عن رواية -غسّان كنفاني.. إلى الأبد-.

صباح بشير
2022 / 9 / 23

صباح بشير:
صدر حديثا عن مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ رواية "غسّان كنفاني إلى الأبد" للأديب الكبير محمود شقير، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينيّة وملتقى فلسطين للرواية العربيّة.
يقع الكتاب في 128 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قدّم له وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف بكلمات مؤثرة.
استهلّ أديبنا روايته بفقرة مقتبسة للراحل كنفاني: "سأظلّ أناضل لاسترجاعِ الوطن لأنّه حقّي وماضيّ ومستقبلي الوحيد، لأنّ لي فيه شجرة وغيمة ومطرا وشمسا تتوقّد، وغيوما تمطر الخصب، وجذورا تستعصي على القلع".
باشر الكاتب حكايته من القدس وبيروت بأسلوب أدبيّ سلس، فأبدع كعادته في السرد وتوثيق مرحلة هامّة من تاريخ شعبنا، ليصل بالقارئ إلى تخيّلها مع السطور فيحياها بصدق وكأنها أمامه، بأحداثها وقصصها ومفرداتها المنتقاة بعناية، ويذكر أنه حين التقى بكنفاني في بيروت، صيف العام (1965) كان يقيم في فندق قريب من مركز المدينة، ثم هاتفه قائلا: أنا قادم من القدس وأرغب في لقاء معك، فردّ عليّه غسّان بصوت ودود:
أهلا بك وبالقدس التي قدمت منها... فأبدى الطَّفل الذي في داخلي فرحته باللّقاء المنتظر.
بدأ شقير يروي الأحداث ويصور اللقطات من سيرة غسّان بلغته وكلماته الشيّقة، فاستعرض حكايات عدّة من حياته، أعماله الأدبية ونضاله.
حرص على حضوره البهيّ المشرق؛ ليبقى حاضرا في أذهان الأجيال القادمة، فقد توجه بهذا العمل إلى اليافعين واليافعات، وذلك لإبقاء جمر الذاكرة الفلسطينية متّقدا راسخا حيّا، مشركا ذلك الطّفل الذي يسكنه في التفاعل مع كلّ جزء من أجزاء الرواية بمتعة وانسجام، ذلك الطّفل الذي ظلّ منبهرا بكلّ ما يراه، وظّفه الكاتب؛ ليشرح ويفسّر كلّ ما يستعصي على القارئ الصغير من خلال بناء لغويّ فنّيّ جماليّ، يخاطب الوجدان ويحلّق بخيال اليافع، ويقدّم له بعض الصور الواقعية المؤثرة.
وفي حوار ذاتي بين الكاتب وطفله الداخليّ يقول شقير: ذات مرة ارتفع صوت ذلك الطّفل وراح يتذمّر ويشكو، فردّ عليه: يا طفلي العزيز، كلّ ما كتبته من قصص مستوحى من دهشتك التي تبديها تجاه الأشياء، وكلّ الأطفال الذين ظهروا في قصصي استوحيتهم من براءة طفولتك.
نجحت هذه الرواية في استخدامها الذكيّ لتقنية المونولوج الداخلي بين الكاتب والطفل الساكن في داخل مؤلفها، لدرجة الشعور أن شخصية هذا الطفل الداخلي في النصّ، شخصية رئيسية فعّالة من جيل آخر مختلف، تتحدّث وتجادل وتعبّر عن نفسها كيافعٍ يقرأ لكنفاني بكلّ حبّ، ويعرض الكثير من المعلومات عنه، مواقفه وسماته الفكرية وأعماله الأدبية والفنية.
استمر الكاتب في سرده الشيّق ووصف أعمال غسّان كنفاني، جودتها وسلاستها ولغتها الشاعرية، حتى وصل إلى رواية "رجال في الشّمس" فكتب على لسان صديقه محمد:
"ألم تنتهِ تلك الرّواية بالتَّساؤل الذي ظلّ صداه يتردّد في الصّحراء، ثمّ في القلوب وفي الأذهان منذ صدورها.. لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا؟" (ص16)
لقد تعامل شقير مع النّصّ بحرفيّة قاص مبدع أتقن أدواته، واصل تناول الأحداث حتى نهايتها وختم بعبارات مؤثرة جاء فيها:
سيظلّ غسّان حيّا في قلوب محبّيه، هو معنا في المدن والقرى والمخيّمات، سيظلّ معنا في النّدوات الوطنيّة والثَّقافيّة، وفي بيوت الموسرين والفقراء، في احتفالات النَّوادي ومكتبات البلديّات والمؤسّسات المجتمعيّة، ومكتبات المدارس والجامعات حيث يقرأ كتبه الآلاف من الطالبات والطلابّ، سيظلّ معنا في المؤتمرات الوطنيَّة والثقافيّة وفي المناسبات التي تحتفي بكلّ مثقّف مخلص لوطنه وبكلّ أديب وفنّان.. سيظلّ مَعنا غسَّان. (ص124)
وفي رثاء غسّان كتب أن الشّاعر محمود درويش قد رثاه بكلماته الباقية، بقاء تراث غسّان فقال:
لا يكون العشق عشقا إلا إذا بلغ حدّ الخطأ، فلنذهب إلى الخطأ جميعا، لأنّه فاتحة الصّواب، ولنملأ الأُطرَ التي تركها غسّان، حتّى لا يكون وحيدا، ولا يتيما ولا حزينا.! (ص83)
الأديب الكبير محمود شقير غنيّ عن التعريف، فهو أحد أعلام أدبنا الفلسطيني، أطال الله في عمره ومتّعه بالصحة والعافية، فقد صدر له أكثر من سبعين كتابا، كتب القصّة والرواية للصّغار وللكبار، وأبدع في فنّ الأقصوصة، كما كتب اليوميّات، أدب الرّحلات، السّيرة الذّاتيّة والغيريّة، وستّة مسلسلات تلفزيونيّة طويلة وأربع مسرحيّات، وقد ترجمت بعض أعماله إلى عدّة لغات، كما حاز على الكثير من الجوائز.
هكذا أضحى أديبنا بعد عقود من الكتابة علامة ثقافية بارزة بأعماله التي ترتقي بمجتمعنا، وتساهم في بناء القيّم والأخلاق الساميّة النبيلة، بعد أن تحوّل إلى مقاوم يحمل القلم ويدافع عن قضيته وشعبه ويحمل هموم مجتمعه، يُبرز مكوناته الثقافية ويعبّر عنها بقلمه الوطنيّ الحرّ ليغدو كشجرة وارفة ظلالها، تضرب جذورها عميقا وتحتضن أغصانها، وتلقي بظلالها الممتدّة على أرض الوطن، تراثه وأدبه ولغته العربية الجميلة.
ولا ننسى أنّ له الفضل على كثير من مبدعينا وكتّابنا الذين أطرى عليهم بمقالاته، شجّعهم وسلّط الضوء على كتاباتهم، ودقّق الكثير منها دعما وتحفيزا.
نعتزّ بهذه القامة الأدبيّة الكبيرة، فكلّ المحبّة والتقدير لأستاذنا ومبدعنا القدير محمود شقير.
سيبقى حرفه مؤثرا في نفوس الأجيال وذاكرة الوطن.
23-9-2022

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي