الدّين ؛ حِفظ النَّفس.

فالقتلُ مُرعِب، ولا يُمكِن أن يكونَ هُناكَ إنسانًا سويًّا يقبَل بهِ ويُبرِّرهُ . إذ أنَّ لا الفِكر الدينيّ ولا المنطِق العقلانيّ الذي يفصِلهُ البعضُ عن الأديان، يقبلانِ بأن يُراقَ دم إنسان.
لكن، ما بدأتُ ألحَظهُ، مؤخرًا، هو أنَّ هُناكَ ثُلّة من الأوباش، يُبرِّرونَ القَتل ولا نسمَع نعيقهم التبريريّ إلّا عندما تكون الضحيِّة فتاة؛ حيث تراهُم يحيكونَ المُبرِّرات، مُبرِّرًا تلوَ الآخر، وكلّ هذا في سبيلِ ترسيخ" سُلطويّة الأنا المُتضخّمة"عندهم.
فهؤلاء لا ييدعونَ بشيءٍ في حياتهم كما يُبدعونَ بتبريرِ جرائمِ القَتل، وبدرجةٍ عالِية مِن الإنحِطاط والدناءة.

كما وأنَّهُم يؤكِّدونَ على أنَّهُ ليسَ هُناكَ شيء أفظَع وأبشَع خطرًا على الإنسانِ في حياته أكثَر مِن بشاعَة وفظاعَة الإنسان ذاتِه، وأنَّ الإنسانَ، إلى حدٍّ بعيد، وبفضلِ اعتِقاده القائم على تضخيم الذات الذي يُلبِسه لنفسه، هو السبب الأوَّل والأخيرِ في إنهاكِ وتخريبِ الأرض.

إنّ هذه الثُلّة السخيفة، التي تلتَهما الخِسّة مِن كُل جانب، والّتي رُبّيَت تربية مُجتمعيّة مُتوحّشة، لا تكُفّ عن إطلاق النار على الأخلاق.
وما هذا إلّا نتيجة لتربيةِ المُجتمعاتِ التي لا تُربّي إلّا على "المظاهِر"، وعلى السُلطة المُطلَقة، القائمة على دعمِ الوصايةِ الفارغة المضمون.


وأخيرًا، أتساءل:
-كيفَ تُقتَل الأنفُس (البريئة) باسم الدّين؟!
- أمِنَ المعقولِ أن تكون الشُرور الإنسانيّة مِن تعاليمِ الدّين؟!
-أمِنَ المعقولِ أن تكونَ ترهات "التملُّك" مِن أهمّ فرائض الدّين؟!
- أمِن المعقولِ ألّا يستقيم الدّين إلّا بفرضِ السّيطرة على الآخر المُخالِف؟!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي