|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
آصف ملحم
2022 / 8 / 2
تم نشر مجموعة من الوثائق في مواقع إلكترونية مختلفة، عربية و أوكرانية؛ وهذه الوثائق تتضمن عقود وبوليصات شحن أسلحة ومعدات عسكرية وقنابل من أذربيجان إلى أوكرانيا. وفقاً لهذه الوثائق، تمت عملية تصدير الأسلحة من أذربيجان إلى أوكرانيا في شهري نيسان وحزيران الماضيين، أي بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
يدل نشر هذه الوثائق في توقيت متقارب على أن هناك جهة واحدة تقف وراء هذا الموضوع؛ فالمجموعة الأولى ظهرت بتاريخ 19 تموز الماضي والمجموعة الثانية ظهرت في 20 تموز الماضي.
علاوةً على ذلك، فلقد تم نشرها بعد اتهام الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، بتاريخ 15 تموز 2022، وزراة الدفاع الروسية بالإخلال بالتزاماتها حول إقليم ناغورني-كاراباخ، المتنازع عليه بين أرمينيا و أذربيجان. فوفقاً لما تم نقله عن علييف، فإن القوات الروسية تعهّدت بخروج القوات الأرمينية من الإقليم بنهاية حزيران 2022؛ وذلك تنفيذاً للإتفاقية الثلاثية التي تم توقيعها بتاريخ 10 تشرين الثاني 2020. لذلك من المرجّح أن تكون الغاية من نشر هذه الوثائق هي توتير العلاقات بين روسيا وأذربيجان.
في الواقع، من الصعب جداً التحقق من صحة هذه الوثائق؛ فالصفقات العسكرية عادةً تكون محاطة بسرية مطلقة، ولكن بالتأكيد لعملية التسريب أو النشر أهداف سياسية؛ لذلك فالسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا:
من هي الجهة صاحبة المصلحة بترويج هذه الوثائق في شبكة الأنترنت؟
والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال هو الهدف الرئيسي لهذه المقالة!
على هذه الخلفية، بغض النظر عن كون هذه الوثائق مزوّرة أم صحيحة، يمكننا حصر الجهات صاحبة المصلحة بتسريبها بالأطراف التالية:
1-أوكرانيا.
2-روسيا.
3-طرف ثالث.
و سنناقش كل احتمال لوحده!
أولاً-أوكرانيا
نعتقد أنه لا مصلحة للجهات الرسمية في أوكرانيا بنشر مثل هذه الوثائق، سواء كانت مزوّرة أو غير مزوّرة؛ لأنه إذا كان بالفعل تم توريد أسلحة إلى أوكرانيا من أذربيجان فكشف هذه القضية سيؤدي إلى الإساءة إلى العلاقات الأذربيجانية-الأوكرانية، وهذا ما قد يجبر أذربيجان على التوقف عن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا.
لقائل أن يقول: قد تكون القيادة الأوكرانية متفككة، ولا يوجد تنسيق بين القيادة السياسية و العسكرية و الأمنية، وقام أحدٌ ما بتسريب هذه الوثائق؟!
هذا الإحتمال أيضاً مستبعد، لأن هذه الجهة الأوكرانية ستنكشف عاجلاً أم آجلاً، وهذا بدوره سينعكس سلباً على أوكرانيا.
قد يكون هناك ناشطون أوكرانيون، قد تبرعوا بتزوير هذه الوثائق بهدف رفع معنويات الجيش الأوكراني والشعب الأوكراني؛ إلا أن وجود كتابة باللغة الروسية على شعار (لوغو) شركة النقل الأوكرانية (ميريديان) يدحض هذا الإحتمال تماماً؛ فالمواطنون الأوكرانيون عامةً، و العاملون هناك في صناعة الإعلام خاصةً، يميّزون اللغة الأوكرانية عن اللغة الروسية؛ كما أنهم يعلمون أن شعار أي شركة أوكرانية يجب أن يكون باللغة الأوكرانية وليس الروسية؛ خاصةً إذا علمنا أن هذه الشركة معروفة في أوكرانيا، ولها موقع على النت يعرفه الجميع، كما أن وثائقها منشورة على الكثير من المواقع الرسمية ويستطيع أي شخص الحصول على بياناتها بسهولة تامة.
ثانياً-روسيا
قد يقول قائل: روسيا هي من نشرت أو سرّبت هذه الوثائق، والهدف هو إشغال الرأي العام عن طلب الرئيس الأذربيجاني حول سحب القوات الأرمينية من كارباخ!
هذا الإحتمال مستبعد تماماً؛ لأنه قد يتم إشغال الرأي العام لفترة من الزمن، ولكن بعد عدة أسابيع سيتم طرح مسألة انسحاب القوات الأرمينية من جديد؛ كما أن روسيا نفسها هي من رعت الإتفاق الثلاثي مع أرمينيا وأذربيجان، ومن مصلحة روسيا أن تحافظ على علاقة جيدة مع أذربيجان وتركيا في هذه الظروف.
أما إذا كانت الوثائق حقيقية، فتستطيع روسيا مخاطبة أذربيجان عبر القنوات الرسمية لمعالجة هذه المسألة قبل وصولها إلى الإعلام؛ خاصةً إذا علمنا أنه لا مصلحة لأذربيجان نفسها للقيام ببيع أسلحة إلى أوكرانيا؛ فعلاقتها جيدة مع روسيا!
ثالثاً-طرف ثالث
من المرجّح أن تكون إحدى الجهات التابعة لحلف الناتو، أو ممن يدور في فلكه، وراء الموضوع؛ خاصةً أنها جاءت بعد بضعة أيام من خطاب الرئيس الأذربيجاني ومطالبته روسيا بالإلتزام بتعهداتها؛ فلحلف الناتو مصلحة مباشرة بإشعال جبهة جديدة في إحدى خواصر روسيا بغية تخفيف الضغط على أوكرانيا وتشتيت الجهود الروسية والقوة الروسية. كما أن لحلف الناتو مصلحة مباشرة بتوتير العلاقة بين روسيا و تركيا، حليفة أذربيجان، خاصةً أن العلاقات الروسية-التركية شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة؛ كما أن تركيا تحاول لعب دور متوازن بين جميع الأطراف في معالجة الأزمة الأوكرانية، ويسعى الغرب إلى الدفع بتركيا لانحياز أكبر لمصالحه.
بناءً على ما تقدم، فإن الهدف الحقيقي لنشر أو تسريب أو تزوير هذه الوثائق هو الإيقاع بين روسيا و أذربيجان، وبالتالي إشعال إقليم ناغورني-كاراباخ؛ فروسيا كانت هي الضامن الوحيد لاتفاق السلام الذي تم توقيعه بين أذربيجان و أرمينيا في عام 2020، وقوات حفظ السلام الروسية موجودة في هذا الإقليم لهذا الغرض. والدول الغربية لها مصلحة مباشرة في ذلك، والهدف هو إيجاد موطأ قدم لها في القفقاز، ليكون منصة الانطلاق لزعزعة استقرار روسيا.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |