مَن يفشَل في بناء الإنسان حتمًا سيفشَل في بناءِ العِمران.

ازهر عبدالله طوالبه
2022 / 9 / 15

بئسَت وانحدَرت مِن على سُلَّم الحضارة، كُل تلكَ الأوطان التي تحوَّلَت إلى سوقٍ كبير، رجاله يبّرعونَ بتجارةِ الأزمات، متفوِّقونَ بالتّباكي على أحوالِ الوطَن، وبكُلّ هلاسةٍ يتصيَّدونَ في الماءِ العكِر.

فهذا زمنٌ تغيَّرَ فيهِ مفهوميّ "الوطن" و "المواطنَة" . حيث أنَّهُما مفهومانِ ‏سُلِبا مِن أصّلِيهما، وفي بلادٍ نُسيَت رائحة تُرابها، رُميا على قارعةِ طريقٍ يمرُّ منهُ "تٌجّار الأزمات"..ولا شكَّ بأنَّهما قَد أصبحا بلا رئةٍ يتنفّسانِ منها، وقَد جُرِّدا مِن ماهيَتِهما.

هذا زمنٌ بخس، انقلَبَت فيه ثقافَة الاحترام، واتّسَعَت المسافة بيَن مَن همّهم الوطَن، ومَن ‏همّهم مصالِحُهم، وارتفعَ حجم التّحويلات الدولاريّة - نسبة للدولار- إلى حساباتهم التي تتنكّر لأوطانها.
هذا زمنٌ قذِر، تمكَّن فيه الأوباش مِن الوصولِ للحُكم، وتمكَّن بهِ الجهلَة والعابثونَ بمصائرِ النّاس، مِن السيطرةِ على السُلطات، وقوّضوا كُلّ شيءٍ لا يصبّ في صالحهم.

‏هذا زمنٌ أصبَحت فيه الأوطانُ مَسرحًا للعبثيّةِ، وملهًا لأربابِ المال، وحديقةً يتراكَض بينَ زهورها ثُلّة مِن صبيانٍ قُلِّدوا مناصبًا، لا يستحقّونها، وهي أكبَر منهُم ومِن تاريخ عوائلهم، كُلّها.
‏هذا زمنٌ تقولَبَت بهِ المفاهيم، وحُرِّفَت فيهِ المُعتقدات، وتشدَّقت بهِ القيادات الهشَّةُ، وأصبحَت، في قرارةِ نفسها، هي الزّعيم الأجدَر بالزّعامة.
فحتى مقوِّمات النّجاح والتطوّر، ما عادَت تلكَ المقوِّمات التي عرفناها. فقَد أصبحَت، اليوم، تتمثَّل ب:
- النّفاق
_ الكذِب
_كُثرَة المال

هذا زمنٌ طلَّت فيهِ حالَة اللّاوعي بالسّياسة مِن جُحورها، وضعُفَت فيه حالة عدَم القُدرَة على تكوينِ مكوّنات/جماعات سياسيّة قادِرة على مُقارَعة السُلطَة بالطريقة السياسيّة القويمة، التي تنقُلنا إلى الوطَن الذي نُريد، أو إن لَم نتمكّنَ مِن ذلك، على الأقل، أن نعودَ للوطَن الذي جُرِّدَ مِن كُلّ قِواه، مِن بعدِ ستينيّاتِ القرنِ الماضي... هذه الحالة، تُمكِّن السُلطة مِن تبديل حصانها في مُنتصفِ السّباق، وذلكَ لأنّها تعي جيدًا، أنَّ العبثيّة والتشظّي هُما ما يُحركان الشّعب. وبالنسبةِ للسُلطة، فإنّهُما مكامِن قوّة لها.

والحالتان آنفتا الذِكر، كانتا سببًا في تقسيمِ الوطن، وطننُا، وإدخالهِ في معمَعة ال"نحنُ" و"الهُم"، وجعلهِ وطنًا تصبّ كُلّ فوائدة وخيراتهِ في جُعبِ جماعةٍ لا تتجاوز نسّبتها ال1% مِن شعب هذا الوطَن. وأمّا ما تبقّى مِن الشّعب ليسَ لهُ أكثرَ مِن يكونَ متمتّعًا بفُتاتِ هؤلاء كلّما قدَّم لهُم الطّاعة، وأعلنَ الولاء المُطلَق لهُم.

فكانَت مِن أهمّ النتائجِ التي توصّل إليها الشّعبُ فيما يتعلَّق بمصيرِ هذه البِلاد، هو:

أنَّها بلادٌ مُتآكِلة، آيلةٌ للسُّقوط، وكُلّ ما فيها مِن ذَوات لا يستَطيعونَ أن يوقفوا سُقوطها..كيفَ سيحدُث هذا ونحنُ لا نراهُم إلّا عندَ الكوارِث، أو عندَ نجاحٍ - أيًّا كان هذا النّجاح- فرديّ، لَم يأتِ إلّا بسببِ قُدراتٍ عقليّةٍ وهبها الله لصاحبِ النّجاح، وليسَ بسببِ منظومةِ كاملة مُتكامِلة أوجدتها العقليّات التي لا يُمكنها أن تُفكِّرَ خارج الصندوق الذي وضِعَت بهِ.

المأساةُ ليسَت بانهيارِ العِمران، ولا بوقوعِ أيّ كارِثة ؛ لأنّ انهيارِ العِمرانِ و وقوع الكوارِث، أمران قَد يحدُثا دونما أن يكونَ هناكَ تقصيرًا مِن قبلِ مَن يقومونَ بإدارةِ الحُكومة التي لا تشبهنا. إذ أنّهُ ليسَ بالضّرورة أن يكونَ هناك علاقة ما بينَ الأمرين..وإنّما المأساةُ تكمُن في العقليّةِ التي لا تنظُر ل"المُتواجدينَ" على هذه الرُقعة البائسة إلّا على أنّهُم أرقامًا لا فائدة منها إلّا للإحصاء الذي مِن خلالهِ سيحصلونَ على القُروض والمِنح الخارجيّة، والتي ستدخُل حساباتهم الخاصّة، أو تُهرَّب للملاذات الآمِنة.

فكَم مِن كارثةٍ حدَثت في هذه البِلاد والمُتحكِّمون بمصائرِ العِبادِ دونما أيّ حَق، يُصرُّونَ على تنفيذِ خُططهم التي وضعوها بعقليّةٍ بائدة، لا يُمكِن أن تكونَ سببًا في نهوضِ ورفعةِ هذه البِلاد...

سيُهدَم/وسيُهدَّم بناء البَلد بأكملهِ، طالما أنّنا غيرَ قادرينَ على الحِفاظِ على الأرواح البشريّة، وطالما أنّنا لا ننظُر للمُتواجدينَ في هذه البِلاد، إلّا حينما نُريد تحقيق "شوينغ أوف" وتلميع صورتنا الإقليميّة والعالميّة، مِن خلال زيارتٍ لا يُمكِن أن تُغيّرَ الصورة النمطيّة التي أوجدتموها لأنفُسكُم.

لذا..اغضَبوا، وتحدّثوا عَن خُذلانهِم لكُم، وجرِّدوهُم مِن كُلّ قواهُم التي ما كانوا ليتمتّعوا بِها لولاكُم..همّشوهُم، وبلهجتنا القرَويّة "إزبلوهُم" وتعاملوا معهُم على أنَّهُم ليسوا بأكثر مِن خدَمٍ لكُم، تصدّوا لهُم، ولا تسمَحوا لهُم، بسبب قراراتهم الميّتة الرجعيّة، أن يُبدِعوا بقتلِكُم..
أنا أعلَم بأنَّ كُلّ الشتائم وسحائب اللّعنات التي تنسِجونها مِن مراراتكم وحنقكم عليهم، لا يُمكِن أن تكفي لإطفاء اللَّهب المُشتعِل في صدُوركُم، ولا بقادِرة على أن تُضمِّدَ جراحكُم التي هتَّكَت قلوبكُم.

وأخيرًا...أقول: مَن يفشَل في بناء الإنسان حتمًا سيفشَل في بناءِ العِمران.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي