|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عثمان بوتات
2022 / 8 / 24
هاجمت شخص سقراط ووصفته بأفظع الصفات وانه لمفسد لعقول الشباب. ولا شك أنك كنت حقاً شجاعاً وجريء. وبالغالب أنت محق الاعتقاد بأنه بالغ الترويج لأفكاره المثالية والبعيدة عن الواقع. تلك الأفكار التي ربما تكون قد أدلت بثمارها لإفساد عقول فئة من الناس. كالفئة التي حولتها والفلسفة اليونانية عامة الى أديان وجعلت منها ارضاً خصبة للإبداع في خلق التخاريف واستغلال العقول الضعيفة. ولربما هجومك على سقراط كان هجوماً على الكنيسة والدين! ربما تلقي عليه اللوم لما كانت عليه الكنيسة من قوة! أو ربما كان هجوماً على العقل في الأساس! على العقلانية وفلسفتها التفاؤلية!
لقد كان واضحاً أنك سفسطائيّ التوجه. ذلك التوجه الذي هاجمه سقراط بشراسة. لكنك في الحقيقة ورغم اختلافك الفكري معه انت لم تختلف عن نهجه المتطرف التي تدفعه مشاعر الانتقام. مشكلتك مع الميتافيزيقيين وافكارهم جعلتك تهاجم الاخضر واليابس المرتبط بهم بكل ما اوتيت من قوة.
وعلى نفس نهج سقراط الذي وصفته بمفسد عقول الشباب. نراك في زمن اخر تروج لأفكارك حول اخلاق السادة والعبيد وكيف يجب رؤية القوي والشجاع والمهيمن... على انه ذو الاخلاق السامية. وما المتواضع والطيب... الّا ضعيف القوة يعوض نقصه بأخلاق العبيد. الخبر الجيّد ان افكارك هذه قد تم تلقيها وفهمها. والخبر السيء أن المتلقي كان هو الانسان. افكارك " التي لا تفسد عقول الشباب" استخدمت كورقة رابحة ومبرر لنبذ اليهود من قبل النازيين. ولو ولد نيتشه آخر الان بيننا يعتقد بمنطقك لاتهمك هو الآخر بنيتشه مفسد عقول الشعوب وليس فحسب عقول الشباب.
ان للأفكار سواء كانت دينية او فلسفية او سياسية قوة عظيمة. للهدم او للبناء. وفلسفة نيتشه في هذا السياق القائمة على الرغبة في الانتقام والقوة نموذج لا يمكن ان يكون بنّاء.
أيها الانسان انك خاضع لرغبات الكره والانتقام... في طبعك البشري المتطور بفعل أسباب بيولوجية كباقي الكائنات الحية. وانك لا تعتبر انساناً الّا بسيطرتك عليها بإنسانيتك واخلاقك. بالعقل الذي تتميز به. لكنك ضعيف وجبان للتجرّء على استخدامه. ولحظة ان تعطيك "قوة الفكرة" الضوء الاخضر سترى المبرر ويغيب حينها العقل ويدخل ذلك الكائن البشري الغابوي للتصرف. ذاك الكائن الأخطر بين كل الكائنات. الذي قد يبيد الملايين من الاقلية الضعفاء ويبرر بانهم لا يستحقون العيش وأن لهم اخلاق عبيد. الذي قد يغزو عشرات القبائل ويغتصبهم ويبرر بانه يريد نشر افكار الحق. الذي قد يعذب الملايين من الناس والحيوانات ويبرر بانهم لم يخضعون لأوامره او انهم مختلفين بشرةً او فكراً او جنساً... هذا كل ما يستطيع الجبان فعله بعقله. التنفيذ والتبرير. وانها لمبررات مثيرة للاشمئزاز، ولا تعبر الّا عن جهل وجبن صاحبها، وكان سيكون من الافضل عدم وضعها كحاجب، وان يكون الانسان شجاعاً بما يكفي للاعتراف بانه لا يستطيع مقاومة رغباته ولهفاتة. سيكون على الاقل انسان مثير للشفقة لكن شجاع.
أيها الانسان افكارك التي تفكّر فيها، أو تظن انك تفعل، اذ لم تكن أفكاراً تقدم العقل والأخلاق.. على الرغبة. سواء في الانتقام أو في رد الثأر أوفي مصالح ذاتية والاجتماعية؛ فهي افكار لا فائدة منها. وقد تكون خطيرة مهما كانت عبقريتها وقابليتها للعمل.
أيها الانسان كن شجاعاً بطرح افكارك الفلسفية والعلمية والسياسية نعم.. لكن مع التفكير كذلك بتأثيرها على الغير والواقع. هذه هي العبقرية برأيي. ان ترى ابعد من ذاتك ومصلحتك... نحو التفكير في الآخر وفي الكون وحبه والانسجام معه.. بعبقريتك واخلاقك. وصدقني ستعود بنتيجة مرضية نفسياً، سترى في نفسك ذلك الانسان الذي يسيطر بعقله، وليس الانسان الذي يسيطَر على عقله.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |